الوقت - في مشهد يختصر حجم الغضب الشعبي من استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، امتدت الاحتجاجات من شوارع تونس إلى سفارات أمريكا في لندن وأنقرة ومسقط ونواكشوط، لترفع شعارات رافضة للتطبيع، ومنددة بما اعتبرته تواطؤًا أمريكيًا فاضحًا في "الإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين".
في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الشهداء تحت أنقاض غزة، كانت الجماهير العربية والعالمية تصرخ بصوت واحد: كفى.. كفى قصفًا، كفى دعمًا، كفى صمتًا.
تونس... صرخة من قلب المغرب العربي
في العاصمة التونسية، خرج المئات في مسيرة حاشدة دعت إليها "تنسقية العمل المشترك من أجل فلسطين"، تحت عنوان "اليوم التونسي لتجريم التطبيع"، انطلقت من ساحة باب الخضراء، لتصل أمام البرلمان في باردو، حيث تحولت إلى وقفة احتجاجية تندد باستمرار الصمت الرسمي العربي والدولي.
المحتجون لم يكتفوا برفع العلم الفلسطيني، بل علت أصواتهم بمطالب مباشرة: تجريم التطبيع مع "إسرائيل"، طرد السفير الأمريكي، ووقف التعاون العسكري والأمني مع واشنطن، في تعبير صريح عن تحميل الولايات المتحدة مسؤولية مباشرة عن المجازر المرتكبة في غزة.
الاحتجاج لم يكن محصورًا في العاصمة، بل ترددت أصداؤه في مدن تونسية أخرى مثل قفصة، قابس، وتطاوين، ما عكس وحدة وطنية شعبية ضد كل أشكال التطبيع.
أنقرة... فلسطين حاضرة في قلب تركيا
في العاصمة التركية، نظمت "منصة أنقرة للتضامن مع فلسطين" مظاهرة أمام السفارة الأمريكية، شارك فيها عشرات الأتراك الذين رفعوا أعلام فلسطين وتركيا، ورددوا شعارات مثل "فلسطين حرة من النهر إلى البحر"، و"تسقط إسرائيل وأمريكا".
في كلمته باسم المنصة، قال الناشط طيار تيرجان: "العالم كله يشهد على إبادة جماعية حقيقية دون أن يحرك ساكناً... حان الوقت للتحرك مهما كلف الثمن".
لندن... الدماء في البركة
وفي مشهد رمزي قوي، سكبت مجموعة من ناشطي "غرينبيس" في المملكة المتحدة 300 لتر من الصبغة الحمراء في بركة مائية أمام السفارة الأمريكية بلندن، في رسالة مباشرة: هذا هو لون الدم الفلسطيني، وهذا هو أثر السلاح الأمريكي.
السلطات البريطانية سارعت إلى اعتقال خمسة من النشطاء، بينما نشرت الحركة صورًا لافتة تظهر البركة وقد تحولت إلى بحيرة من "الدم"، تحت لافتات كُتب عليها: "أوقفوا تسليح إسرائيل".
وقالت "غرينبيس" في بيانها: "ما حدث في غزة هو نتيجة مباشرة لدعم أمريكا غير المشروط وتسليحها المستمر لإسرائيل، يجب وقف هذا فورًا".
مسقط... الغضب العماني
في عُمان، نزل آلاف المواطنين قرب السفارة الأمريكية في العاصمة مسقط في وقفة صاخبة تندد بالدعم الأمريكي للاحتلال، الهتافات علت تطالب بـ"قصف تل أبيب"، وبطرد السفير الأمريكي وقطع العلاقات مع واشنطن، التي وصفوها بـ"الشريك الأول في الإبادة".
المشاركون لم يخفوا دعمهم للمقاومة الفلسطينية، معتبرين أن ما يجري في غزة يتطلب ردًا عربيًا جامعًا لا يكتفي بالإدانة، بل يقطع أواصر التعاون مع "المعتدين".
نواكشوط... موريتانيا تقول كلمتها
وفي العاصمة الموريتانية نواكشوط، خرجت مظاهرة ضخمة أمام السفارة الأمريكية، حمل فيها المتظاهرون لافتات تدين الكيل بمكيالين والصمت الدولي، متهمين الأنظمة العربية بالتخاذل، مؤكدين أن الشعوب ما زالت على العهد مع فلسطين.
شعارات مثل "أمريكا تقتل غزة"، و"إسرائيل مجرمة، والمقاومة شرف"، تكررت على ألسنة المحتجين الذين دعوا لجعل هذا اليوم "يومًا عالميًا لنصرة غزة".
حرب لا تتوقف.. وغضب لا يخفت
استؤنف العدوان الإسرائيلي على غزة في الـ 18 من مارس 2025، رغم اتفاق وقف إطلاق النار السابق الذي بدأ في يناير بوساطة مصرية وقطرية.
"إسرائيل"، بدعم أمريكي غير محدود، تنكرت للاتفاق، واستأنفت القصف، ما أسفر حتى الآن عن أكثر من 50,000 شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، وفق إحصاءات غير نهائية، في ظل تواصل القصف وصعوبة انتشال الضحايا من تحت الركام.
في الختام يمكن القول إن الاحتجاجات العالمية ليست فقط رد فعل على الصور القادمة من غزة، بل هي رسالة واضحة: أن الشعوب، وإن صمتت حكوماتها، لن تقبل بمرور المجازر تحت غطاء الصفقات الدبلوماسية أو المصالح العسكرية.
من تونس إلى مسقط، ومن لندن إلى نواكشوط، يثبت الناس مرة أخرى أن القضية الفلسطينية لم تَمُت... وأن صوت الضمير لا يزال أقوى من كل الصفقات.