الوقت- في الأيام الأخيرة، قدمت الولايات المتحدة اقتراحها بوقف إطلاق النار إلى الجانب اللبناني، ووفقاً لهذه الخطة، يتعين على الجانبين التأكيد على أهمية قرار الأمم المتحدة رقم 1701، ويمكنهم الدفاع عن أنفسهم إذا لزم الأمر، وسيكون الجيش اللبناني هو القوة المسلحة الوحيدة في جنوب البلاد إلى جانب قوات الأمم المتحدة. وعلى حكومة هذا البلد مراقبة أي عمليات بيع أسلحة في لبنان أو إنتاجها.
ويجب على الكيان الصهيوني أن يسحب قواته من جنوب لبنان خلال أسبوع، وسيحل الجيش اللبناني محل هذه القوات، وستتولى الولايات المتحدة ودول أخرى مسؤولية مراقبة تنفيذ هذه العملية، يجب على الدولة اللبنانية نزع سلاح أي مجموعة عسكرية غير رسمية في جنوبها خلال شهرين.
لكن هناك قضية أخرى طرحها الكيان الصهيوني كأحد شروطه المسبقة لوقف إطلاق النار، وهي حرية عمل جيش هذا الكيان في تنفيذ هجمات على الأراضي اللبنانية إذا لاحظ نشاط قوات حزب الله اللبناني في جنوب هذا البلد! كما ذكرت مصادر عبرية مراراً وتكراراً أن أمريكا تدعم الشرط الأساسي لهذا الكيان، وهو حرية التحرك للرد على خروقات حزب الله لاتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان.
كتبت وسائل الإعلام الأمريكية "وول ستريت جورنال" في تقرير لها أن دونالد ترامب وقع على خطة وقف إطلاق النار المقترحة بين "إسرائيل" وحزب الله خلال لقائه الأخير مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي!
في هذه الأثناء، أعلن حزب الله اللبناني مراراً معارضته للانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، ومنعه من إعادة إعمار مواقعه في هذه المنطقة ونزع سلاحه، لكن الكيان الصهيوني يحاول أن يكون له الحق في مهاجمة مواقع حزب الله حتى بعد التوقيع على الاتفاق المذكور، وخاصة أنه أعلن أنه لن يقبل تحت أي ظرف من الظروف حرية عمل الكيان الصهيوني في مهاجمة الأراضي اللبنانية.
كما أعلن رئيس مجلس النواب وكبير مفاوضي لبنان خلال الأيام الماضية، بعد تقديم هذا الاقتراح من قبل الولايات المتحدة، أن الاقتراح الأمريكي لوقف إطلاق النار لا يتضمن أي حرية حركة للجيش الإسرائيلي في لبنان أو انتشار قوات الناتو أو القوات الأجنبية الأخرى، ويتضمن الاقتراح الأمريكي نصاً غير مقبول بالنسبة للبنان، وهو مسألة تشكيل لجنة لمراقبة تنفيذ القرار 1701 بحضور عدد من الدول الغربية.
كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية بخصوص خطة وقف إطلاق النار المقترحة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، مع تسليم مسودة "اتفاقية وقف إطلاق النار" بين لبنان والكيان الصهيوني من قبل ليزا جونسون، السفيرة الأمريكية في بيروت لرئيس برلمان هذا البلد نبيه بري فإن المناورة الأمريكية - الصهيونية بلغت ذروتها.
وتبين التحقيقات الأولية مع المتابعين لهذه القضية أن هذا المشروع هو في الواقع نتيجة تفاهم أمريكي صهيوني أحادي الجانب بشأن الترتيبات الأمنية التي طلبها الكيان الصهيوني، وقد قدمها الأمريكيون على شكل عرض لـ لبنان، لكن يبدو أن هذا الاقتراح ببنيته يعتبر شكلاً من أشكال الابتزاز الذي يجب على لبنان أن يقبله أو أن الكيان الصهيوني سيواصل الحرب بوتيرة أسرع وأكثر كثافة في الأشهر المقبلة.
وبينما كان الجانبان الأمريكي والصهيوني يحاولان الإيحاء بأن الكرة في ملعب لبنان فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، حسب ما تم الكشف عنه من نقاشات، فإن هذا الطرح للقرار 1701 يشكل آلية جديدة لـ«مراقبة القرار وضمان تنفيذه» فضلاً عن الضمانات المطلوبة من الكيان الصهيوني أن حزب الله لن يسلح نفسه مرة أخرى.
قالت مصادر مطلعة لصحيفة الأخبار اللبنانية: إن «مفاوضات جدية تجري بين نبيه بري والأمريكيين بشأن وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني ولبنان، لكن كما يقول الصهاينة فإن العمل لم يصل إلى مرحلته النهائية».
وقالت المصادر إن «الأفكار والمقترحات تجري مناقشتها مع لبنان»، وإن النقاط غير المحسومة تتعلق بـ«تشكيل لجنة دولية تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودولة عربية رابعة محتملة (يقال إن الأردن مشارك فيها)»، والتي ستراقب تنفيذ القرار 1701 بجميع جوانبه.
في الواقع «المشكلة الأساسية تتعلق بعضوية الدول الأجنبية في لجنة المراقبة هذه، وطبيعة الدور المنوط باللجنة ودورها والجهة التي ستوكل إليها هذه المهمة، لأن هناك مهام يعتقد الكيان الصهيوني أنه وحده القادر على القيام بها، وبالإضافة إلى ذلك يريد ضمانات براً وبحراً وجواً، والحقيقة أن كل الحديث يدور حول جنوب الليطاني، والكيان الصهيوني يصر على أنه إذا لم يلعب الجيش اللبناني دوره المنشود فإن هذا الاتفاق سيلغى ومن ثم سيستأنف الكيان الصهيوني هجماته على لبنان.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يسعى الكيان الصهيوني فعلاً إلى وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، أم إن الاقتراح الأمريكي الذي وقعه دونالد ترامب، هو جزء من استراتيجية الكيان والحكومة الأمريكية المقبلة لبدء برنامج آخر؟
أعلن وزير الحرب الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، في الـ 21 من تشرين الثاني/نوفمبر: أنه "لن يكون هناك وقف لإطلاق النار ولن تتوقف الهجمات ضد حزب الله في لبنان، ولكن إذا أتيحت الفرصة وتم تقديم اقتراح جيد يسمح لنا بادعاء النصر، سوف ننظر في الأمر بجدية بالتأكيد".
كما أكد بكلمات أخرى بعد أيام قليلة من هذه التصريحات: "إننا لن نتنازل عن حق إسرائيل في التحرك ضد أي عملية مسلحة يقوم بها لبنان، ولن نوقف الحرب في لبنان، ولن نسمح بأي وقف لإطلاق النار دون تحقيق أهداف الحرب المنشودة"، وأضاف "لن نقبل أي اتفاق لا يتضمن نزع سلاح حزب الله وانسحاب قواته إلى ما وراء نهر الليطاني".
كما أعلن وزير الحرب السابق في الكيان الصهيوني يوآف غالانت في تصريحات مماثلة أننا دخلنا في حرب لبنان مرحلة إضعاف حزب الله إلى مرحلة تدميره.
من ناحية أخرى، أعلنت مصادر سياسية وأمنية للكيان الصهيوني في عدة مقابلات في الأيام الأخيرة أنه إذا رفض لبنان قبول اقتراح واتفاق وقف إطلاق النار هذا، فإن حجم وكثافة العمليات البرية في جنوب لبنان سيزداد.
إن دراسة مواقف القادة العسكريين والسياسيين في الكيان الصهيوني تظهر مشكلة واحدة، وهي أن قادة هذا الكيان يسعون، على نحو موهوم، إلى إشعال حرب في جنوب لبنان، والحقيقة أن الكيان الصهيوني كان يعلم مسبقاً عند تقديمه هذا الاتفاق أن المقاومة والحكومة اللبنانية سترفضان هذا الاقتراح، ويبدو أن الصهاينة تعمدوا تقديم مثل هذه الخطة في إطار الاقتراح الأمريكي والحقيقة أنهم طرحوا هذا الاقتراح بهدف رفضه من الحكومة والمقاومة اللبنانية لكي يكون هناك مبرر قانوني وشرعي لاستمرار الحرب والجريمة ضد الشعب اللبناني.
ويبدو أن الكيان الصهيوني ما زال مصراً على مواصلة حساباته الخاطئة فيما يتعلق بحزب الله اللبناني ويقدم الذريعة لمواصلة وتكثيف العمليات العسكرية في جنوب لبنان، ولكن لا شك أن على الصهاينة أن يتوقعوا مفاجآت هائلة، والمشكلة أن قادة هذا الكيان ما زالوا لا يعرفون ما ينتظرهم في عمق لبنان.
وحسب محللين وخبراء صهاينة، فإن المقاومة اللبنانية لم تقم بعد بتفعيل أجزاء كبيرة من قدراتها العسكرية، ولا توجد فكرة وتقييم دقيقين للقوة العسكرية الرئيسية لمنظمة حزب الله القتالية.
وفي الوقت نفسه، هناك حالة من الفوضى في الأراضي المحتلة، وأصبح شمال الأراضي المحتلة غير صالح للسكن إلى حد كبير، كما أصيب جزء كبير من اقتصاد الشمال بالشلل، ولا تزال أعداد اللاجئين الصهاينة مستمرة في التزايد، ويستمر جيش هذا الكيان في إيقاع الضحايا في غزة، وما لا شك فيه أنه مع تصاعد مستوى التوتر ودخول حزب الله مرحلة جديدة، فإن الوضع الحالي في الأراضي المحتلة سيتجه نحو أزمة كاملة. لذلك، ربما لو كان قادة الكيان يعرفون بالضبط ما ينتظرهم في ساحة المعركة، لما لعبوا مثل هذه اللعبة الغبية.