الوقت - في ظل الأجواء المتوترة للسياسة الدولية، قد يكون لاحتمالية التدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا تداعيات بعيدة المدى على الفاعلين الإقليميين والعالميين، بعد مرور عام كامل على تنصيب دونالد ترامب لولاية ثانية، يشهد العالم أحد أسرع التحولات الاستراتيجية وأكثرها إثارة للدهشة في التاريخ الأمريكي الحديث: التحول المفاجئ لمركز الثقل العسكري والسياسي والاقتصادي الأمريكي من الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى نصف الكرة الغربي، بهدف واحد واضح: فنزويلا.
حتى قبل ستة أشهر فقط، كانت حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس جيرالد آر فورد" تقوم بدوريات في شرق البحر الأبيض المتوسط لمواجهة إيران واليمن. اليوم، ترسو السفينة نفسها، إلى جانب حاملة الطائرات الأمريكية كيرسارج، على بُعد 180 ميلاً قبالة سواحل فنزويلا، بينما يتأهب أكثر من 15 ألف جندي من مشاة البحرية ووحدات من قوة دلتا وطائرات مقاتلة من طراز إف-35 بي في قواعد ببورتوريكو وأروبا وكوراساو وخليج غوانتانامو، يُعدّ هذا أكبر حشد بحري أمريكي في منطقة الكاريبي منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
لكن القضية هنا لا تتعلق بترامب وأمريكا، بل بمصالح طرف آخر و أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في أي عدوان أمريكي محتمل على فنزويلا هو رد فعل الكيان الصهيوني و مصالح استراتيجية في أمريكا اللاتينية، تُحدد في الغالب من منظور الأمن القومي.
أصبحت فنزويلا، بقيادة نيكولاس مادورو، رمزًا لـ"محور المقاومة" المناهض للصهيونية والإسرائيلي، قد يُتيح إضعاف فنزويلا فرصًا لتل أبيب، بما في ذلك تقليص الدعم لمحور المقاومة.
كتب الخبير الصهيوني دين شموئيل ألميس تعليقًا على التطورات الأخيرة في أمريكا الجنوبية: أصبحت الهجمات الأمريكية على السفن والقوارب الفنزويلية أمرًا شائعًا، ويتساءل العالم عما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتزم التوغل عميقًا في الأراضي الفنزويلية، وما إذا كان الرئيس نيكولاس مادورو سيتنحى عن منصبه.
وفيما يتعلق بادعاء وجود إيران وحزب الله في فنزويلا، أشار إلى ارتياح قادة الکیان للعدوان الأمريكي على البلاد: من الواضح أن "إسرائيل" التزمت الصمت حيال هذه القضية، ويمكن افتراض أن لديها مصلحة في زيادة الضغط على مادورو.
مع وصول هوغو تشافيز إلى السلطة عام ١٩٩٩، تدهورت علاقات فنزويلا مع الكيان الصهيوني بسرعة، كان تشافيز، بأيديولوجيته المناهضة للإمبريالية، ينظر إلى "إسرائيل" على أنها "دمية أمريكية"، ووجّه سياسته الخارجية نحو إيران والدول العربية المعارضة للكيان الصهيوني.
شكّلت حرب لبنان عام 2006 نقطة تحوّل في العلاقات بين الجانبين، وصف تشافيز أعمال إسرائيل بأنها "محرقة" واتهم قادتها بارتكاب إبادة جماعية، استدعى السفير الفنزويلي من تل أبيب ووصف "إسرائيل" بأنها "دولة إرهابية"، كانت هذه المواقف جزءًا من استراتيجية تشافيز للتحالف مع "محور المقاومة"، الذي شمل دعمه لمحور المقاومة الذي يضم إيران وسوريا والفصائل الفلسطينية.
إلا أن ذروة التوترات بلغت ذروتها في حرب غزة 2008-2009، طرد تشافيز السفير الإسرائيلي، ووصف العنف الصهيوني بأنه "محرقة ضد الفلسطينيين"، واتهم الكيان بانتهاك القانون الدولي، ردًا على ذلك، قطع الكيان الصهيوني العلاقات الدبلوماسية، وأقامت فنزويلا علاقات رسمية مع السلطات الفلسطينية.
أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع "إسرائيل" إلى الشعور بالرضا لإضعاف فنزويلا هو العلاقات الوثيقة بين كاراكاس وطهران، حيث تستطيع طهران، وفقًا للصهاينة والمسؤولين الأمريكيين، التغلب على آثار العقوبات من خلال علاقاتها الاقتصادية، يُطلق تشافيز ومادورو على إيران لقب "الأخوة"، وقد وقّعا معها اتفاقيات واسعة النطاق في مختلف المجالات، وقد أثار وجود إيران في دولة كفنزويلا، التي تُتيح فرصًا اقتصادية عديدة لأي حكومة، بما فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، غضب الصهاينة.
على مدى العقدين الماضيين، ازدادت التفاعلات والتعاون بين طهران وكاراكاس بشكل ملحوظ، مما أدى إلى استياء شديد في تل أبيب والبيت الأبيض من توسع النفوذ الإيراني في شؤونها الداخلية، فعلى سبيل المثال، تبيع فنزويلا النفط لإيران وتتلقى في المقابل تكنولوجيا عسكرية، وقد أثارت هذه العلاقات قلق الکیان الصهيوني.
ثمة قضية أخرى تتمثل في جشع الصهيونية لموارد فنزويلا، تمتلك فنزويلا أكبر احتياطيات نفطية في العالم، وفي ظل حكم مادورو، تُباع هذه الموارد لحلفاء ضد "إسرائيل" ومعادين لأمريكا، مثل روسيا والصين، من وجهة نظر الصهيونية، قد يُسهّل أي تحوّل سياسي ناتج عن التدخل الأمريكي وصول "إسرائيل" إلى أسواق الطاقة في أمريكا اللاتينية، إضافةً إلى ذلك، فإن معارضي مادورو، مثل ماريا كورينا ماتشادو - التي نالت جائزة نوبل للسلام في ديسمبر/كانون الأول 2025 لجهودها ضد فنزويلا - معادون لإيران ومؤيدون للصهيونية، وقد أيدت ماتشادو الغزو الأمريكي لفنزويلا، معتبرةً إياه سبيلًا للديمقراطية، ما قد يُفضي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية.
في نظر الکیان الصهيوني، تُعتبر فنزويلا أيضًا مصدرًا لمعاداة السامية، ويشير تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست نُشر في ديسمبر/كانون الأول 2025 إلى أن دولًا مثل فنزويلا تستخدم معاداة السامية لصرف الأنظار، لذلك، يعتقد خبراء ناطقون بالعبرية أن هجومًا أمريكيًا قد يُطيح بهذه الحكومة ويقضي على أحد أشد معارضي الکیان الصهيوني في العالم وأمريكا الجنوبية.
في الوقت الراهن، لا يملك الخبراء تحليلًا واضحًا للتدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا. وقد ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية في تقرير لها، في إشارة إلى تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بشن هجوم بري محتمل على فنزويلا: "لا تمتلك الولايات المتحدة حاليًا القدرات العملياتية واللوجستية والسياسية اللازمة لمثل هذا العمل".
ويضيف تقرير "بوليتيكو": "قال مسؤول دفاعي أمريكي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إنه لا توجد حاليًا قوات برية كبيرة منتشرة في المنطقة، وأن نقل آلاف الجنود إلى دولة مجاورة لشن عملية عسكرية يتطلب استعدادات مكثفة وواضحة للعيان، وهذا ليس بالأمر الذي يمكن إنجازه بين عشية وضحاها".
ويضيف التقرير: أكد مارك كانسيان، العقيد المتقاعد في سلاح مشاة البحرية الأمريكية، أن الولايات المتحدة لا تملك القوات البرية اللازمة لغزو بري للبلاد، مشيرًا إلى أن هجومًا واسع النطاق على فنزويلا سيتطلب ما لا يقل عن 50 ألف جندي، بينما لا يوجد لدى الولايات المتحدة سوى 2200 جندي من مشاة البحرية في المنطقة، ولا توجد أي مؤشرات على وصول تعزيزات.
