الوقت- بعد يوم واحد من تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، جرت عملية تبادل أسرى بين حماس والجانب الصهيوني، وحسب نص الاتفاق تم تبادل 90 امرأة وطفلا فلسطينيا مقابل الإفراج عن 3 إسرائيليات، وستستمر هذه العملية في الأيام المقبلة حتى اكتمال المرحلة الأولى من الاتفاق بعد ستة أسابيع، والمرحلة الثانية التي تستمر ستة أسابيع أيضاً وتتضمن "إنهاء دائم للحرب" وتبادل كامل للأسرى الإسرائيليين.
وكما كان متوقعا، كان إطلاق سراح الأسرى عاملا حاسما في نتيجة حرب غزة وانتصار اتفاق وقف إطلاق النار، حيث احتفل الفلسطينيون في كل مكان في غزة والأراضي المحتلة والضفة الغربية ورقصوا لإطلاق سراح السجناء، وفجأة تم استبدال الدموع والمرارة المستمرة على مدى الأشهر الستة عشر الماضية بابتسامات ودموع الفرح، وتم تقديم الشكر على النهاية المنتصرة للحرب.
وتعود هذه القضية إلى المكانة المهمة التي يحتلها الأسير في تاريخ نضالات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وفي نظرة الشعب الفلسطيني للعالم، بحيث يتجاوز مفهوم تحرير الأسرى مجرد تبادل أسرى إلى مفهوم أكثر شمولية، إن المقاومة هي مكون من مكونات القوة لا يقل أهمية عن تحرير الأرض، وهي مصدر فخر وحماسة وطنية لدى الفلسطينيين، ومن وجهة النظر الفلسطينية فإن الأسير هو من ناضل وسار على درب الاستشهاد، وهو في الواقع شهيد حي، إن الأسير هو رمز صمود ومثابرة هذه الأمة في سعيها لتحرير الأرض الفلسطينية كاملة من الاحتلال.
وفي الوقت نفسه، فإن إطلاق سراح السجناء المحكوم عليهم بالسجن المؤبد له أهمية مضاعفة لأنه يشكل حافزاً ويمكنه أن يقوم بعمل تنظيمي، الشهيد يحيى السنوار، مصمم ومدبر عملية طوفان الأقصى، أمضى 23 عاماً من حياته في الأسر أسيراً محكوماً عليه بالسجن المؤبد، وخلال هذه الفترة، بالإضافة إلى إتقانه للغة العبرية، اكتسب فهماً مهماً وعميقاً ومن خلال هذه الاستراتيجية تمكن من معالجة نقاط الضعف الأمنية في الأراضي المحتلة، وتمكن من تحقيق أساليب فعالة في الحرب النفسية على المجتمع الصهيوني، والتي تجسد جوهرها في تصميم عملية عاصفة الأقصى باعتبارها الضربة الأمنية الأكبر في تاريخ الكيان الصهيوني، ولذلك فإن العديد من المحللين، حتى في الأراضي المحتلة، أصبحوا على قناعة الآن بأن من بين الأسرى المحررين، وخاصة المحكومين بالسجن المؤبد، قد يبرز عدد كبير من أمثال يحيى السنوار ومحمد زيف، والذين سيجعلون المقاومة أقوى من ذي قبل.
وهناك قضية أخرى تتمثل في التحدي الأمني الكبير والهزيمة النفسية التي يخلقها عقد الاحتفالات العامة لإطلاق سراح السجناء في مختلف أنحاء فلسطين، وخاصة الضفة الغربية، للصهاينة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم أزمة الرواية لدى قادة تل أبيب فيما يتصل بالحرب التي استمرت 16 شهراً في غزة، وهذا ما كانت عليه هذه الحرب، فعلى الرغم من الأضرار التي بلغت مليارات الدولارات، والضحايا البشرية الكبيرة، والعار الدولي على أيدي الفلسطينيين، إلا أنهم يعتبرون المقاومة هي الرابح في المعادلة، ويحتفلون بتحرير أسراهم!
وبلغت أهمية هذه الاحتفالات في تعزيز الشعور بالهزيمة لدى العدو درجة أن حتى المؤسسات العسكرية والأمنية للكيان عملت على منع إقامتها لأيام، وحسب تقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الفلسطينية، فإن الجيش سيعارض أي احتفالات أو مسيرات تقام أثناء إطلاق سراح الأسرى.
وحسب الصحيفة، فإن عناصر الشاباك اتصلوا بعائلات الأسرى الذين سيتم تبادلهم وطلبوا منهم الامتناع عن أي احتفالات، وبالإضافة إلى ذلك، يعمل الجيش الإسرائيلي على تعزيز قواته وتكثيف الظروف الأمنية في الضفة الغربية، وقال الجيش الإسرائيلي إن السبب وراء ذلك هو "منع وقوع هجمات محتملة"، وحسب تقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن الجيش الإسرائيلي "مستعد" لتنفيذ هجمات متعددة في الضفة الغربية.
وحسب "العربي"، فقد داهمت شرطة الاحتلال منازل عائلات الأسرى المفرج عنهم في بلدات سلوان، والطور، وجبل المكبر، وصور باهر في مدينة القدس، ويخشى العدو أن يؤدي إطلاق سراح الأسرى إلى إحياء وتوسيع المقاومة في كل فلسطين، ويؤدي إلى إحياء روح المقاومة في كل أرض فلسطين.
منطقة الضفة الغربية مشتعلة جداً، لدرجة أن جيش الاحتلال نفذ خلال الستة عشر شهراً الماضية عدة عمليات برية وجوية في الضفة الغربية لتدمير مجموعات المقاومة في هذه المنطقة، وخاصة مدينة ومخيم جنين. ويشعر الكيان بقلق بالغ إزاء تصاعد التحدي الأمني في هذه المنطقة بعد عودة السجناء، ومن بين الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم 127 أسيراً من فتح محكومين بالمؤبد سيتم الإفراج عنهم من قبل حماس، وهذا بالتأكيد سيعزز مكانة وموقف المقاومة في الضفة الغربية ويضعف خطاب المصالحة في المنطقة.
وبعد إطلاق سراح الأسرى، استقبلت حشود الفلسطينيين التي تجمعت في مدينة بيثينيا بالضفة الغربية بحماس حافلتين تحملان أسرى تم نقلهم من سجن عوفر إلى الضفة الغربية، وفي هذه البلدة الصغيرة، احتفل مئات الأشخاص على الطريق المؤدي إلى رام الله، رافعين الأعلام الفلسطينية وأعلام حماس، وهتف الحضور الكبير "الشعب يريد كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)".
وفي هذه الأثناء، لا ينبغي أن ننسى أن أحد الأهداف الرئيسية لعاصفة الأقصى كان إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين من سجون الكيان، وفي المقابل كان الفشل في إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين ورفض قبول أي تبادل للأسرى بمثابة فشل ذريع، أحد شعارات حكومة الحرب، وخاصة ضمن شروط الأحزاب المتطرفة في الحكومة، كان نتنياهو.
وكان هناك بعد آخر لأهمية تبادل الأسرى في تشكيل نتائج الحرب يتعلق بكيفية تنفيذه، بعد تسليم ثلاث أسيرات فلسطينيات، لفت ظهور جنود حماس المسلحين بالزي القتالي والمركبات الخاصة انتباه وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والمحللين، الذين فسروا الأمر على أنه عرض عسكري واستعراض لقوة حماس، وهو ما لم يحدث.
لقد أبطلت الصورة التي تم رسمها على مدى عدة أشهر، لقد كان الصهاينة متورطين في انهيار منظمة المقاومة المهنية، هذا في حين تتحدث بعض المصادر الإعلامية، مثل رأي اليوم، عن وجود ملحق أمني لنص اتفاق وقف إطلاق النار، والذي قبل فيه الصهاينة عملياً أنه حتى بعد دخول السلطة إلى غزة فإن المقاومة ستستمر في الصمود حتى بعد دخولها، والسيطرة الأمنية على المنطقة بعد الحرب.
وتشير نتائج استطلاعات الرأي في وسائل الإعلام الصهيونية أيضاً إلى أن غالبية سكان الأراضي المحتلة يعترفون أيضاً بالحضور القوي لحماس في الميدان، وقالت القناة 13 الإسرائيلية، التي نشرت نتائج استطلاع للرأي: إن 61% من الإسرائيليين لا يصدقون وعد نتنياهو بأن حماس لن تسيطر على غزة، وأن حماس تم تدميرها في غزة.