الوقت - في خطوة تُعتبر نادرة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قبل 15 شهرًا، أعلنت شركة "ثيرد آي سيستمز" الإسرائيلية المتخصصة في توريد العتاد العسكري عن بيع 30% من أسهمها لشركة "إيدج" الإماراتية للدفاع، مقابل 10 ملايين دولار.
كما أعلنت "إيدج" عن استثمار إضافي بقيمة 12 مليون دولار في مشروع مشترك جديد مع الشركة الإسرائيلية، تمتلك فيه حصة الأغلبية، هذه الصفقة تُسلط الضوء على تعاون دفاعي واستثماري متنامٍ بين الإمارات و"إسرائيل"، رغم الانتقادات الإماراتية العلنية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
تُعتبر هذه الصفقة جزءًا من مسار التطبيع الذي بدأته الإمارات مع "إسرائيل" عبر اتفاق "إبراهيم" في سبتمبر 2020، والذي فتح الباب أمام سلسلة من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية بين الجانبين، ومع ذلك، شهدت العلاقات تراجعًا في العلن بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث واجهت الحكومات العربية ضغوطًا شعبية لإدانة "إسرائيل" ووقف التطبيع، ومع ذلك، يبدو أن التعاون الاستراتيجي، وخاصة في المجال الدفاعي، لم يتأثر بشكل كبير.
شركة "ثيرد آي سيستمز" هي شركة إسرائيلية رائدة في تطوير تكنولوجيا التعرف على الأشياء، بما في ذلك أنظمة اكتشاف الطائرات المسيرة، والتي تُستخدم من قبل الجيش الإسرائيلي وحلفاء آخرين مثل أعضاء حلف الناتو، ومن جهتها، تُعتبر "إيدج" أكبر شركة لصناعة الأسلحة في الإمارات، وهي مملوكة بالكامل للحكومة الإماراتية، هذه الشراكة تعكس رغبة الطرفين في تعزيز التعاون التكنولوجي والدفاعي، وخاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة.
أبعاد الصفقة
وفقًا لليئور سيغال، الرئيس التنفيذي لشركة "ثيرد آي سيستمز"، فإن استثمار "إيدج" سيساعد الشركة على التوسع في أسواق جديدة، هذا التعاون قد يفتح أبوابًا أمام الشركة الإسرائيلية للوصول إلى أسواق في الشرق الأوسط وآسيا، حيث تتمتع "إيدج" بعلاقات قوية.
وأشار رودريغو توريس، رئيس "إيدج"، إلى أن الصفقة ستساعد في تسريع تطوير أنظمة جديدة، وخاصة في مجال التعرف الضوئي الكهربائي على الأشياء، هذا التعاون قد يؤدي إلى ابتكارات تكنولوجية تعزز القدرات الدفاعية لكلا الطرفين.
المشروع المشترك بين الشركتين سيعتمد على خبرات "ثيرد آي سيستمز" في مجال التكنولوجيا الدفاعية، وقدرات "إيدج" في التسويق والتوزيع على مستوى عالمي، هذا التكامل قد يعزز من مكانة الطرفين في سوق الأسلحة العالمي.
رغم الانتقادات الإماراتية العلنية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، إلا أن هذه الصفقة تؤكد أن العلاقات بين الجانبين لم تتأثر بشكل كبير على المستوى الرسمي، فالإمارات، التي أعلنت في السابق عن "قلقها العميق" إزاء الضربات الإسرائيلية في لبنان وغزة، تُظهر من خلال هذه الصفقة أنها تعطي الأولوية للمصالح الاستراتيجية والاقتصادية.
من ناحية أخرى، قد تثير هذه الصفقة ردود فعل سلبية في الشارع العربي، وخاصة في ظل استمرار الحرب في غزة والرفض الشعبي الواسع للتطبيع مع "إسرائيل"، كما قد تُعزز هذه الخطوة من الانتقادات الموجهة للإمارات بأنها تتجاهل القضية الفلسطينية لمصلحة مصالحها الاقتصادية والأمنية.
تُعتبر الإمارات واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للكيان الصهيوني في المنطقة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 2.95 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.3 مليارات دولار في العام الحالي. وتتركز التجارة بين الجانبين بشكل كبير على الماس، الذي يُعتبر أكبر صادرات الإمارات إلى "إسرائيل" والعكس.
في المجال الدفاعي، تُعتبر هذه الصفقة امتدادًا لاتفاقيات سابقة، مثل صفقة بيع نظام الدفاع الجوي "سبايدر" من "إسرائيل" إلى الإمارات في أواخر عام 2022، هذه الاتفاقيات تعكس رغبة الإمارات في تعزيز قدراتها الدفاعية عبر التعاون مع "إسرائيل"، التي تُعتبر واحدة من أكثر الدول تقدمًا في مجال التكنولوجيا العسكرية.
قد تزيد هذه الخطوة من حدة الانقسامات داخل العالم العربي، حيث تُواصل بعض الدول، مثل الجزائر وليبيا، رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما قد تُعزز من الانتقادات الموجهة للإمارات بأنها تتجاهل القضايا العربية لمصلحة مصالحها الخاصة.
من الواضح أن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات و"إسرائيل" تسير بوتيرة متسارعة رغم التقلبات السياسية، ويبدو أن أبوظبي تراهن على أن المصالح الاستراتيجية والتكنولوجية تفوق الضغوط السياسية والشعبية، ومع استمرار هذه العلاقات، يبقى السؤال مطروحاً: إلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الشراكة دون أن تؤثر على موقع الإمارات الإقليمي وعلاقاتها مع الدول العربية والإسلامية؟