الوقت – في حقبةٍ سبقت عملية “طوفان الأقصى” التي قلبت موازين الكيان الصهيوني، ظهر شابٌ في السادسة والعشرين من عمره، مهاجراً من ولاية نيوجيرسي الأمريكية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد عقد العزم على أن يدعو المستوطنين إلى التوسع في السياحة والسفر إلى الدول المجاورة، في محاولةٍ لزرع شرعيةٍ زائفة لكيان الاحتلال على مسرح العلاقات الدولية بأسرع ما يمكن، وما لبث أن توسعت خططه ليعبر إلى ميادين جديدة، حيث نسج خيوط تواصل مع زعماء دينيين وناشطين اجتماعيين من مختلف بقاع الأرض، مستغلاً منصات التواصل الاجتماعي لترويج أفكاره وإحكام قبضته على شبكات النفوذ الدولي.
بلوم، الذي يحمل جنسيتين أمريكية وإسرائيلية، ركز جهوده على تعضيد الدبلوماسية العامة، ودعم المشاريع التجارية العائلية في المستوطنات الصهيونية، والعمل على تبييض صورة الاحتلال في المحافل الدولية، ومن خلال هذه الجهود، أصبحت مساعيه مرآةً تعكس التخطيط المحكم لتوسيع الشبكات الاقتصادية والاجتماعية بين المستوطنين وجيرانهم، ولا سيما الجماعات الكردية التي شكّلت جزءاً من منظومته.
رحلة الهجرة إلى الأراضي المحتلة
وُلد جداليا بلوم عام 1979 في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، وأتمّ دراسته الجامعية في تخصص علم النفس بجامعة رووان بين عامي 1996 و2000، وفي عام 2005، قرر شدّ الرحال إلى فلسطين المحتلة، ليحصل على الجنسية الإسرائيلية ويستقر في مستوطنة “عالي”، الواقعة في منطقة بنيامين شمال الضفة الغربية، إحدى المستوطنات اليهودية المقامة على أراضٍ محتلة.
بعد استقراره، أطلق بلوم منصة “Dapei Katom” أو “الصفحات البرتقالية”، إلى جانب منصة “No2BDS”، بالتعاون مع أحد الناشطين الصهاينة، في عام 2009، وقد ركّز جهوده على مواجهة تأثيرات حركة مقاطعة "إسرائيل" (BDS)، مستغلاً مهاراته في التسويق وتحسين عمليات الأعمال ودعم المؤسسات الصغيرة في مناطق يهودا والسامرة.
عملت منصتا “Dapei Katom” و"No2BDS" على مواجهة الحملة الاقتصادية ضد الاحتلال، من خلال الترويج للمنتجات والمشاريع الصغيرة التي يديرها المستوطنون في الضفة الغربية، وسعت هذه الجهود إلى استبدال سياسة المقاطعة بحوافز شراء، عبر تطوير خطط تسويقية، وتعزيز الحضور الإلكتروني، وربط هذه المشاريع بشبكات توزيع دولية، ما ساهم في تصدير منتجات المستوطنات وإيصالها إلى الأسواق العالمية.
وقد خُصصت منصة “Dapei Katom” لخدمة السوق الداخلي الإسرائيلي، في حين صُممت منصة “Boutique Katom”، باللغة الإنجليزية، لتكون نافذةً موجهةً إلى السياح والمجتمع الدولي، تعرض مئات المنتجات المحلية وتروج لها.
أسّس بلوم أيضاً موقع “No2BDS.org” كمنصةٍ لجمع التبرعات ودعم مشاريع المستوطنين الصهاينة بشكل مباشر، ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، استغل حسابات هذه المبادرات لنشر محتوى دعائي يروّج لواقع الحياة في "إسرائيل"، ويواجه الخطاب المناهض للصهيونية.
وقد ادّعى بلوم أن شبكته المهنية، التي بناها خلال سنوات عمله، تفاعلت مع أكثر من ثلاثة آلاف مشروع تجاري عائلي، ما جعلها قاعدةً صلبةً لانطلاق مشاريعه المستقبلية، هذا النجاح فتح له أبواباً جديدةً، فتولى رئاسة تحرير مجلة “Yazam Magazine” بين عامي 2014 و2015، كما شغل منصب مدير تطوير الأعمال في شركة التسويق “Penguin Strategies” خلال عامي 2015 و2016.
شبكة النفوذ الثقافي للصهاينة في أفريقيا والمنطقة
وفي عام 2016، شارك بلوم في تأسيس منصة “Heartland Initiative”، التي رفعت شعار “دبلوماسية عامة ترتكز على الإيمان والتعليم والمشاريع ذات الأثر الاجتماعي”، وقد سعى من خلالها إلى بناء روابط بين رؤساء البلديات والناشطين الدوليين من جهة، والمستوطنين الصهاينة من جهة أخرى.
وحسب تصريحات بلوم خلال الاجتماعات التي عقدتها هذه المبادرة، فإن الهدف النهائي هو تعزيز العلاقات مع الحلفاء المسيحيين والأفارقة والمحافظين في أوروبا وأمريكا، وفي سبتمبر 2023، أي قبيل حرب غزة، تولى بلوم منصب الشريك التنفيذي في هذه المبادرة، التي ركّزت على “الدبلوماسية القائمة على الإيمان” في القارة الأفريقية، عبر شبكات دينية ومنظمات خيرية وناشطين اجتماعيين، في محاولةٍ للتأثير على الرأي العام وكسب الدعم الشعبي.
وفي عامي 2024 و2025، برزت هذه الجهود بشكل أوسع من خلال تشكيل شبكات داعمة لـ "إسرائيل"، مثل “Israel Allies Caucus”، التي تهدف إلى بناء جسور التواصل بين "إسرائيل" وحلفائها في أفريقيا وغيرها من المناطق.
جلسة العقول الاستراتيجية: تخطيطٌ خلف الأبواب المغلقة
وفي سبتمبر 2024، نظمت منصة “Heartland Initiative”، بقيادة بلوم، اجتماعاً بعنوان “جلسة العقول الاستراتيجية” في متحف “Friends of Zion” بمدينة القدس المحتلة، الهدف كان واضحاً: بناء شراكات طويلة الأمد بين الناشطين والقيادات الداعمة لـ "إسرائيل".
شهد الاجتماع مشاركة نخبةٍ من الشخصيات السياسية والإعلامية والأكاديمية، التي ناقشت التحديات المتعلقة بالدبلوماسية العامة والعلاقات الدولية للكيان الصهيوني، وقد تم تصميم هذا الحدث ليكون نقطة انطلاقٍ لتنسيق الجهود العالمية بين حلفاء "إسرائيل"، بما يشمل إدارة الحملات الإعلامية، والتصدي للخطاب المناهض للصهيونية في الجامعات ووسائل الإعلام، وتعزيز النفوذ الدولي للكيان عبر بناء ائتلافاتٍ متماسكة.
شبكة الاقتصاد الصهيوني في يهودا والسامرة بالضفة الغربية
وفي ديسمبر 2020، أطلق بلوم منصةً اقتصاديةً جديدةً تحمل اسم “Bikurim”، بهدف تعزيز الاقتصاد الصهيوني وتمكين الأسر المستوطنة في مناطق يهودا والسامرة والضفة الغربية، وقد وصف هذه المناطق بأنها “القلب النابض لإسرائيل”، مشيراً إلى أن مشروعه يسعى إلى دعم الاستيطان اليهودي في هذه الأراضي عبر قنواتٍ اقتصادية.
تضمنت جهود “بكوريم” تقديم استشاراتٍ تجارية، وتوفير أدواتٍ تقنية مثل إنشاء المواقع الإلكترونية والمتاجر الرقمية، إلى جانب تقديم قروضٍ بلا فوائد لتغطية نصف تكاليف الخدمات المقدمة للمستوطنين، كما ساهم المشروع في إطلاق عشرات المواقع والمتاجر والعلامات التجارية التي تخدم المستوطنين في مجالات الزراعة والسياحة والصناعة.
وفي منشورٍ له على منصة “لينكد إن”، عبّر بلوم عن سعادته بإطلاق النسخة الجديدة من موقع “بكوريم”، قائلاً: “إننا نشهد مشاركاتٍ متزايدة كل أسبوع، ما يمكّننا من لعب دورٍ أكثر تأثيراً في تطوير قلب "إسرائيل"، نحن نبدأ مشاريع جديدة، ونُشكّل هيئةً إدارية، وبعد النجاح الأوليّ الذي حققناه في المرحلة التجريبية، نمضي قُدماً لنرتقي بهذه المبادرة إلى مستوياتٍ أعلى، شكراً لكل من ساهم في هذا المسعى، ولا سيما ليزا كوينغ وأليسا سي، اللتين لم تكونا مجرد شريكتين في رؤية “بكوريم”، بل بذلتا جهداً متواصلاً لدفع عجلة العمل وتعزيز أثره، وإلى كل من ساهم في تحقيق هذا الإنجاز الكبير، احتفلوا معنا بهذا النجاح العظيم”.
جداليا بلوم، ذلك الناشط الصهيوني المتعصب، نسج بيديه مشاريع كثيرة تخدم الكيان الإسرائيلي، فكان بمثابة عقلٍ مدبرٍ يكرّس جهوده لتصميم وتنفيذ مخططاتٍ تخدم المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد استند في مساعيه إلى رؤيةٍ متشددةٍ تجاه تاريخ اليهودية والصهيونية، مسخّراً كل إمكاناته في سبيل شرعنة وجود الكيان الإسرائيلي على الساحة الدولية، وتعزيز حضوره الاقتصادي.
لطالما أظهر بلوم تعصباً أعمى تجاه الأراضي المحتلة، إذ لم يتوانَ عن التعبير عن حقده تجاه إيران وعمليات المقاومة الناجحة، مثل “الوعد الصادق”، بل وتمادى في التهكم على رموز بلادنا الوطنية، في محاولةٍ لتشويه الحقائق وتزييف الوقائع.
يدّعي بلوم أنه نجح في إطلاق حملاتٍ لمواجهة المقاطعات الدولية التي تستهدف المستوطنات الصهيونية، ويزعم أنه تمكن من تنظيم فعالياتٍ دبلوماسية جمعت بين قيادات دينية وناشطين دوليين، كان من بينها لقاءاتٌ مع ناشطين كرد في عام 2024. وقد شارك بلوم في مشاريع مثل “الأمل في الأرض المقدسة”، التي تهدف إلى الترويج لفكرة التعايش مع الصهاينة، فضلاً عن دعمه لحملات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في انتخابات 2024.
إن أهداف بلوم، التي رسمها منذ سنوات، تصب في خدمة مشروعٍ واحدٍ لا يُخطئ المراقب في إدراكه: وهو صناعة صورةٍ زائفةٍ إيجابية للاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة تبييض جرائم المحتلين بحق الشعب الفلسطيني، في مسعىٍ لتضليل العالم وإخفاء الوجه الحقيقي للاستعمار الصهيوني الذي ينهش أرض فلسطين.
 
                            
 
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
            
            
            
         
                
                
                
             
                     
                     
                         
                         
                         
                 
                 
                 
                 
             
             
             
            