الوقت - واجهت باكستان مشاكل خطيرة ناجمة عن الهجمات الإرهابية في العقود الأخيرة، وبسبب موقعها الجغرافي المجاور لأفغانستان، شهدت هذه الدولة أزمات أمنية واسعة النطاق، بعضها يعود إلى أسباب داخلية وبعضها الآخر إلى عوامل إقليمية ودولية، وتزايدت هذه التهديدات الإرهابية في الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى تحويل المحافظات الغربية للبلاد إلى مسرح لمواجهات دامية.
وفي هذا الصدد، أدى هجوم شنه عدد كبير من المهاجمين المجهولين على سيارة للشرطة في إقليم خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان إلى مقتل خمسة أشخاص على الأقل، وقع الهجوم المميت، صباح الاثنين، في منطقة درابان، على مشارف ديرا إسماعيل خان، وفي رسالة، أدان وزير الداخلية الباكستاني بشدة الهجوم الإرهابي على قوات الشرطة، قائلا إن أربعة من رجال الشرطة ومدنيا قتلوا في الحادث.
ولم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم على الشرطة في إقليم خيبر بختونخوا، لكن جماعة حركة طالبان باكستان الإرهابية أعلنت مسؤوليتها عن العديد من التفجيرات القاتلة والهجمات الانتحارية والهجمات على قوات الأمن في الإقليم في الماضي.
في هذه الأثناء، أعلن الجيش الباكستاني، السبت (13 فبراير/شباط)، مقتل 23 إرهابياً على الأقل و18 من قوات الأمن أيضاً في ضربة ضد عناصر إرهابيين ومخلين بالأمن في إقليم بلوشستان بالبلاد، وذكر مكتب العلاقات العامة بالجيش الباكستاني أن عملية قوات الأمن جاءت في أعقاب مخطط للعناصر الإرهابية الانفصالية بالقرب من منطقة قلات لقطع طرق الاتصالات.
وقال بيان للجيش الباكستاني: "لقد أثر الإرهابيون بشدة على الحياة اليومية للسكان المحليين من خلال خلق الرعب وفي الوقت نفسه يهددون السلام والأمن، وقد تم إطلاق عملية عسكرية فورية للتغلب على هذا التهديد".
وأكد الجيش الباكستاني: "أن قوات الأمن، إلى جانب الشعب، عازمة على إحباط الجهود الرامية إلى تدمير السلام والاستقرار والتنمية في إقليم بلوشستان، وأن مثل هذه التضحيات التي يقدمها جنود البلاد الشجعان لا تزيد إلا من عزيمتنا".
وعلى الرغم من أن الجماعات الإرهابية شنت في الماضي هجمات ضد القوات العسكرية الباكستانية والشيعة، إلا أن هذه القضية أصبحت في الآونة الأخيرة مشكلة أمنية كبرى.
أصدر المعهد الباكستاني لدراسات الصراع والأمن تقريرا يوم الأحد، قال فيه: إن البلاد شهدت زيادة حادة في الهجمات المسلحة في يناير 2025، بنسبة 42 في المئة مقارنة بديسمبر الماضي، وأعلن المعهد أن 120 شخصا، بينهم 52 من أفراد الأمن و20 مدنيا و48 إرهابيا، قتلوا في 74 هجوما إرهابيا في أنحاء البلاد.
تقاعس باكستان عن مكافحة الإرهابيين
إن السبب الأكثر أهمية الذي سمح للجماعات الإرهابية بالنمو في باكستان هو إهمال قوات الأمن في البلاد، وخاصة جهاز الاستخبارات الداخلية الباكستاني، الذي قلل من شأن التهديدات التي تشكلها هذه الجماعات في السنوات الأخيرة.
ولو قامت باكستان بعمليات صارمة ضد هذه الجماعات خلال العقدين الماضيين، لما اكتسب الإرهابيون الانفصاليون القوة إلى الحد الذي يجعلهم يستهدفون قوات الأمن المدنية كل يوم، ويقال أيضًا إن المخابرات الباكستانية تدعم بعض هذه المجموعات كوسيلة للضغط على إيران.
لقد حذر المسؤولون الإيرانيون مرارا وتكرارا مسؤولي إسلام آباد من مخاطر الإرهابيين على مدى العامين الماضيين، ولكن لم تكن هناك أذن في باكستان تستمع إلى كلماتهم، ولو تعاونت إسلام آباد مع إيران في هذا الصدد، لكان من الممكن القضاء على معظم التهديدات التي تشكلها الجماعات الانفصالية، ولساد السلام على حدود البلدين.
وتدرك إيران خطورة هذه الجماعات، ولهذا السبب قام اللواء باقري، رئيس أركان القوات المسلحة، بالسفر مؤخراً إلى باكستان لمناقشة مواجهة التهديدات المشتركة، وأعلنت إيران دائمًا استعدادها للقضاء على التهديدات الإرهابية على حدودها، والآن يتعين على المسؤولين الحكوميين في إسلام آباد أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون التخلص من هذه الجماعات أم لا.
وإذا أظهرت باكستان ضعفاً في مواجهة هذه الجماعات، فإن الهجمات الإرهابية لن تؤدي فقط إلى زيادة انعدام الأمن، بل ستؤدي أيضاً إلى تأجيج عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وفي كثير من الحالات، أثارت هذه الهجمات مخاوف محلية وأجنبية بشأن مستقبل البلاد.
وفي بعض المناطق، وخاصة في بلوشستان وبعض المقاطعات الأخرى، تشارك مجموعات تعمل في كثير من الأحيان على أساس الهوية الدينية والعرقية في أعمال عنف ضد بعضها البعض، وقد تدعم هذه المجموعات التوترات الداخلية أو النفوذ الخارجي.
وبالإضافة إلى التهديدات الأمنية داخل باكستان، فإن هذه الجماعات يمكن أن تؤثر أيضاً على الاستقرار الإقليمي، ورغم أن الحكومة الباكستانية تحارب هذه الجماعات، فإن مشاكل مثل الدعم المحلي والأجنبي للإرهابيين، ونقص الموارد، والظروف الجغرافية الخاصة بالبلاد قد أدت إلى تعقيد الحرب ضد الإرهاب.
ويعد انتشار الفقر والظلم الاجتماعي في بعض المناطق، وخاصة في المناطق القبلية، من العوامل المهمة التي تشجع الأفراد على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، ويؤدي هذا إلى تفاقم دائرة العنف والاضطرابات في البلاد، وتواجه الحكومة الباكستانية العديد من التحديات في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مشاكل التنسيق بين قوات الأمن، والثغرات الاستخباراتية، وأحيانا الافتقار إلى الإرادة السياسية لمكافحة الجماعات الإرهابية.
ولذلك، تستطيع باكستان أن تعتمد على المساعدة الإيرانية في مواجهة الإرهابيين، وبما أن قوات المقاومة حققت العديد من الإنجازات ضد الإرهابيين في سوريا والعراق خلال العقد الماضي، فإنها سوف تنجح أيضاً في مواجهة الجماعات الانفصالية على جانبي الحدود، وإذا نجحت في ذلك، فسوف تتغلب على التحديات التي تواجهها باكستان، إن القادة في إسلام آباد لديهم الإرادة السياسية، وبمساعدة البلدين، سيتم تفكيك هذه المجموعات إلى الأبد.
تتمتع الدولتان بحدود طويلة مشتركة، وهو ما قد يشكل ميزة لتبادل المعلومات الأمنية والعمليات المشتركة على الحدود، إن التعاون في مراقبة الحدود وضمان الأمن في هذه المناطق يمكن أن يكون له أثر كبير في منع تحرك الجماعات الإرهابية، ويمكن لإيران وباكستان اتخاذ المزيد من التدابير الوقائية من خلال تبادل المعلومات بشأن تحديد وملاحقة أعضاء الجماعات الإرهابية.