الوقت- في خطوة لافتة، التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، يوم السبت 19 يوليو 2025، بقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وذلك في العاصمة دمشق.
جاء اللقاء في إطار مراجعة التقدم المحرز في الاتفاق الموقّع سابقاً بين "قسد" والسلطات السورية الانتقالية، والذي يهدف إلى إدماج القوات والمجالس التابعة لقسد ضمن مؤسسات الدولة، في سياق مشروع سوريا موحّدة.
وبحسب بيان رسمي صادر عن السفارة الأمريكية، فإن الطرفين أكدا على أهمية تعزيز التنسيق ودعم وحدة الأراضي السورية، إلى جانب ضمان الأمن والاستقرار في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد.
اتفاق مارس: نقطة الانطلاق نحو الاندماج
تعود جذور هذا اللقاء إلى الاتفاق الثلاثي الذي أُعلن عنه في مارس 2025، والذي وضع إطاراً عاماً لعملية دمج تدريجي لقوات قسد ضمن مؤسسات الدولة السورية، سواء من الناحية الإدارية أو العسكرية.
وقد تضمّن الاتفاق جدولاً زمنياً يمتد حتى نهاية العام، ويشمل ثلاث مراحل:
مرحلة التهيئة :وتشمل التنسيق الأمني المشترك، وتبادل المعلومات.
مرحلة الدمج العملياتي: تشمل دمج الوحدات الكردية ضمن هيكل الجيش السوري، مع إعادة هيكلة بعض المجالس المحلية.
المرحلة النهائية: تقوم على إنهاء أي كيانات منفصلة، وتحقيق الوحدة الإدارية الكاملة في المناطق المشمولة.
اللقاء الأخير بين باراك وعبدي جاء لتقييم سير المرحلة الأولى، والاتفاق على آلية انتقال سريعة نحو المرحلة الثانية.
مضمون اللقاء: التزام متبادل وتحذير من التعطيل
وفقاً لما نقلته مصادر إعلامية رسمية، فإن اللقاء تخلله تأكيد متبادل على الالتزام الكامل بتنفيذ الاتفاق كما هو، دون تأجيل أو تعديل في المضمون السياسي والعسكري.
وشدد المبعوث الأمريكي على ضرورة "اغتنام الفرصة التاريخية لتحقيق الوحدة والاستقرار في البلاد"، محذراً من أن أي تأخير في تطبيق البنود التنفيذية قد يؤدي إلى فراغات أمنية تهدد عملية الاستقرار الهشة.
من جهته، أعاد مظلوم عبدي تأكيد موقف قوات سوريا الديمقراطية بـ "الاستعداد الكامل" لتطبيق ما تم الاتفاق عليه، شرط ضمان "حماية الحقوق السياسية والإدارية للأطراف المشاركة في الدفاع عن سوريا خلال سنوات الصراع"، وفق وصفه.
أهم المحاور التي نوقشت في الاجتماع
1. ملف القيادة الأمنية المشتركة
أحد أبرز البنود التي تم التركيز عليها كان ملف القيادة الأمنية في المناطق المدمجة.
حيث يسعى الطرفان إلى إنشاء غرف عمليات مشتركة تُشرف على التنسيق بين وحدات قسد والجيش السوري، خصوصاً في مناطق مثل الرقة والحسكة ودير الزور.
الاتفاق ينص على إعادة توزيع المسؤوليات الأمنية دون المساس بوحدة القرار السيادي.
2. الإدارة المحلية ومشاركة المجالس المدنية
تطرّق اللقاء إلى مصير المجالس المحلية التابعة للإدارة الذاتية، والتي لعبت دوراً بارزاً في إدارة الخدمات منذ عام 2015.
الطرفان اتفقا على تشكيل لجان تنسيق مدنية للإشراف على إعادة هيكلة هذه المجالس، مع دمج الكفاءات المحلية ضمن مؤسسات الدولة الانتقالية.
3. ملف الموارد الطبيعية والبنية التحتية
ناقش اللقاء كذلك كيفية التعامل مع الموارد الحيوية مثل النفط والغاز والمياه، حيث أبدت قسد استعداداً للتعاون الكامل في هذا الملف، ضمن آليات وطنية تضمن التوزيع العادل للثروات، وتعزيز الاقتصاد المحلي في المناطق المتضررة.
تحديات على طريق الدمج الكامل
● الزمن السياسي الضيق
الاتفاق ينص على الانتهاء من تنفيذ عملية الدمج قبل نهاية عام 2025، مما يضع ضغطاً كبيراً على اللجان الفنية واللوجستية.
أي تأخير في هذه المرحلة قد يؤدي إلى زعزعة ثقة الشارع المحلي، خاصة في ظل تنافس بعض القوى السياسية على النفوذ.
● التحفظات من بعض القوى الداخلية
رغم الدعم الرسمي، هناك قوى سياسية محلية لا تزال تُبدي تحفظات على انضمام قسد بهذه السرعة إلى مؤسسات الدولة، وترى في ذلك "محاولة فرض أمر واقع عسكري على معادلة سياسية لم تنضج بعد".
وقد عبّر بعض النشطاء في منبج ودير الزور عن خشيتهم من عدم وجود ضمانات واضحة لحماية التعدد الاجتماعي والإثني في تلك المناطق.
● الحاجة لإجراءات بناء ثقة
يرى مراقبون أن نجاح الاتفاق مرهون بمدى جدية الطرفين في اتخاذ إجراءات بناء ثقة حقيقية، كالعفو عن بعض عناصر قسد، والاعتراف بتضحيات القوات التي قاتلت تنظيم داعش الارهابی خلال السنوات الماضية.
الدلالة السياسية للقاء في دمشق
يُعدّ عقد اللقاء في العاصمة السورية مؤشراً رمزياً على رغبة واضحة في تحقيق المصالحة السياسية ضمن الإطار الوطني الجامع، بعيداً عن الحلول العسكرية أو الانفصالية.
كما يعكس اللقاء نجاح الجهود الدبلوماسية في كسر الجمود بين قسد ومؤسسات الدولة، والتأسيس لمرحلة انتقالية أكثر شمولاً وتوازناً.
الفرصة نادرة... والنجاح مشروط
هذه الفرصة تبقى رهينة التنفيذ الواقعي للاتفاق، ومدى قدرة الأطراف على تجاوز العقبات السياسية والميدانية، والعمل سوياً على ضمان وحدة سوريا على أسس جديدة تحترم التنوع وتؤسس للعدالة والمواطنة. إنه اختبار حقيقي للإرادات... والوقت لا يحتمل تكرار التجارب الفاشلة.