الوقت- كان للحرب الأوكرانية، التي بدأت في فبراير/شباط 2022، آثار واسعة النطاق على السياسة والاقتصادات في دول آسيا الوسطى. وتواجه هذه المنطقة، التي تضم كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، العديد من التحديات والفرص بسبب اعتمادها التاريخي والاقتصادي والأمني على روسيا. وسيكون لانتهاء الحرب الأوكرانية تداعيات كبيرة على دول آسيا الوسطى، وقد يؤثر على مسار علاقاتها مع روسيا والغرب. إن ما سيؤثر على هذه التغييرات السياسية هو المكالمة الهاتفية بين بوتن وترامب بشأن المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا وخفض العقوبات المفروضة على روسيا إذا تغيرت سلوكياتها. وقد يكون لهذا تداعيات كبيرة على تحليلاتنا السابقة لتأثير الحرب في أوكرانيا على السياسة في آسيا الوسطى وعلاقات هذه البلدان مع روسيا والغرب. ومن المرجح أن تنتهج روسيا سياسات تهدف إلى التخفيف من التحديات في آسيا الوسطى، والحفاظ على نفوذها في المنطقة، وفي الوقت نفسه الحد من النفوذ الغربي في هذه البلدان.
التغيرات في السياسة الخارجية لدول آسيا الوسطى بعد الحرب الأوكرانية
بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، أعادت دول آسيا الوسطى النظر في سياساتها الخارجية في مواجهة التطورات الجيوسياسية. إذا انتهى الصراع في أوكرانيا، ونظراً للتحليلات السابقة التي تشير إلى استعداد دول آسيا الوسطى لتنويع علاقاتها الخارجية وتقليص اعتمادها على روسيا، مع تخفيف العقوبات وتحسين علاقات روسيا مع الغرب، فإن هذه الدول قد تظهر مرة أخرى رغبتها في تعزيز علاقاتها مع موسكو، حيث لا تزال روسيا شريكاً اقتصادياً وأمنياً مهماً بالنسبة لها. وإذا تراجعت التوترات بين روسيا والغرب، فقد تتضاءل الحاجة إلى قيام دول آسيا الوسطى بتوسيع تعاونها الأمني مع أوروبا والولايات المتحدة. ولكن من المتوقع أن تسعى هذه الدول إلى الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع القوى الكبرى من أجل الاستفادة من المصالح المتعددة الأطراف.
فرص وتحديات وتهديدات نهاية الحرب الأوكرانية بالنسبة لدول آسيا الوسطى
أ) الفرص
بإنتهاء الحرب، لن يكون لزاماً على دول آسيا الوسطى الاختيار بين دعم روسيا أو الغرب، ويمكنها تعزيز سياستها الخارجية المتعددة الأطراف. وأظهرت الحرب في أوكرانيا لدول آسيا الوسطى أن الاعتماد المفرط على قوة واحدة (مثل روسيا) يمكن أن يكون خطيراً. وبعد الحرب، تستطيع هذه الدول تعزيز استقلالها الاقتصادي من خلال توسيع علاقاتها الاقتصادية مع الصين والاتحاد الأوروبي وتركيا ودول الخليج.
ب) التحديات والتهديدات
قد تعمل روسيا على زيادة الضغوط الاقتصادية أو الأمنية على دول آسيا الوسطى لثنيها عن تعزيز علاقاتها مع الغرب. وقد تشمل هذه الضغوط فرض عقوبات اقتصادية، أو زيادة التعريفات التجارية، أو حتى خلق اضطرابات داخلية. مع تراجع نفوذ روسيا في آسيا الوسطى، ربما لم تعد موسكو قادرة على الحفاظ على النظام الأمني في آسيا الوسطى. وقد يؤدي هذا الوضع إلى زيادة نشاط الجماعات المتطرفة والإرهابية في المنطقة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفراغ في السلطة قد يؤدي إلى تزايد المنافسة بين الصين وتركيا والغرب على النفوذ في هذه البلدان، وهو ما يشكل تحدياً أمنياً خطيراً لدول آسيا الوسطى. ولا تزال بعض دول آسيا الوسطى تتمتع بحكومات استبدادية واقتصادات تعتمد على روسيا. وقد يشكل هذا عائقاً أمام توسيع علاقاتهم مع الغرب. ويعمل العديد من مواطني آسيا الوسطى كعمال في روسيا، وتشكل تحويلاتهم المالية جزءاً هاماً من اقتصاد بلادهم. وأي تصعيد في التوترات مع روسيا قد يؤدي إلى طرد هؤلاء العمال ومشاكل اقتصادية واجتماعية في بلدانهم الأصلية.
السياسات الروسية المحتملة في آسيا الوسطى بعد انتهاء الحرب الأوكرانية
أ) الحد من التحديات ومنع الضعف في آسيا الوسطى
- التعاون الاقتصادي والطاقة مع الدول الإقليمية، والذي يشمل الاستثمار في قطاعي الطاقة والبنية التحتية للحفاظ على الاعتماد الاقتصادي للدول الإقليمية على روسيا، وخفض التعريفات التجارية وتوفير التسهيلات المالية لمنع دول آسيا الوسطى من التحول نحو الغرب والصين، والتعاون في قطاعي النقل والعبور، مثل مشاريع السكك الحديدية المشتركة، لتعزيز موقف روسيا على طرق التجارة الإقليمية. ومن خلال إدارة الدبلوماسية المتعددة الأطراف لتخفيف التوترات، من المرجح أن تلعب روسيا دوراً أكثر نشاطاً في منظمة شنغهاي للتعاون للحفاظ على نفوذها في آسيا الوسطى، سواء من خلال الصين أو بشكل مستقل.
- عقد اجتماعات أمنية واقتصادية إقليمية تحت إشراف موسكو لتقليص النفوذ الغربي وتنسيق السياسات في المنطقة وتجنب الانخراط المباشر في التوترات الإقليمية. وسوف تتجنب روسيا الصراع المباشر مع دول آسيا الوسطى، لأنها تحتاج حاليا إلى التركيز على إعادة الإعمار الداخلي وتقليص التوترات مع الغرب. تجنب السياسات العقابية القاسية ضد دول المنطقة والتي من شأنها أن تدفعها أكثر نحو الغرب.
ب) الحفاظ على النفوذ الروسي وتقليص الوجود الغربي
- زيادة التعاون العسكري والأمني، والذي يتضمن تعزيز منظمة معاهدة الأمن الجماعي لمنع دول آسيا الوسطى من الاقتراب من حلف شمال الأطلسي والغرب، وزيادة مبيعات الأسلحة وتوفير التدريب العسكري للحفاظ على التفوق العسكري الروسي في المنطقة، واستغلال وجود القواعد العسكرية في طاجيكستان وقيرغيزستان لإظهار القوة، ولعب ورقة الهجرة والعمالة المهاجرة، حيث ستستخدم روسيا الاعتماد الاقتصادي للدول الإقليمية على دخل العمال المهاجرين في روسيا كأداة للضغط. وإذا اقتربت دول آسيا الوسطى أكثر من اللازم من الغرب، فقد تعمل روسيا على تغيير قوانين الهجرة وتقييد دخول العمالة من هذه البلدان، وهو ما سيكون بمثابة ضربة اقتصادية كبيرة لهذه الحكومات.
- تعزيز وسائل التأثير الثقافي والإعلامي من خلال تطوير شبكات الأخبار والإعلام باللغة الروسية في المنطقة لمواجهة الروايات الغربية وزيادة التبادلات العلمية والثقافية للحفاظ على اتصال الأجيال الجديدة في آسيا الوسطى مع روسيا. وبشكل عام، يبدو أنه بالنظر إلى تصرفات موسكو الأخيرة والتطورات التي حدثت، فإن نهاية الحرب الأوكرانية ستوفر لدول آسيا الوسطى فرصا لزيادة الاستقلال والتنمية الاقتصادية، فضلا عن خلق تحديات في مجالات الأمن والاقتصاد والعلاقات مع روسيا.
ومن ناحية أخرى، فإن توسيع التعاون بين هذه الدول والغرب من شأنه أن يشكل تهديدات كبيرة لروسيا، بما في ذلك تقليص نفوذ موسكو الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة. ويجب على هذه الدول أن تراقب التطورات الدولية عن كثب وأن تعدل استراتيجياتها للحفاظ على مصالحها الوطنية وتوازن العلاقات مع القوى العظمى. وفي الوقت نفسه، تشكل نهاية الحرب الأوكرانية فرصة لروسيا لإعادة تركيز نفوذها في آسيا الوسطى. ومن المرجح أن تحاول هذه الدولة منع الدول الإقليمية من الاقتراب من الغرب من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني وممارسة النفوذ من خلال الوسائل الاقتصادية والثقافية.
تحاول روسيا الحفاظ على نفوذها في آسيا الوسطى دون الدخول في صراعات مباشرة ومنع الأزمات التي قد تنتهي لصالح الغرب. ويعتمد نجاح روسيا في هذه السياسات على كيفية انتهاء الحرب في أوكرانيا وردود فعل الجهات الفاعلة الأخرى مثل الصين وتركيا والغرب.