الوقت- في ظل التطورات المتسارعة في قطاع غزة، بات المشهد أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، الكيان الصهيوني يتلقى ضربات موجعة لم يعهدها من قبل، وجيشه، الذي لطالما رُوّج له على أنه "لا يُقهر"، يواجه اليوم واحدة من أسوأ أزماته العسكرية، مع ارتفاع أعداد القتلى والجرحى بين صفوفه إلى أرقام صادمة، وخاصة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، تتضح صورة الفشل الذريع للعدوان، وسط تصاعد الغضب الداخلي والانقسامات السياسية، وانكشاف هشاشة البنية العسكرية والاجتماعية للكيان الإسرائيلي.
خسائر ثقيلة في الأرواح.. وانهيار في المعنويات
حسب التقارير الميدانية، قُتل أكثر من 850 جنديًا إسرائيليًا وأُصيب حوالي 5800 آخرين، بينهم مئات الإصابات الخطيرة، هذه الأرقام، التي يحاول الاحتلال التقليل من شأنها عبر إعلامه الرسمي، لا تعكس الواقع الحقيقي الذي ترصده المقاومة الفلسطينية يوميًا على الأرض، حيث يُسجل مقتل وإصابة أعداد أكبر بكثير.
اللافت أن الخسائر لا تقتصر فقط على الجنود النظاميين، بل تمتد إلى وحدات النخبة التي كانت تعتبر سابقًا ذراع القوة الضاربة في الجيش، ما يكشف عن عجز كامل في اختراق دفاعات المقاومة المحكمة، ويُشير إلى إخفاق ذريع في العمليات البرية التي كانت تراهن عليها "إسرائيل" لتحقيق نصر سريع.
وما زاد الطين بلة هو تدهور معنويات الجنود بشكل خطير، وخاصة بعد مشاهد الانهيار والفرار من جبهات القتال، وسط تقارير تتحدث عن حالات تمرد ورفض أوامر داخل بعض الوحدات، ما أجبر القيادة العسكرية على إرسال تعزيزات جديدة بشكل عاجل.
المقاومة الفلسطينية.. صلابة وثبات ميداني
في مقابل هذا الانهيار الصهيوني، وقفت المقاومة الفلسطينية كجدار صلب، تمارس تكتيكات عسكرية ذكية تعتمد على حرب الأنفاق، الكمائن المتقنة، والضربات المباغتة، كل يوم يكشف عن مستوى جديد من الكفاءة القتالية والقدرة على إرباك الاحتلال وتكبيده الخسائر دون هوادة.
تمكنت فصائل المقاومة من تحويل غزة، رغم الحصار الخانق والظروف القاسية، إلى ساحة مواجهة شديدة التعقيد للجيش الإسرائيلي، شبكة الأنفاق العسكرية، والانتشار اللامركزي للمقاتلين، إضافة إلى الإبداع في استخدام الموارد المحدودة، جعلت كل متر يتقدم فيه الاحتلال مكلفًا بالدماء والخسائر، هذه القدرة الاستثنائية على الصمود والثبات عززت من الروح المعنوية للشعب الفلسطيني بأكمله، ووجهت رسالة قوية للعالم بأن المقاومة ليست مجرد رد فعل، بل مشروع تحرري مدروس قادر على استنزاف الاحتلال طويلًا.
الأزمة الداخلية في "إسرائيل".. تصدع متزايد
لا تقف تداعيات الخسائر عند حدود الميدان العسكري، بل امتدت إلى الداخل الإسرائيلي، حيث تتعمق الأزمة السياسية والاجتماعية يومًا بعد يوم، تقرير صحيفة «معاريف» العبرية كشف أن الجيش الإسرائيلي فقد ما يقارب من فرقتين عسكريتين في غزة، وسط نقص حاد في الأفراد وتزايد الضغوط على الجنود النظاميين والاحتياط، الذين باتوا يئنون تحت وطأة المهام الطويلة والضغوط النفسية.
وفي قلب الأزمة، يبرز الغضب المتصاعد داخل الجيش بسبب قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، ما أدى إلى شعور واسع بالظلم لدى الجنود الذين يرون أن دماءهم تُهدر بينما يتمتع آخرون بالامتيازات دون أي تضحيات.
على المستوى السياسي، تسبب قرار نتنياهو بإقالة وزير الأمن يوآف جالانت واستبداله بشخصية تفتقر إلى الخبرة الأمنية في حالة من الصدمة داخل المؤسسة العسكرية، وفاقم القلق من ضعف الجاهزية في حال توسعت المواجهة، وخاصة مع احتمالات التصعيد مع حزب الله أو إيران.
هشاشة الكيان الصهيوني... وملامح الانهيار
مع تراكم الخسائر اليومية، بدأت تتضح ملامح الانهيار البطيء داخل الكيان الإسرائيلي، فقد اهتزت صورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وتآكلت أسطورة الردع التي طالما اعتمدت عليها "إسرائيل" في فرض سطوتها على المنطقة.
اليوم، الكيان يعيش تحت وقع أزمة ثقة عميقة، تتجلى في تناقص ثقة الجمهور بقيادته السياسية والعسكرية، وتزايد التململ الاجتماعي، وسط دعوات لإسقاط الحكومة وتحميل نتنياهو شخصيًا مسؤولية الكارثة.
استمرار نزيف الجنود سيُضعف من جهوزية "إسرائيل" لأي مواجهة كبرى قادمة، ويزيد من جرأه أعدائها الذين باتوا يرصدون بوضوح نقاط ضعفها، هذا الانكشاف العسكري والسياسي يجعل الكيان الصهيوني أقرب إلى حالة دفاعية دائمة بدلًا من وضعية الهجوم التقليدية التي اعتمدها لعقود.
غزة... شهادة الصمود والانتصار المعنوي
في غزة، لم تسقط فقط دبابات الاحتلال، بل سقطت معها كل الأوهام عن "تفوق" إسرائيل، صمدت غزة، رغم الدمار الهائل والقصف الهمجي، وواصلت المقاومة ضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ، وتحدت منظومة "القبة الحديدية"، ما أرهق العدو وأربك حساباته، اليوم، تثبت غزة، ومن خلفها كل أحرار فلسطين، أن الإرادة والثبات قادرة على كسر أعتى الجيوش، وأن مشروع الاحتلال، مهما طال الزمن، ماضٍ نحو الفشل والهزيمة.
في النهاية، في ضوء المشهد المتدهور للجيش الصهيوني في غزة، تتجلى الحقيقة الساطعة التي لا يمكن طمسها مهما حاول الاحتلال: أن إرادة الشعوب الحرة لا تُهزم، وأن الحديد والنار مهما اشتدّا، لا يكسران صمود أصحاب الحق.
اليوم، يقف الكيان الصهيوني مرتبكًا، متهالكًا، يكابد خسائر بشرية وعسكرية فادحة، في مقابل مقاومة فلسطينية جسورة استطاعت أن تُعيد رسم معادلات الصراع من جديد، إن تزايد الخسائر في صفوف الاحتلال، والانكشاف الداخلي الخطير، ينذران بانفجار قريب داخل الكيان، قد يعصف بتركيبته السياسية والعسكرية، ويعجل بتهاوي أوهام السيطرة والاستعلاء التي طالما تغنى بها.
غزة اليوم لا تدافع فقط عن حدودها، بل تسطر ملحمة نضالية لكل الأحرار في العالم، وتؤكد أن مشروع الاحتلال زائل لا محالة، وأن الحق، مهما طال ظلمه، لا يموت، ستبقى غزة، رغم الجراح، رمزًا للثبات، وستظل المقاومة عنوانًا للعزة والكرامة حتى تحرير الأرض والمقدسات، والأيام القادمة، وإن طال ليلها، تحمل في طياتها بشرى النصر لمن صبر وثبت.