الوقت - يعد تحرير الأسرى والمقاتلين من سجون الكيان الصهيوني من أجمل وأروع اللحظات في حياة كل فلسطيني، وفي هذه الأيام تعيش فلسطين أجواء مختلفة، وفي خضم غبار الحرب وحزن الناجين من تدمير منازلهم وقراهم، لا تزال روح الأمل موجودة بين سكان غزة، ومن المظاهر الجميلة لهذا الأمل ما يتعلق بأيام قدوم الأحرار، التي تحمل الفرحة والسعادة إلى كل المناطق الفلسطينية.
وفي هذه السياق، كما في ساحة الحرب والنضال، كانت هزيمة الكيان الصهيوني واضحة تماماً، ومن أبعاد هذه الهزيمة والعار للصهاينة وداعميهم الغربيين، الكشف عن المعاملة المختلفة تماماً لأسرى الحرب من قبل المقاومة والصهاينة، إذ يبدو الأسرى الصهاينة في أيدي مجموعات المقاومة بصحة بدنية وعقلية مثالية، لكن الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من سجون الكيان يتحدثون عن تعرضهم لتعذيب شديد من قبل الضباط الإسرائيليين أثناء أسرهم.
وحسب موقع "الخليج أونلاين"، فإن علامات التعذيب والضغط الشديد على جسد الأسير الفلسطيني المحرر عنتر الآغا، تشير إلى الأيام الصعبة التي قضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي خلال عام من الأسر، وهذا يثبت أنه وأسرى فلسطينيين آخرين تعرضوا للتعذيب المستمر من قبل الجيش الصهيوني وحراس السجن.
ولم يتمكن "الآغا" الذي أفرج عنه يوم السبت الماضي 1 فبراير ضمن صفقة تبادل أسرى، من الوقوف حتى للمشاركة في مراسم الاستقبال مع أقاربه وأصدقائه، فسقط على الأرض بجسده الهزيل والعظام، وهو أحد الأسرى العائدين إلى قطاع غزة، وأكد في لقاء مع "برسانة" أنه تعرض لأقسى أنواع التعذيب والمنع من النوم والتجويع طوال فترة أسره، وتحدث الآغا عن تكثيف الضغوط والتعذيب على الأسرى الفلسطينيين خلال حرب غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قائلاً: "لقد تعرضنا للإذلال والتعذيب، وتحملنا عاماً كاملاً من المعاناة والقهر، أيام كانت صعبة للغاية، وأجسادنا تتحدث عما مررنا به".
وتسببت شدة التعذيب اليومي في كسر ضلوع آغا، وفي لحظة ما أصبح غير قادر على المشي، وتوجد ندوب عميقة على معصميه وقدميه، تشير إلى أنه تم ربطهما بإحكام بالحبال أو الأصفاد والسلاسل لفترة طويلة. وتعرض هو وأسرى آخرون في غزة للتعذيب بشكل منهجي ويومي على يد حراس السجن، حيث كانوا يقفون في طوابير ويتعرضون للضرب واحدا تلو الآخر على يد الجنود.
ومن بين أشد أنواع التعذيب التي تعرض لها الآغا ما تعرض له في سجن النقب، حيث أجبره الحراس وسجناء آخرين على الوقوف على صفائح معدنية ساخنة لساعات، وهو أمر من المستحيل على أي إنسان أن يتحمله.
وأدى نقص المياه ومرافق الصرف الصحي في هذا السجن إلى إصابة آغا والعديد من السجناء الآخرين بأمراض جلدية، حيث تم حرمانهم عمداً من الاستحمام لفترات طويلة ولم يتلقوا أي علاج، ويقول الأسير المحرر نصر الله معمر، الذي أمضى 18 عاماً في السجن وحكم عليه بالسجن المؤبد: "أصعب أيام السجن بدأت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عندما فقد جنود الاحتلال السيطرة وأصبح التعذيب عملية يومية ومدمرة".
وحرم هو وسجناء آخرون من النوم لساعات طويلة، وتعرضوا للضرب، وحرموا من الطعام، ومنعوا من الوصول إلى طبيب أو أي نوع من العلاج، ويصف معمر لحظة حريته قائلاً: "كان الأمر وكأنني عدت إلى الحياة من قبر ضيق"، لقد أمضى هذه السنوات الصعبة إلى جانب آلاف السجناء الآخرين، وخاصة بعد أحداث الـ 7 من أكتوبر.
ويتابع: "لا أستطيع أن أصف للعالم ما مررت به خلال العام الماضي، فقد تعرضنا للإذلال والضغوط والحرمان من المياه عمداً لكسر إرادتنا وكرامتنا"، وفي الأيام الأخيرة من أسره، تعرض معمر لتحقيق مكثف من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وهدد بالقتل عند إطلاق سراحه إذا تعاون مع المقاومة الفلسطينية.
سجين لا يستطيع المشي
علي حسن (56 عاماً)، أسير محرر، أمضى 21 عاماً من عمره في سجون الاحتلال وحكم عليه بالسجن المؤبد إضافة إلى 20 عاماً، وكانت ظروفه أصعب بكثير من ظروف السجناء الآخرين بسبب حالته الجسدية، ويقول عن التعذيب الذي تعرض له وسجناء آخرين في الـ 8 من أكتوبر/تشرين الأول 2023: "كان الجنود يسيرون على أجسادنا، ويجردوننا من ملابسنا بالقوة، ويقومون بتفتيشنا"، ومن بين أشد أشكال التعذيب التي تعرض لها هو إجباره على خلع ملابسه بالكامل أثناء الاستجواب والضرب المستمر دون مراعاة لحالته الجسدية.
تقارير حقوق الإنسان
إضافة إلى الشهادات التي قدمها الأسرى حول تجاربهم في سجون الاحتلال، أصدرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين ونادي الأسير الفلسطيني سلسلة من التقارير الوثائقية حول التعذيب الذي يتعرض له أسرى غزة في مراكز الاعتقال والسجون الإسرائيلية.
وفي هذه التقارير قدم 11 أسيراً فلسطينياً من مراكز الاعتقال "سعدي تيمان" و"نفتالي" و"عناتوت" وسجن "النقيب" شهادات تشير إلى حجم التعذيب والإذلال والمعاملة اللاإنسانية التي تعرضوا لها على يد الكيان الصهيوني.
وأوضح الأسرى أنهم واجهوا قيوداً شديدة أثناء اعتقالهم واستجوابهم؛ ويتم ربط أيديهم خلف ظهورهم، وتغطي أعينهم، ويتم احتجازهم في أوضاع مؤلمة لفترات طويلة من الزمن.
وأشار البعض إلى ما يسمى "البحث على طريقة الديسكو"، وهي طريقة يتم فيها تعريض الأسير لموسيقا صاخبة للغاية لمدة يومين متتاليين، كما ظهر آخرون في جلسات محاكمة مدتها خمس دقائق بعد 30 يوماً فقط من الاستجواب، دون إبلاغهم بأي تهم محددة.
وقال سجناء في سجن عناتوت إنهم طوال فترة أسرهم كانوا مقيدين ومعصوبي الأعين ولم يكن لديهم أي اتصال مع السجناء الآخرين، وأكد أحد هؤلاء الأسرى الذي اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أنه تم التحقيق معه معصوب العينين لمدة أربعة أيام في سجن "سدي تيماء" في ظروف غير إنسانية.
ويقول إنه قبل نقله إلى عناتوت، تعرض لتعذيب شديد في سجن سعدي تيمان، حيث نزف من أنفه، ثم سُجن في محاكمة مدتها ثلاث دقائق دون إبلاغه بسبب اعتقاله، وتشير هذه التقارير إلى وجود نمط ممنهج من الانتهاكات لحقوق الأسرى في السجون الإسرائيلية، والذي تزايد بعد الحرب الأخيرة.
