الوقت - لقد كانت حرب الأيام الاثني عشر يوماً، نكبةً زلزلت أركان الكيان، وهشمت كبرياءه الزائف، وكما أشار المرشد الإيراني الأعلی، فقد آل المخطط الذي حاكه الکيان على مدار عشرين عاماً لمواجهة إيران إلى سراب بقيعة، وحاق بهم الفشل من كل جانب، ولئن حاولت ماكينة الرقابة العسكرية إسدال الستار على حجم الكارثة، فإن ما رشح من اعترافات القادة وألسنة الإعلام يشي بخسائر اقتصادية وعسكرية ومجتمعية فادحة، قصمت ظهر الكيان وألجأته صاغراً إلى طلب وقف النار، بعدما أدرك أن استمرار المعركة يعني الفناء المحتم.
من أفواههم ندينهم… اعترافات العجز والانكسار
جاءت الشهادة من أهل الدار، إذ صرح اللواء غيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي: “إن مصلحة إسرائيل تكمن في طي صفحة الحرب والرضوخ للتهدئة؛ فالاستمرار فيها ضرب من الانتحار”، وفي هذا الإقرار اعتراف صريح بالعجز عن بلوغ المرام، إذ فاقت فاتورة الحرب وخسائرها كل المكاسب الموهومة.
وعلى المنوال ذاته، نسج إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق، قائلاً: “لقد زرعت الصواريخ الإيرانية الدمار في مدننا، وأثبتت طهران أنها لا تقبل المساكنة مع هذا الكيان”، وهو قول يفضح فشل استراتيجية العقدين في كبح جماح القوة الإيرانية.
ولم يتخلف المحللون عن ركب الناعين، إذ صرحت القناة الثانية عشرة قائلةً: “عجزنا عن قهر إيران، وسندفع الثمن غالياً في قادم الأيام”، وأكد يوسي يهوشوا في “يديعوت أحرونوت” أن الكيان بكل جبروته وقف عاجزاً أمام البأس الإيراني، بل إن صحيفة “معاريف” أقرت بأن إيران خرجت من أتون الحرب أشدّ عوداً وأقوى شكيمةً، رغم عدم استخدامها كامل ترسانتها من الصواريخ الثقيلة.
نزيف الخزائن وشلل الاقتصاد
أحصت دائرة الضرائب في الكيان سجلات الخراب والدمار، فرصدت 41651 ملفاً للخسائر، توزعت بين مبانٍ تهدمت، ومركبات تحطمت، ومعدات تلفت، ولا يزال آلاف المتضررين لم يسجلوا شكاواهم بعد.
وقد قدّر المحلل الاقتصادي شلومو معوز تكلفة هذه الأيام العجاف بنحو ستة عشر مليار دولار، وهو ما يعادل خسارةً فادحةً في الناتج المحلي، كما تسبب الشلل الاقتصادي اليومي في تبديد مليار ونصف المليار دولار، إذ تعطلت التكنولوجيا، وتوقفت السياحة، وشُلت حركة النقل والمطاعم، وأوصدت المطارات أبوابها في وجه الملاحة، وحتى لو تم تعويض نصف الخسائر، فستبقى فجوة مالية تقدر بثمانية مليارات دولار، تنخر في جسد الاقتصاد المتهالك.
فاتورة النار والبارود
بلغ الاستنزاف العسكري ذروته، إذ أنفق الجيش قرابة سبعمئة وخمسة وعشرين مليون دولار يومياً، ليصل المجموع إلى ثمانية مليارات وسبعمئة مليون دولار في اثني عشر يوماً، شملت هذه النفقات طلعات الطائرات، واستخدام الذخائر، وتشغيل منظومات الدفاع الجوي التي تآكلت جدواها، مثل “القبة الحديدية” و"مقلاع داوود"، حيث تتراوح تكلفة الصاروخ الاعتراضي الواحد بين سبعمائة ألف وأربعة ملايين دولار، وبذلك، ناهزت الفاتورة العسكرية الإجمالية اثني عشر ملياراً ومائتي مليون دولار.
جحيم الصواريخ الإيرانية
ألحقت الضربات الإيرانية الدقيقة دماراً مباشراً بالبنية التحتية قُدر بثلاثة مليارات دولار، مستهدفةً مفاصل حيوية كمصفاة حيفا، ومعهد وايزمان، ومنشآت عسكرية في تل أبيب، وقد أجبر القصف ثمانية عشر ألف مستوطن على النزوح، ما كلّف الخزينة نصف مليار دولار لإيوائهم، فضلاً عن الحاجة لسنوات طوال ومليارات الدولارات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
تداعيات الانهيار الاقتصادي
عقب هذه الهزيمة النكراء، قفز عجز الموازنة إلى ستة بالمئة من الناتج المحلي، وتضخمت نفقات الدفاع، واضطر البنك المركزي لخفض توقعات النمو لعام 2025، بينما توالت التحذيرات من وكالات التصنيف الائتماني العالمية، وحتى الدعم الأمريكي السخي، الذي ناهز المليار دولار عبر منظومات “ثاد”، وقف عاجزاً أمام الطوفان، ما دفع واشنطن للعزوف عن توسيع دائرة الصراع.
خاتمة المطاف
لقد كانت حرب الأيام الاثني عشر وصمة عار في جبين الكيان، وحقبة سوداء استنزفت قدراته، وتشير التقديرات الشاملة إلى أن الخسارة الكلية لامست سقف الأربعين مليار دولار، موزعةً بين تكاليف عسكرية، وشلل اقتصادي، ودمار في البنيان، ونفقات للإيواء.
تؤكد هذه الأرقام المفزعة، المستقاة من مصادر الکيان الصهيوني نفسه، أن الكيان الصهيوني قد جثا على ركبتيه تحت وطأة الضغط الاقتصادي والعسكري والاجتماعي، لقد تهاوت خطة العشرين عاماً، واضطرت تل أبيب لتجرع كأس السم والقبول بوقف النار، تفادياً لانهيار اقتصادي شامل، ليثبت التاريخ أن “إسرائيل”، رغم صخبهـا وضجيجها، قد أصيبت بشلل شبه تام أمام بأس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
