الوقت- يعتقد بعض المراقبين الإقليميين أن إصرار نتنياهو على مهاجمة المكتب السياسي لحماس في الدوحة، دون لفت انتباه الموساد، يعود إلى قضية "قطر جيت" و"مشاكله السياسية" في الأراضي المحتلة.
يُعدّ هجوم الكيان الإسرائيلي على المكتب السياسي لحماس في الدوحة مساء الثلاثاء حدثًا عسكريًا-سياسيًا غير مسبوق في تاريخ المنطقة، هذا العمل، الذي وصفته قطر بالعدوان وانتهاك صارخ لسيادتها، قد يكون بداية لتطورات في الشرق الأوسط وداخل الأراضي المحتلة.
ووفقًا لأحدث تقرير نُشر على موقع Ynet، فإن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتنفيذ هذا الهجوم، والذي رافقه، بطبيعة الحال، وفقًا لتقديرات وسائل الإعلام الإسرائيلية، فشلٌ ذريع، يتعارض مع رأي الموساد، وكان مدير الموساد، ديفيد بارنا، قد عارض استهداف كبار قادة حماس في قطر لأسباب مختلفة، معتقدًا أن العملية ستُحدث شرخًا في علاقات الموساد مع القطريين، بناءً على ذلك، رفض الموساد تنفيذ خطة كان يُعِدّها عبر عملائه في الأسابيع الأخيرة لتصفية قادة حماس، إلا أن نتنياهو قرر تنفيذ العملية باستخدام سلاح الجو الإسرائيلي، ووفقًا لموقع Ynet، فنظرًا لفشل الهجوم الواضح، من غير الواضح ما إذا كانت العملية البرية ستحظى بفرصة نجاح أكبر.
لكن النقطة المهمة في هذا الأمر كانت إصرار نتنياهو على تنفيذ هذه الخطة، رغم علمه بأن فرص نجاحها ضئيلة للغاية، وفي الوقت نفسه ستُسبب توتّرًا في علاقات تل أبيب مع الدوحة، وتوقف مفاوضات تبادل الأسرى مع حماس، أو حتى دفع الدول العربية في المنطقة نحو تحالف جديد ضد هذا الكيان، والأهم من ذلك، أنها ستُثير غضب ترامب؛ لأنه لم يُبلّغ بخطة نتنياهو إلا عبر الجيش الأمريكي قبل دقائق من الهجوم.
بالنظر إلى هذه العوامل، يُمكن القول إن سبب إصرار نتنياهو على مهاجمة مقر حماس في الدوحة، دون تدخل أو اهتمام من الموساد، يعود إلى قضية "قطر جيت" و"مشاكله السياسية" في الداخل.
تُعدّ قضية "قطر جيت" فضيحة سياسية وأمنية في حكومة نتنياهو، كُشف عنها مطلع عام 2025، مؤكدةً مزاعم فساد مالي ونفوذ أجنبي داخل حكومته، في هذه القضية، يُتهم مستشارو نتنياهو المقربون بتلقي أموال من قطر لتقديم صورة إيجابية عن البلاد في وسائل الإعلام الإسرائيلية والتأثير على الرأي العام، كما تشمل الفضيحة تهمًا مثل خيانة الأمانة، والتواصل مع عميل أجنبي، وحتى الكشف عن معلومات سرية.
بدأ جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) والشرطة الإسرائيلية التحقيق في هذه القضية، وأصبح علنيًا في فبراير 2025، وأُلقي القبض على اثنين من مستشاري نتنياهو الرئيسيين، يوناتان أوريتش وإيلي فيلدشتاين، خلال التحقيق، اتُهموا بالعمل مع ممثل قطري لتقويض دور مصر في التوسط في محادثات غزة وتعزيز موقف قطر، وكان هدف هؤلاء الأفراد تحسين صورة قطر في فلسطين المحتلة والولايات المتحدة.
على الرغم من أن نتنياهو نفى هذه الاتهامات وادعى أن إثارة هذه القضايا جزء من حملة سياسية ضده، إلا أن التحقيق لا يزال يُظهر وجود أدلة على أن المحكمة قررت إبقاء القضية مفتوحة، وكشفت التحقيقات أن هؤلاء المستشارين ربما سربوا وثائق سرية إلى قطر، من جانبها، نفت قطر هذه الاتهامات، وأكدت أن دورها كوسيط في المفاوضات مع حماس و"إسرائيل" كان بناءً على طلب الولايات المتحدة فقط.
أثارت القضية توترات داخلية في "إسرائيل" ومظاهرات احتجاجية ضد نتنياهو، وقال المتظاهرون إنه بينما يواجه نتنياهو ثلاث قضايا مفتوحة بتهم الفساد والرشوة، ويمثل أمام المحكمة أسبوعيًا، فإنه يواجه الآن قضية جديدة تجعل حاجته إلى التنحي أكثر وضوحًا من ذي قبل.
لذلك، في خضم هذه الضغوط، قرر نتنياهو مهاجمة الدوحة رغم معارضة الموساد، مما يعزز الصلة بين فضيحة قطر والهجوم، في هذا الصدد، يمكن تصور هدفين لنتنياهو:
1. حويل انتباه الرأي العام الإسرائيلي:
في حين يواجه نتنياهو مشاكل حرب غزة وتكاليفها المتزايدة، والتكاليف الباهظة لرد إيران الصاروخي في حرب الأيام الاثني عشر، فإنه منشغل أيضًا بالأخبار المتعلقة بقضية قطر، لذلك، قرر حل مشكلتيه الرئيسيتين بمهاجمة مقرات حماس: تصفية قادة حماس، والتأثير على مسار حرب غزة، بالإضافة إلى تغيير وجهة نظر الرأي العام.
في الواقع، يبدو أن هجوم "إسرائيل" على الدوحة جزء من استراتيجية نتنياهو لصرف انتباه الإسرائيليين عن الجمود العسكري في غزة وضغوط سكان الأراضي المحتلة لإطلاق سراح الأسرى، ويكتسب هذا التحليل أهمية خاصة نظرًا لتاريخ نتنياهو في استغلال الأزمات الخارجية بشكل متكرر للتغطية على مشاكله الداخلية.
2. إنهاء قضية قطر جيت:
كما ذُكر، تُركز القضية على العلاقات السرية بين كبار مسؤولي مكتب نتنياهو وقطر، ونتيجةً لذلك، ربما حاول نتنياهو اتخاذ موقف حازم ضد قطر لتخفيف الضغط الداخلي وتبرئة نفسه من تهم النفوذ الأجنبي، وقد وضعته مزاعم رشوة مستشاريه من قِبل قطر في موقف دفاعي.
في ظل هذه الظروف، قرر نتنياهو، الذي اهتزت حكومته بانسحاب الأحزاب الحريدية بسبب قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، ويواجه الآن مشكلة عدم إقرار مشاريع قوانينه في الكنيست دون أغلبية برلمانية، أن يُظهر على الأقل أن فريقه ليس خاضعًا لنفوذ خارجي، وبالتالي حل إحدى أهم مشاكله السياسية في التطورات الداخلية للكيان الإسرائيلي، ويرى أنه باتباع سياسة عدوانية ضد قطر، يمكنه استعادة مصداقيته الأمنية لدى الرأي العام.
ويُعدّ نهج نتنياهو العدائي تجاه المسؤولين القطريين، حتى بعد الهجوم الأخير على الدوحة والتهديد بتكراره، جزءًا من هذه الحيلة السياسية، وفي هذا الصدد، كان إعلان قطر تعليق وساطتها في المفاوضات سيناريوً توقعه نتنياهو على الأرجح، ورغم أن هذا الوضع قد يُلحق الضرر بالسجناء الإسرائيليين وعائلاتهم، إلا أنه يُمثل على الأرجح خطوة مهمة في الحياة السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إذ يُثبت أن فريقه لا يُخطط لتعزيز نفوذ قطر في المفاوضات، ولا يخشى حتى الانسحاب منها، لذلك، يُمكننا الاستنتاج أن ما حدث في الدوحة كان على الأرجح عملاً يهدف إلى تحقيق مصالح سياسية شخصية لنتنياهو، لقد أضرّت هذه العملية الفاشلة بعملية إطلاق سراح الأسرى، وستُصعّب بلا شك الأمور على الإسرائيليين المُحتجّين والغاضبين، ويُعدّ تكثيف هجمات أنصار الله بالصواريخ والطائرات المُسيّرة في اليمن في الأيام الأخيرة جزءًا من فرض هذه الشروط الصعبة.