الوقت - تواجه فلسطين المحتلة، الواقعة في غرب آسيا، تحديات عديدة، منها أزمة المياه والجفاف، هذه الأزمة، التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، لم تُلحق الضرر بالاقتصاد والزراعة في المنطقة فحسب، بل أثارت أيضًا قلقًا بالغًا لدى قادة الكيان الصهيوني.
تشير تقارير وسائل الإعلام العبرية والدولية، بما في ذلك صحيفة يديعوت أحرونوت ومجلة "وورلد بوبيوليشن ريفيو"، إلى أن "إسرائيل" تواجه واحدة من أشد أزمات المياه في القرن الماضي.
نظرًا لموقعها الجغرافي في منطقة قاحلة وشبه قاحلة، لطالما عانت "إسرائيل" من ندرة المياه، أدى انخفاض هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، والاستغلال المفرط لموارد المياه الطبيعية، مثل بحيرة طبريا والأنهار الشمالية، إلى تفاقم الأزمة، ووفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت، تواجه الأراضي المحتلة أسوأ جفاف لها منذ 100 عام.
جفّ نهر بانياس تقريبًا، ووصل منسوب مياه بحيرة طبريا، التي تُزوّد "إسرائيل" بنحو 30% من مياه الشرب، إلى أدنى مستوى له منذ قرن، كما انخفض منسوب البحر الميت بمقدار 1.3 متر خلال العام الماضي، ما يُشير إلى تفاقم الوضع.
الوضع المائي المتردي في "إسرائيل" وفقًا لبيانات معهد الموارد العالمية
وفقًا لبيانات معهد الموارد العالمية (WRI) ومراجعة سكان العالم، تحتل "إسرائيل" المرتبة الثامنة عالميًا من حيث الإجهاد المائي، وهو ما يُشير إلى أن أكثر من 80% من موارد المياه المتجددة قيد الاستخدام، هذا الوضع أسوأ حتى من إيران، التي تحتل المرتبة الرابعة عشرة عالميًا.
وقد تفاقم هذا الضغط المائي بفعل موجات الجفاف المتتالية، والنمو السكاني، والإفراط في استخدام الموارد الطبيعية، وتشير التوقعات العلمية إلى أنه بحلول نهاية القرن، ستواجه منطقة الشرق الأوسط انخفاضًا في هطول الأمطار بنسبة 12% وارتفاعًا في متوسط درجات الحرارة، ما سيزيد من الضغط على موارد المياه.
كان للجفاف آثار عميقة على مختلف قطاعات المجتمع الإسرائيلي، فقد تضررت الزراعة، التي تُعدّ العمود الفقري للمستوطنات الصهيونية في مناطق مثل الجليل المحتل ومرتفعات الجولان، بشد، واضطر المزارعون في هذه المناطق إلى التوقف عن زراعة المحاصيل الدائمة والموسمية، وجفت آلاف الأفدنة من الأراضي.
ولم يؤدِّ هذا إلى انخفاض الإنتاج الزراعي فحسب، بل هدد أيضًا الهوية الصهيونية القائمة على الزراعة والاستيطان، وقد أدى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، مثل زيت الزيتون، وغياب بعض المنتجات بسبب جفاف الأشجار إلى زيادة الضغط الاقتصادي على المجتمع الإسرائيلي.
بالإضافة إلى ذلك، ترتبط أزمة المياه أيضًا بسياسات الكيان الإسرائيلي تجاه الأراضي الفلسطينية، تشير تقارير حقوق الإنسان إلى أن "إسرائيل" دأبت على خفض أو تقليص حصص المياه لمدن مثل الخليل في الضفة الغربية بنسبة 40%، ما فاقم الأزمة الإنسانية في هذه المناطق، ولا تنتهك هذه السياسات مبدأ المساواة في الحصول على المياه فحسب، بل استُخدمت أيضًا كأداة للضغط على الفلسطينيين والمساهمة في عزلة "إسرائيل" الدولية.
رئيس سلطة الموارد المائية الإسرائيلية: الوضع يقترب من مستويات كارثية
أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، برئاسة بتسلئيل سموتريتش، أن هذا العام "عام جفاف"، وسيسمح هذا الإجراء بتعويض المزارعين المتضررين، كما أن خفض مخصصات المياه للزراعة والتحول إلى استخدام مياه الصرف الصحي المُعاد تدويرها للري مدرج على جدول الأعمال، لكن هذه الإجراءات في معظمها حلول مؤقتة، ولا يمكنها حل المشكلة بشكل كامل.
لا تُمثل أزمة المياه مشكلة بيئية فحسب، بل تُمثل أيضًا تهديدًا استراتيجيًا للكيان الصهيوني. ويشعر قادة الكيان بقلق بالغ إزاء عواقب هذه الأزمة، بما في ذلك تأثيرها على الأمن الداخلي والاقتصاد والعلاقات الدولية، حذّر رئيس سلطة موارد المياه الإسرائيلية من أن الوضع يقترب من مستويات كارثية، وتأتي هذه المخاوف في الوقت الذي يسعى فيه الكيان الصهيوني إلى إخفاء الأزمة عن الرأي العام لمنع انتشار الذعر.
قُوبلت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي زعم أن "إسرائيل" قادرة على حل مشكلة المياه في إيران، بسخرية من وسائل الإعلام والخبراء، وجاءت هذه الادعاءات في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل نفسها أزمة مياه عميقة، بل خاضت عدة صراعات عسكرية مع جيرانها على موارد المياه المشتركة، وقد كشف هذا التناقض الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني للعالم، وأدى إلى مزيد من عزلته.
أزمة المياه واحتلال سوريا
لا تقتصر أزمة المياه في "إسرائيل" على المشاكل الداخلية، بل أثرت أيضًا على علاقات الكيان مع جيرانه، وأبرزهم سوريا.
في الواقع، ووفقًا للخبراء، وراء الذرائع الكاذبة التي يستخدمها الكيان الصهيوني لاحتلال سوريا وإقامة مواقع عسكرية فيها، يكمن دافعٌ أكثر أهمية يُسمى السيطرة على موارد المياه، وهو دافعٌ لا يُلتفت إليه، وهو، كجانبٍ مُظلم من القمر، الجانب الخفي من مشروع الكيان الصهيوني الواسع في سوريا.
في جنوب سوريا، وخاصةً في المناطق التي يحتلها الكيان الصهيوني، توجد سدودٌ مائيةٌ مهمة تلعب دورًا استراتيجيًا في إمداد المنطقة بالمياه، ووفقًا للمعلومات المتاحة، يُعَدّ سدان رئيسيان في هذه المنطقة، يقعان تحديدًا بالقرب من الجولان المحتل ومحافظتي القنيطرة، من أهمّ هذه السدود:
سد المنطرة: يقع هذا السد، الذي يُعتبر أكبر سدٍّ في جنوب سوريا، على أطراف القنيطرة. وتشير التقارير إلى أن الجيش الصهيوني سيطر عليه في يناير/كانون الثاني 2025، ويتمتع هذا السد بأهميةٍ بالغة نظرًا لموقعه الاستراتيجي ودوره في إمداد المنطقة بمياه الزراعة والشرب.
سد الوحدة: يقع هذا السد في حوض نهر اليرموك، وهو أحد المصادر الرئيسية لإمدادات المياه لمنطقتي درعا والسويداء في سوريا، بالإضافة إلى أجزاء من شمال الأردن، وتشير التقارير إلى أن الكيان الصهيوني، بسيطرته على هذا السد، قد سيطر على حوالي 40% من موارد المياه المشتركة بين سوريا والأردن، وتأتي هذه الخطوة في إطار سياسة التوسع الإقليمي التي ينتهجها الكيان الصهيوني للسيطرة على الموارد الطبيعية، وخاصة المياه، في جنوب سوريا.
كما أفادت مصادر محلية وإعلامية، مثل الميادين، بأن الكيان الصهيوني ركز بشكل خاص على الاستيلاء على موارد المياه والسدود في جنوب سوريا منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، بما في ذلك سد الرقاد قرب الجولان المحتل، تُتخذ هذه الإجراءات لتلبية احتياجات الكيان الصهيوني من المياه والضغط على الدول المجاورة، ولا سيما في ظل أزمة المياه التي تشهدها المنطقة.
تُعتبر هذه السدود أهدافًا استراتيجية للكيان الصهيوني نظرًا لدورها الحيوي في توفير مياه الزراعة والشرب، ويُعتبر احتلالها جزءًا من سياسة الهيمنة على الموارد الطبيعية في المنطقة.
في ظل أزمة الجفاف الحالية في الأراضي المحتلة والضغط الشديد على قادة الكيان وحاجتهم الماسة لتأمين موارد المياه، لا ينبغي توقع انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق الجنوبية من سوريا، إذ سيُحرم من موارد مائية مهمة في هذه المناطق، وهذا ليس ما يسعى إليه قادة الكيان.