الوقت- في تطور يعكس حجم الانهيار الداخلي الذي يضرب المؤسسة العسكرية للكيان الإسرائيلي منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر، اعترفت وزارة الحرب في الكيان الإسرائيلي بأرقام غير مسبوقة حول مستويات الإصابات الجسدية والنفسية التي ضربت صفوف جيشه، مؤكدة أن ما لا يقل عن 58% من الجنود والضباط الذين أُصيبوا خلال الحرب باتوا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات نفسية حادة، في مؤشر واضح على حجم الضغط الميداني وفشل المنظومة في احتواء آثار المعارك الممتدة لأشهر.
الوزارة أعلنت أن عدد الجرحى منذ السابع من أكتوبر بلغ 22 ألف جندي وضابط، وأن 58% منهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وهو رقم غير مسبوق يفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة الكيان الإسرائيلي على الاستمرار في حرب طويلة تتطلب جاهزية نفسية وجسدية عالية من جنوده.
أزمة نفسية قبل أن تكون ميدانية
لا تتوقف القصة عند مجرد إصابات ميدانية، إذ تكشف المعطيات الرسمية أن الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر، وما تلاه من حرب دامية في غزة، خلف آثاراً نفسية عميقة داخل صفوف قوات الكيان الإسرائيلي، إلى حدّ أن وزارة الحرب تتوقع استقبال 10 آلاف جندي إضافي للعلاج قبل نهاية عام 2026، معظمهم يُصنفون ضمن الحالات التي تحتاج إلى رعاية نفسية متقدمة.
شبكة "النشرة" نقلت أن الوزارة تعترف بأن تأثيرات الحرب لم تعد تقف عند حدود الخسائر الجسدية، بل أصبحت معركة مفتوحة على مستوى الصحة النفسية، وهو ما انعكس مباشرة على ازدياد عدد طلبات الاعتراف بالإعاقة وسط الجنود، وحسب موقع عبري نقل عن مصادر في الوزارة، فقد استقبلت المؤسسة العسكرية آلاف الطلبات الجديدة لتسجيل العجز من جنود أُصيبوا أثناء الحرب أو عادوا منها باضطرابات عصبية ونفسية.
الموقع كشف أرقاماً صادمة عن حالات الإعاقة، من بينها 873 جندياً يستخدمون الكراسي المتحركة، 612 جندياً مصنفين بإعاقة كاملة بنسبة 100%+، إضافة إلى 115 حالة فقدان للبصر و1061 حالة بتر أطراف، ما يجعل ملف الجرحى أحد أكبر التحديات التي تواجهها المؤسسة العسكرية في تاريخها.
82 ألف حالة علاج… ونصفهم تقريباً من الحرب الأخيرة
تقرير وزارة الحرب أشار إلى أن 82,400 جندي خضعوا للعلاج خلال الفترة الأخيرة، وارتفعت نسبة النساء منهم إلى 9%، فيما تعود 26% من هذه الحالات إلى العامين الماضيين فقط، وهو ما يعكس مدى اتساع رقعة الحرب وتأثيرها على تركيبة الجيش.
كما بيّن التقرير أن 49% من مجمل جرحى الجيش أصيبوا خلال الخدمة العسكرية الإلزامية، بينما 26% منهم من قوات الاحتياط، و13% من الجنود النظاميين، إضافة إلى 9% من عناصر الشرطة.
ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، إذ تؤكد وزارة الحرب أن 22 ألف جريح دخلوا أقسام التأهيل منذ اندلاع الحرب، وأن 58% منهم يعانون من إصابات نفسية، بينما يشكل الشباب دون 30 عاماً نسبة 49% منهم، ما يعني أن جيل الشباب داخل الكيان الإسرائيلي يدفع الثمن الأكبر في المواجهات المستمرة.
التوقعات الرسمية تشير إلى أن عام 2028 سيشهد وصول عدد الحالات التي ستخضع للعلاج إلى 100 ألف جندي مصاب، نصفهم على الأقل يعانون من اضطرابات نفسية، وفق صحيفة إسرائيل هيوم، وهذا الرقم وحده يكفي ليعكس حجم النزيف البشري والعسكري الذي يعاني منه الجيش.
ميزانيات ضخمة… وإنذار بانهيار داخلي
أمام هذا الواقع، اضطرت وزارة الحرب، بالتعاون مع وزارة المالية، إلى إطلاق خطة توسيع خدمات العلاج والدعم للجنود المصابين، وتمت زيادة ميزانية قسم التأهيل العسكرية بنسبة 53% لتصل إلى 8.3 مليارات شيكل، خُصص نصفها تقريباً لمعالجة الصدمات النفسية، بينما يمثل المصابون نفسياً قرابة ثلث الحالات قيد العلاج.
تضاعف عدد جلسات العلاج النفسي خلال العام الماضي، كما سجلت الوزارة زيادة بنسبة 50% في استخدام طرق العلاج البديلة و 80% في طلبات المساعدة عبر خطوط الدعم النفسي، ما يعكس تزايد حالة الذعر والاضطرابات داخل المؤسسة العسكرية ومحيطها الاجتماعي.
موجة انتحار تهز الجيش
التقارير لم تتوقف عند حدود الأرقام، بل سجلت حالات انتحار مقلقة بين صفوف الجيش، فقد أقدم عدد من الجنود الذين شاركوا في الحرب على إنهاء حياتهم بعد عودتهم من الميدان، بسبب الضغوط النفسية والتجارب الصادمة التي مرّوا بها داخل غزة.
وسائل إعلام عبرية ذكرت أن جندياً شارك في الحرب انتحر خلال الأسابيع الماضية نتيجة إصابته باضطراب ما بعد الصدمة، فيما انتحر ضابط احتياط يبلغ من العمر 28 عاماً من لواء "غفعاتي" بعد معاناة طويلة مع أعراض نفسية شديدة.
وحسب بيانات رسمية نُشرت نهاية أكتوبر، فقد تم تسجيل 279 محاولة انتحار في صفوف الجيش خلال 18 شهراً فقط، انتهت 36 حالة منها بالموت، هذه الأرقام، وفق متخصصين، تعكس حالة انهيار بنيوي داخل الجيش، وتطرح علامات استفهام حول قدرة المؤسسة العسكرية على الاحتفاظ بجنودها في حرب طويلة الأمد.
أزمة متصاعدة وخوف من المستقبل
المشهد العام داخل الكيان الإسرائيلي يشير إلى أن الحرب على غزة لم تُرهق الجيش ميدانياً فقط، بل أصابته في عمقه الاجتماعي والبشري، فالإصابات النفسية التي تجاوزت نصف الجرحى ليست مجرد أرقام، بل مؤشر على أزمة بنيوية تهدد بأزمة ديموغرافية داخل المؤسسة العسكرية، التي تعتمد بصورة رئيسية على الخدمة الإلزامية والاحتياط.
كما أن تزايد حالات البتر، فقدان البصر، الإعاقة الدائمة، والانتحار قد يدفع فئات واسعة من المجتمع الإسرائيلي إلى التهرب من الخدمة العسكرية، وهو ما ينذر بتراجع القدرة القتالية للكيان الإسرائيلي في أي مواجهة قادمة، وخاصة إذا استمرت الحرب على غزة بوتيرتها الحالية.
في المحصلة، يظهر بوضوح أن الكيان الإسرائيلي يخوض اليوم معركتين متوازيتين: واحدة على الأرض في غزة، وأخرى داخل صفوفه، تتمثل في انهيار الحالة النفسية لمقاتليه وتآكل ثقتهم بالمؤسسة العسكرية، ومع استمرار القتال واستنزاف القوات على الجبهات، يزداد القلق داخل الأوساط الأمنية من أن تتحول هذه الأرقام من مجرد بيانات رسمية إلى نقطة تحول عميقة في مستقبل الجيش وقدرته على الاستمرار.
