الوقت - بعد أربعة أيام من تحليق ثماني طائرات مقاتلة إسرائيلية من طراز إف-15 وأربع طائرات إف-35 إلى البحر الأحمر وإطلاق صواريخها من سماء المملكة العربية السعودية على الدوحة لاغتيال قادة حماس في قطر، استضاف مسؤولون قطريون في واشنطن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
غرّد حمد المفتاح، نائب رئيس الوفد القطري، يوم السبت الـ 13 من سبتمبر/أيلول قائلاً: "انتهى العشاء الكبير مع الرئيس ترامب"، إلا أن المسؤول القطري لم يذكر ما هي القضايا التي تم تبادلها في المحادثة مع الرئيس الأمريكي بشأن الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة؟
تناقضات الرجل العجوز في البيت الأبيض!
رغم غياب أي دليل حتى الآن على تورط أمريكي مباشر في الهجوم على قطر، وتحميل بنيامين نتنياهو "إسرائيل" مسؤولية الهجوم صراحةً، إلا أن ادعاء دونالد ترامب بأنه فوجئ بالهجوم يُعدّ تناقضًا كبيرًا، فمن جهة، يدّعي ترامب أن هجوم "إسرائيل" على قطر كان مفاجئًا، ومن جهة أخرى، يقول إنه أمر ويتكوف بإبلاغ القطريين بالهجوم الإسرائيلي، وهو ما فعله، ولكن بعد فوات الأوان.
هذا التصريح من ترامب يعني أنه كان على علم قبل وقت قصير على الأقل، أو ربما قبل ساعات، من قرار "إسرائيل" بقصف مركز قيادة حماس في العاصمة القطرية، فإذا كان على علم، فلماذا لم تفعل أنظمة الدفاع الأمريكية في قطر شيئًا؟ ويبقى السؤال: لماذا لم يتوجه ترامب إلى قادة القيادة المركزية الأمريكية بدلًا من إبلاغ القطريين بأن القيادة المركزية الأمريكية تعترض الصواريخ التي أطلقتها "إسرائيل" باتجاه قطر؟
تشير التقارير إلى أن الكيان الصهيوني انخرط في عمليات عسكرية وتوترات في 11 منطقة ودولة منذ الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتشمل هذه المناطق والدول: غزة، الضفة الغربية، لبنان، سوريا، العراق، إيران، اليمن، مالطا (هجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية على سفينة تابعة لأسطول الحرية لغزة قبالة سواحل مالطا)، مصر (هجوم بدبابات إسرائيلية على موقع حدودي مصري على حدود غزة في الـ 22 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومقتل جندي مصري يُدعى "خالد شريف عصفورة" برصاص الجيش الإسرائيلي في رفح في الـ 27 من مايو/أيار 2024)، تونس (هجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية على السفينة الرئيسية لأسطول "صمود" لإنقاذ غزة في المياه التونسية في الـ 9 من سبتمبر/أيلول 2025)، وقطر، لكن أحدث عدوان إسرائيلي وعملها الاستفزازي وقع على أراضي أحد أقرب حلفاء أمريكا من خارج حلف الناتو، وهي دولة تربطها علاقات وثيقة للغاية مع إدارة ترامب، وتستضيف ما لا يقل عن 11 ألف جندي أمريكي وعشرات الطائرات المقاتلة والمعدات الدفاعية الأمريكية في قاعدة العديد العسكرية، أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة، ألم يكن وجود أكثر من 100 طائرة مقاتلة أمريكية، ومركز العمليات الجوية المشتركة النشط، الذي يتولى إدارة العمليات الجوية الأمريكية في منطقة غرب آسيا، ومركز تنسيق ومراقبة العمليات الجوية الأمريكية في المنطقة، ووجود أنواع مختلفة من الطائرات المقاتلة الأمريكية، بما في ذلك قاذفات F16 وF15 وB52 وB-1، ومقاتلات الشبح F22، وطائرات الاستطلاع الإلكتروني RC-135، وطائرات أمريكية مسيرة قتالية وتجسسية متطورة، كافيًا لحماية قطر من 10 صواريخ أطلقتها طائرات مقاتلة إسرائيلية؟ يُشار إلى أن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية قطعت مسافة تراوحت بين 1800 و2000 كيلومتر لمهاجمة قطر، وخلال هذه المسافة الطويلة، تم تزويدها بالوقود جوًا بواسطة طائرات بوينغ 707.
وأكدت القناة 12 التلفزيونية في تقرير لها أن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية كانت تتزود بالوقود، وقد شوهدت آثار ناقلات أمريكية مرة أخرى أثناء عملية التزود بالوقود، فهل يمكن للولايات المتحدة حقًا التنصل من مسؤوليتها عن هجوم "إسرائيل" على قطر؟
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن المسؤولين القطريين صرحوا صراحةً أنه عندما "حذرتهم" الولايات المتحدة، كان من الممكن سماع دوي انفجارات في الدوحة في الوقت نفسه، هذا في حين أن مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان من شأنها أن توقف الهجوم، إلا أن ترامب اتصل بالمسؤولين القطريين بدلاً من الاتصال بنتنياهو، وقد تم ذلك الاتصال في وقت متأخر جدًا.
رضا ترامب عن قصف الدوحة
حتى بعد الهجوم على قطر، بدا الرئيس الأمريكي راضيًا بعض الشيء عن الهجوم، حيث كتب على مواقع التواصل الاجتماعي: "مع ذلك، فإن تدمير حماس هدفٌ جديرٌ بالاهتمام"، بالنظر إلى هذه المؤشرات، يمكننا الاستنتاج، في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا، أن ترامب لم يكتفِ بعدم فعل أي شيء لمنع الهجوم على قطر، بل سارع أيضًا إلى تحسين العلاقات مع قطر بعد الهجوم، الذي كان على علمٍ به، ووعد القطريين بعدم تكرار مثل هذا الحادث، كما أمر ترامب وزير خارجيته، ماركو روبيو، "بإتمام اتفاقية التعاون الدفاعي مع قطر"، ومع ذلك، بالنظر إلى سلوك ترامب المتناقض والمتكلف ردًا على الهجوم الإسرائيلي على قطر، هل يمكن للقادة القطريين حقًا أن يثقوا بواشنطن مجددًا؟ في حين أن واشنطن فشلت في اختبار توفير الأمن لقطر، أليس من الخطأ اختبار أمريكا مجددًا لتوفير الأمن لقطر؟ كيف سيثق القادة القطريون بوعود ترامب بتوفير الأمن لبلادهم مجددًا؟
