الوقت - في خطوة تعكس تصاعد الضغوط الدولية على "إسرائيل"، أعلنت تسع دول عن تشكيل "مجموعة لاهاي"، وهو تحالف يهدف إلى تنسيق التدابير القانونية والدبلوماسية والاقتصادية ضد ما تعتبره انتهاكات إسرائيلية للقانون الدولي، وخاصة في ضوء الحرب الجارية على غزة والاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية.
جاء هذا الإعلان خلال اجتماع في مدينة لاهاي الهولندية، حيث تعهدت الدول المؤسسة للتحالف باتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة "إسرائيل"، سواء عبر المحاكم الدولية أو من خلال فرض قيود على تصدير الأسلحة إليها، ومنع استخدام الموانئ وسلاسل التوريد العالمية في دعم المجهود العسكري الإسرائيلي.
يأتي تأسيس مجموعة لاهاي وسط تحولات دولية كبرى في التعامل مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث تشهد الساحة السياسية والقانونية تحولات غير مسبوقة، أبرزها:
قادت جنوب أفريقيا، بدعم من عدة دول، تحركًا قانونيًا أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيه "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية في غزة، في خطوة تعكس تزايد الاعتراف القانوني العالمي بالجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبدأت دول عدة، وخاصة من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، في اتخاذ مواقف أكثر جرأة تجاه "إسرائيل"، تتجاوز الإدانات الخطابية إلى فرض قيود اقتصادية ودبلوماسية مباشرة.
كما وجهت انتقادات متزايدة للمؤسسات القانونية الدولية بسبب عدم تنفيذ قراراتها بحق "إسرائيل"، الأمر الذي دفع دول مجموعة لاهاي إلى اتخاذ خطوات مستقلة لتعزيز إنفاذ القانون الدولي.
وأصبح واضحًا أن الحرب الحديثة لا تُخاض فقط في ساحات القتال، بل تعتمد على شبكات تكنولوجية ومادية ولوجستية معقدة تمتد عبر بلدان متعددة، وهو ما دفع التحالف الجديد إلى العمل على تعطيل الإمدادات العسكرية لـ"إسرائيل".
أهداف مجموعة لاهاي
تمثل مجموعة لاهاي تحالفًا عمليًا يهدف إلى وضع حد للانتهاكات المزعومة لحقوق الفلسطينيين عبر آليات قانونية واقتصادية ودبلوماسية، ومن أبرز ملامح استراتيجيتها، المسار القانوني وفرض المساءلة الدولية حيث تعهد التحالف بالعمل على تفعيل قرارات المحاكم الدولية، بما في ذلك: تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة A/RES/ES-10/24، الذي يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ودعم أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب، والضغط من أجل تطبيق التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في يناير ومارس ومايو 2024 بشأن الحرب في غزة.
المسار الاقتصادي وتعطيل سلاسل التوريد العسكرية، فمن بين أبرز القرارات التي أعلنتها مجموعة لاهاي: حظر تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل" في الحالات التي يكون هناك خطر واضح لاستخدامها في انتهاك القانون الدولي، ورفض استقبال السفن الحاملة لشحنات عسكرية إلى "إسرائيل" في الموانئ الخاضعة لسلطة الدول الأعضاء في التحالف، وفرض قيود على الشركات العالمية المتورطة في دعم المجهود العسكري الإسرائيلي.
في المسار الدبلوماسي، جرت دعوة مزيد من الدول للانضمام إلى التحالف، بهدف تشكيل جبهة عالمية لمحاسبة "إسرائيل"، وتشجيع الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات دبلوماسية أكثر حدة، مثل قطع العلاقات مع "إسرائيل"، أو فرض عقوبات سياسية عليها، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، لدعم الجهود القانونية ضد الاحتلال.
مواقف الدول المؤسسة للتحالف
تضم مجموعة لاهاي تسع دول، لكل منها تاريخها الخاص في دعم القضية الفلسطينية، وبعضها اتخذ بالفعل إجراءات ملموسة ضد "إسرائيل" حيث كانت جنوب أفريقيا في طليعة الجهود القانونية لمحاسبة "إسرائيل"، إذ رفعت قضية أمام محكمة العدل الدولية تتهمها بارتكاب إبادة جماعية.
وأعلنت ناميبيا دعمها الكامل لهذه الدعوى، وحثت الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة، مؤكدة أن العالم لن يكون آمنًا ما دامت "إسرائيل" تستثنى من المحاسبة الدولية.
وكولومبيا أوقفت جميع واردات الأسلحة من "إسرائيل"، كما علّقت صادرات الفحم إليها، وبوليفيا قطعت علاقاتها الدبلوماسية بالكامل مع "إسرائيل"، احتجاجًا على الحرب في غزة.
أيضا تشيلي رفعت دعوى ضد "إسرائيل" أمام المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة غير مسبوقة من دولة لاتينية.
كما فرضت ماليزيا وهندوراس قيودًا على السفن التجارية الإسرائيلية، ورفضت السنغال وبليز التعاون التجاري مع الشركات الداعمة لـ"إسرائيل".
من جهتها رحبت الأطراف الفلسطينية بالإعلان عن مجموعة لاهاي، معتبرةً أنها خطوة نوعية نحو تعزيز العدالة الدولية، كما دعت وزارة الخارجية الفلسطينية جميع الدول التي تدعم سيادة القانون الدولي إلى الانضمام لهذه المبادرة، مؤكدة أن المساءلة القانونية هي السبيل الوحيد لضمان العدالة للفلسطينيين.
وأشادت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، بالتحالف، واعتبرته تطورًا تاريخيًا يمكن أن يشكل نموذجًا لمحاسبة "إسرائيل" على انتهاكاتها.
في المقابل، تعرضت المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية لضغوط سياسية مكثفة، حيث هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول التي تدعم ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين قضائيًا.
يمثل تأسيس مجموعة لاهاي تحولًا استراتيجيًا في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع "إسرائيل"، حيث يعكس تصاعد دور المحاسبة القانونية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز الضغوط الاقتصادية لمنع استمرار العدوان الإسرائيلي، وإمكانية عزلة دبلوماسية متزايدة لـ"إسرائيل"، وخاصة مع احتمال انضمام مزيد من الدول لهذا التحالف.
في الختام يمكن القول إن إعلان مجموعة لاهاي يعكس تحولًا عميقًا في التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية، حيث لم تعد الإدانة كافية، بل انتقلت بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات قانونية واقتصادية ملموسة، ويبقى السؤال: هل ستنجح هذه المبادرة في إجبار الكيان الصهيوني على احترام القانون الدولي، أم إن المصالح الجيوسياسية ستقف عائقًا أمام العدالة الدولية؟