الوقت - أطلق الرئيس الأمريكي المثير للجدل، دونالد ترامب، تصريحاً ناريًا من قلب المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، حيث توعَّد - أمام حشدٍ من المراسلين الصحفيين - بإشعال نيران الجحيم في قطاع غزة، ما لم تُبادر حركة حماس إلى إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين بحلول ظهيرة يوم السبت.
مُناورة ترامب الخادعة
في مشهدٍ يتكرر من المسرح السياسي الأمريكي، يُطلق دونالد ترامب تصريحاته المُثيرة للجدل حول غزة، مُلوِّحاً بتهديدات تفتقر إلى المصداقية، فبينما يتوعَّد بإشعال نيران الجحيم في القطاع المُحاصر، يعود سريعاً ليُقر بأن زمام المبادرة في التعامل مع حماس يوم السبت ستكون حصرية بيد "إسرائيل"، مؤكداً أن تصريحاته تُمثّل موقفه الشخصي فحسب.
إن هذا التناقض الصارخ في خطاب ترامب، يُلقي بظلال من الشك على جدية تهديداته بتحويل غزة إلى جحيم، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: أي جحيم يمكن أن يكون أشدّ وطأةً وقسوةً مما يُعانيه أهل غزة الصامدون تحت وابل القصف المُستعر منذ خمسة عشر شهراً؟ فقد ذاق سكان القطاع مرارة أقسى الظروف الإنسانية في ظل عمليات القصف العنيف المتواصلة.
وفي هذا السياق، جاء الرد الحاسم من القيادي البارز في حركة حماس، السيد سامي أبو زهري، الذي وصف لغة التهديد بأنها عديمة القيمة، مؤكداً أنها لا تزيد الأمور إلا تعقيداً وتأزماً.
الضوء الأخضر لجرائم نتنياهو
إن التهديدات الأمريكية المتصاعدة بإضرام نيران الجحيم في غزة، تمثّل إشارةً جليةً وضوءاً أخضر صريحاً من واشنطن للكيان الصهيوني، لمواصلة ارتكاب الفظائع والجرائم الحربية في القطاع المنكوب.
وفي خضم هذه التطورات المأساوية، يواجه نتنياهو وثلة من قادة الكيان الصهيوني، إدانات قضائية صارمة من محكمة العدل الدولية في لاهاي، نظراً لارتكابهم جرائم حرب مروعة في غزة، حيث صدرت مذكرة توقيف دولية بحق نتنياهو على وجه التحديد.
وتشكّل التهديدات المتجددة من الرئيس الأمريكي بإشعال نيران الجحيم في غزة، الدليل القاطع والوثيقة الدامغة التي تبرهن، بما لا يدع مجالاً للشك، على التواطؤ الأمريكي المباشر مع الكيان الصهيوني في ارتكاب جرائم الحرب البشعة ضد الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.
وفي ضوء هذه الحقائق الصارخة، فإن مقتضيات العدالة الدولية تستوجب إصدار مذكرة توقيف لا تقتصر على نتنياهو وحده، بل يجب أن تمتد لتشمل الرئيس الأمريكي نفسه، نظراً لتورطه المباشر ومشاركته الفعلية في الجرائم المروعة المرتكبة بحق أهالي غزة.
خرق وقف إطلاق النار
وسط التطورات المتسارعة خلال الأسبوع المنصرم، تصاعدت التحذيرات من انتهاكات جسيمة تقوّض اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وفي هذا السياق، أدلى الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أبو عبيدة، بتصريحات جوهرية كشف فيها عن سلسلة من الخروقات الإسرائيلية الممنهجة للهدنة، تتمثل في ثلاثة محاور رئيسية:
أولاً: المماطلة المتعمدة في تيسير عودة المواطنين الفلسطينيين إلى ديارهم في شمال القطاع.
ثانياً: وضع العراقيل أمام إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى كل المناطق المنكوبة.
ثالثاً: استمرار الاعتداءات العدوانية على المدنيين العُزّل.
وفي موقف حازم، أكد المتحدث باسم حماس أن الحركة ستعلق الإفراج عن أي أسرى إسرائيليين إضافيين، طالما استمرت تل أبيب في انتهاك بنود الاتفاق.
إن هذا التصريح الصارم يُشكّل مؤشراً دامغاً على أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قد بادرت، بشكل استباقي، إلى تقويض أسس الهدنة في غزة، وعليه، فإن الكيان الصهيوني يتحمل المسؤولية الكاملة عن أي انهيار محتمل لوقف إطلاق النار، وما قد يترتب عليه من استئناف للأعمال العدائية في القطاع، نظراً لتنصّله الواضح من التزاماته المنصوص عليها في الاتفاق الراهن.
عائلات الأسرى: نتنياهو المسؤول عن تقويض الهدنة
تتنامى المخاوف منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، من النوايا الإسرائيلية المبيّتة لتقويض الهدنة ومواصلة العدوان، وفي هذا المضمار، برز موقف متشدد من بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو، إذ لوّح بالانسحاب من الائتلاف الحكومي ما لم تُستأنف العمليات العسكرية عقب المرحلة الأولى من الهدنة، وقد وضع هذا التهديد نتنياهو في مأزق حرج: إما الحفاظ على ائتلافه الحكومي، أو المضي قدماً في مسار التهدئة.
وعلى صعيد الداخل الإسرائيلي، تتصاعد الأصوات المندِّدة بحكومة نتنياهو، متهمةً إياها بالتخريب المتعمد لاتفاق وقف إطلاق النار، وقد تجلى ذلك في سلسلة من التحركات الاحتجاجية:
• في ليلة الاثنين: شهدت تل أبيب احتجاجات عارمة أفضت إلى شلّ حركة المرور في الشوارع الرئيسية، حيث طالب المحتجون بكشف مصير الأسرى.
• في تطور لافت للنظر، وجّه ذوو الأسرى الإسرائيليين اتهامات صريحة لحكومة نتنياهو، بتعمد نسف اتفاق التهدئة.
• وفي يوم الثلاثاء: قام أهالي الأسرى ونشطاء السلام بإغلاق الطريق السريع الرئيسي الواصل بين القدس وتل أبيب بصورة تامة، رافعين شعارات تندِّد بسياسات نتنياهو وممارساته.
خشية نتنياهو من الانسحاب الشامل من قطاع غزة
في قراءةٍ للمشهد السياسي والعسكري الراهن، تتكشّف أبعادٌ جديدة في أعقاب تنفيذ المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، والتي أثمرت عن تبادلٍ للأسرى بين الجانبين، غير أن المؤشرات الميدانية والتصريحات السياسية، تُنبئ عن هواجس عميقة تُؤرق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
يتضح أن نتنياهو يتعامل مع المرحلة الثانية من الهدنة بحذرٍ شديد، إذ يراها فخاً استراتيجياً محكماً قد يُفضي إلى سيناريو يُجبر "إسرائيل" على الانسحاب الكامل من قطاع غزة، ويكمن جوهر المخاوف الإسرائيلية في أن مثل هذا التطور من شأنه أن يُقوّض، بصورةٍ جذرية، قدرة جيش الاحتلال على مواصلة عملياته العسكرية والأمنية ضد حركة حماس.
وفي ضوء هذه المعطيات، تشير التقديرات إلى أن نتنياهو قد يتخذ موقفاً متحفظاً - إن لم يكن معارضاً - تجاه المضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بل إن المراقبين يرون أنه قد يسعى، بشكلٍ حثيث، إلى اصطناع المبررات والذرائع للتنصل من الالتزامات المترتبة على الهدنة.
نزعة القادة الصهاينة نحو استمرار الحرب
من ناحية أخری، يتضح جلياً أن نتنياهو، على مدى خمسة عشر شهراً من المواجهات العسكرية، قد أخفق في تحقيق أهدافه الجوهرية، وعلى رأسها التصفية الشاملة لحركة حماس، وفي ظل هذا الإخفاق المتواصل، تتزايد المؤشرات حول احتمالية إقدامه على انتهاك التهدئة بصورة كاملة، في مسعىً متجدد لاختبار حظوظه في مواجهة الحركة.
وفي هذا المضمار، يكتسي تقييم معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط أهميةً بالغةً، حيث يرصد تصاعد الشكوك في أوساط الرأي العام الإسرائيلي إزاء قدرة نتنياهو على تحقيق هدفين متوازيين: إلحاق "الهزيمة الساحقة" بحماس، وضمان تحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين.
ويذهب المحللون إلى أن نتنياهو، رغم حسمه لخياره بالتوجه نحو خرق وقف إطلاق النار، يفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة لتحقيق نصرٍ حاسم على حماس، ويرجّح الخبراء أن يجد نفسه مجدداً غارقاً في مستنقع عسكري في غزة، دون إحراز أي مكاسب ملموسة.