الوقت- في وقت يمعن الكيان الصهيوني في إجرامه بحق من تبقى من مدنيين في قطاع غزة ويرتكب أفظع الجرائم على الإطلاق جاء إعلان المحكمة الجنائية الدولية أنها ستغير ولأسباب صحية رئيسة القضاة الذين سوف يبتون في طلب من ممثلي الادعاء لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تحرك قد يخفي في طياته الكثير من الضغوطات الأمريكية والأوروبية الداعمة لجريمة الإبادة الجماعية وكل ما تقترفه آلة القتل الصهيوني في غزة وأهلها.
وفي هذا السياق قال رئيس المحكمة: إن رئيسة القضاة في تلك القضية، وهي القاضية الرومانية يوليا موتوك، طلبت اختيار بديل لها لأسباب صحية، وحلت محلها على الفور بيتي هولر القاضية السلوفينية بالمحكمة. الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من التأجيل في القضية إلى أن تحيط القاضية الجديدة بجميع مستندات القضية وتفاصيلها.
من الجدير بالذكر، أنه في مايو/أيار كان ممثلو الادعاء قد طالبوا في مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالإضافة إلى 3 من قياديي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وبدعم أمريكي، تشن "إسرائيل" منذ الـ 7 من أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية على غزة خلفت أكثر من 143 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم، وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
محاولات استنزاف الوقت
على الرغم من أنه لا توجد مهل زمنية محددة للمحكمة، لكنها استغرقت في العموم نحو ثلاثة أشهر للبت في طلبات أوامر الاعتقال في قضايا سابقة، إلا أنّ القرار في هذه القضية قد تعطل بالفعل بسبب عدة جولات من المحاولات القانونية من جانب كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يطعن في اختصاص المحكمة، يذكر أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان كان قد طلب قبل نحو شهرين، تسريع البت في مذكرات اعتقال مسؤولين من "إسرائيل" وحركة "حماس"، وحث خان القضاة الذين ينظرون في مذكرات الاعتقال المطلوب إصدارها بحق مسؤولين إسرائيليين وقادة من حركة "حماس" على اتخاذ قرارهم بسرعة ودون تأخير.
مؤشرات على الضغوطات
شكل استبدال رئيسة القضاة في هذه القضية صدمة كبيرة أكد ضخامة حجم الضغوطات التي لعبتها أمريكا والدول الحليفة للكيان الصهيوني على المحكمة والتي ربما بدأت تنجح في تفعيل تأثيرها على المحكمة، ومن الجدير بالذكر أنه وخلال الفترة السابقة كشف المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان مراراً عن تعرضه لضغوط من قادة بعض الدول من أجل عدم إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، وقال: "أحاطني كثيرون من القادة وغيرهم، ونصحوني وحذروني"، كما رحب المدعي العام بسحب اعتراض الحكومة البريطانية الجديدة على تقديم الطلب الخاص بإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو.
وذكر مدعي عام الجنائية الدولية، في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" يوم الـ 19 من شهر أكتوبر المنصرم، أنه اطلع على الأدلة التي يستند إليها قرار إصدار المذكرة، في رده على من انتقدوه على طلبه.
وأشار إلى أن المحكمة يجب أن تطلب أوامر اعتقال لكل من قادة "إسرائيل" وحماس للتأكد من أن الناس في جميع أنحاء العالم يرون المحكمة تطبق القانون "على قدم المساواة على أساس بعض المعايير المشركة"، وأكد أنه يجب تجنب معاملة الدول المدعومة، سواء من "الناتو" أو الدول الأوروبية أو الدول القوية، بطريقة مختلفة عن الدول غير المدعومة.
تحايل على القانون
بالتزامن مع ممارسة ضغوطات على المحكمة الجنائية الدولية لطالما حاول الكيان الصهيوني التحايل على شرعية وصلاحية أوامر الاعتقال المزمع إصدارها وتدعي حكومة الكيان الغاصب أن المحكمة "لا تملك اختصاصا قانونيا" على مواطنيها لعدم توقيعها نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة.
كما تدعي، كذلك، أن الأراضي الفلسطينية لا تملك صلاحية إحالة قضايا إلى المحكمة بزعم أنها "لا تستوفي شروط الدولة بموجب القانون الدولي".
لكن مكتب المدعي العام، في بيان له طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، أوضح آنذاك أن "الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة قررت في الـ 5 من فبراير/ شباط 2021 أن المحكمة تستطيع ممارسة اختصاصها الجنائي في دولة فلسطين، وأن النطاق المكاني لذلك الاختصاص يشمل غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية".
أيضا، تعتمد حكومة الاحتلال على "مبدأ التكاملية" في نقضها لخطوات المحكمة المرتقبة بحق نتنياهو وغالانت الذي ينص على أن "المحكمة لا تتدخل إلا إذا كانت السلطات الوطنية غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق" بالجرائم، مدعية أنها "تمتلك نظاما قضائيا فعالا وقادرا على التعامل مع أي ادعاءات".
هل تفعلها ؟
لطالما كان السؤال الأهم في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا وانضمت إليها العديد من الدول فيما بعد هو هل يمكن أن تفعلها المحكمة وتصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ومسؤوليين صهيونيين آخرين وهل يمكنها أن تقف في وجه إعصار الضغوطات الأمريكية والأوروبية فلو صدرت مذكرات اعتقال ضد قادة إسرائيلين، فسيكون ذلك هو الخبر الأهم على الإطلاق منذ قيام ما تدعى "دولة إسرائيل" التي توصف بأنها دولة محمية من المساءلة وأن قادتها يتمتعون بالمناعة ضد أي ملاحقة.
إن الشكوك التي تحيط بالمحكمة الجنائية الدولية كثيرة، وإن القضايا التي تناولتها (تركّزها الجغرافي في أفريقيا أو دول العالم الثالث، واستثناء قادة دول غربيين) تعزز هذه الشكوك، وإن المحكمة مطالبة اليوم بأن تثبت للرأي العام العالمي أنها هيئة قضائية محترمة جادة ومهنية، والموضوعية والمهنية والشفافية – التي يجب أن تتمتع بها المحكمة والتي تؤدي لكسب ثقة العالم وهو ما يعزّز من مصداقيتها ويقوّي من موقفها كهيئة قضائية دولية؛ بأنه لا أحد فوق القانون بغض النظر عن جنسيته أو مسؤوليته السياسية – لم توجد بعد. ومازال العالم ينتظر !!!