الوقت - في خضم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، ظهر تقرير إسرائيلي يحمل عنوانًا مثيرًا للجدل: "الاستعداد العاجل مطلوب لمواجهة التهديد العسكري المصري"، نشر هذا التقرير موقع "nziv" الإسرائيلي، مشيراً إلى أن على تل أبيب أن تستعد لاحتمال نشوب حرب جديدة مع مصر، وأن تسعى لتكوين جبهة عسكرية ودبلوماسية ومالية لمواجهة هذا التهديد المتنامي.
لم يكن هذا التقرير حدثًا عابرًا، بل جاء في سياق سلسلة من التقارير والتصريحات الإسرائيلية التي أظهرت قلقًا متزايدًا تجاه التعزيزات العسكرية المصرية في سيناء، من ناحية أخرى، لم تصدر القاهرة أي تصريحات رسمية تشير إلى نية الدخول في مواجهة عسكرية، لكن وسائل الإعلام المصرية ردّت بقوة، محذرة من عواقب أي تصعيد إسرائيلي، ورافضة لمزاعم تهديد الأمن الإسرائيلي، فهل نحن أمام مواجهة عسكرية حقيقية؟ أم إن ما يجري مجرد تصعيد إعلامي يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية؟
التقرير الإسرائيلي سلط الضوء على عدة محاور، كان أبرزها تقييم القوة العسكرية المصرية، والقدرات القتالية المتنامية للجيش المصري، والتدريبات المستمرة التي أجريت على مدار العشرين عامًا الماضية، كما تساءل التقرير عن كيفية تعامل "إسرائيل" مع سيناريو هجوم مصري مفاجئ، وكيف يمكن لجيشها مواجهة عمليات إنزال جوي محتملة للقوات الخاصة المصرية، أو حتى ضربة صاروخية موسعة تستهدف مواقع استراتيجية.
في هذا السياق، طرح التقرير مصطلح "صحوة هارون"، وهي خطة إسرائيلية مقترحة تهدف إلى تنفيذ هجوم استباقي واسع ضد مصر، لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي في حال نشوب صراع بين البلدين.
بالمقابل، لم يكن الرد المصري في شكل تصريحات رسمية، بل جاء عبر استعدادات عسكرية على الأرض، حيث زار وزير الدفاع المصري، عبد المجيد صقر، الوحدات القتالية في سيناء وأكد على ضرورة الاستعداد التام لأي تصعيد.
لكن وسط هذه الأجواء المشحونة، لم تصدر أي تصريحات رسمية من القاهرة أو تل أبيب تؤكد أن الحرب خيار مطروح على الطاولة، ما يعزز فرضية أن التوتر الحالي أشبه بحرب إعلامية منه إلى صراع عسكري حقيقي.
التصعيد الإعلامي والذكاء الاصطناعي: سلاح جديد في المعركة؟
لم تقتصر التصريحات المتوترة على العسكريين والسياسيين، بل امتدت إلى وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، حيث استُخدمت برمجيات الذكاء الاصطناعي في خلق سيناريوهات خيالية لصراع بين البلدين.
فقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تصورًا لسيناريو خطير، يتحدث عن إمكانية قصف سد أسوان جنوب مصر، وما قد يترتب عليه من كارثة إنسانية غير مسبوقة، لم تتأخر الردود المصرية، حيث قام اليوتيوبر المصري الشهير أحمد مبارك بنشر فيديو يحاكي سيناريو انتقامي عبر قصف المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا باستخدام القنبلة المصرية العملاقة "نصر 9000".
هذه الحرب الافتراضية، وإن كانت تدور في عالم المحاكاة الرقمية والذكاء الاصطناعي، إلا أنها تحمل في طياتها رسائل سياسية واضحة، حيث يستخدم كل طرف الخيال العسكري كوسيلة للردع النفسي والضغط الإعلامي.
هل نحن أمام حرب وشيكة؟
رغم حدة الخطاب الإعلامي، إلا أن الواقع يشير إلى أن الصراع العسكري المباشر بين مصر و"إسرائيل" لا يزال احتمالًا بعيدًا، وذلك لعدة أسباب:
الالتزام باتفاقية السلام: رغم التصريحات الإسرائيلية حول خروقات مصرية في سيناء، لم يتم اتخاذ أي إجراءات رسمية لتعليق الاتفاقية.
الاستقرار الإقليمي الهش: في ظل حرب غزة وتوترات المنطقة، فإن فتح جبهة جديدة مع مصر سيكون مغامرة محفوفة بالمخاطر لـ"إسرائيل".
الخطاب الإعلامي مقابل الموقف الرسمي: التهديدات والتقارير العسكرية تأتي من وسائل الإعلام، وليس من مصادر رسمية في البلدين.
لكن، في عالم السياسة، لا شيء مستبعد، التصعيد الإعلامي المتكرر قد يكون تمهيدًا لتوترات أكبر على الأرض، وخاصة إذا استمرت الأحداث في غزة في الضغط على العلاقة بين القاهرة وتل أبيب.
في عالم اليوم، لم تعد الحروب تُشن فقط بالأسلحة، بل أصبحت المعلومات والتقارير الإعلامية جزءًا من أدوات الصراع، سيناريوهات الحرب بين مصر والكيان الصهيوني التي تداولتها وسائل الإعلام، قد لا تتجاوز كونها تكتيكًا نفسيًا يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية، سواء عبر الضغط على الحكومات، أو التأثير على الرأي العام.
لكن في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن أن تتحول هذه التصورات الإعلامية إلى حقيقة على أرض الواقع؟