الوقت - في أكثر الطرق همجية وحقد يتبع المستعمرون سياسة ممنهجة تهدف إلى إفراغ الأرض من سكانها وفرض واقع استيطاني جديد في ظل انشغال الرأي العام بما يجري في غزة.
تتفاقم أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية، ليس جراء تكثيف الجيش الإسرائيلي من حملاته العسكرية اليومية في المدن والمخيمات الفلسطينية وحسب، بل لتعاظم الهجمات المتوالية للمستوطنين على القرى والبلدات المتاخمة للمستوطنات التي باتت مميتة ومن دون سابق إنذار.
حيث باغت عشرات المستوطنين الملثمين مسلحين ببنادق أم-16 ومسدسات وآلات حديدية من كل جانب فلسطينيون في إحدى قرى الضفة الغربية، حيث تعمد المستوطنون تحطيم النوافذ والأبواب ورمي زجاجات حارقة في منازل قرية جيت، وهو ما أدى إلى اشتعال المكان وإصابة جميع من فيه من نساء وأطفال.
وبالتفاصيل تسبب هجوم نحو 100 مستوطن على قرية في الضفة الغربية لنحو 90 دقيقة في إحراق عدد من المركبات والمنازل، ومقتل شاب فلسطيني بالرصاص أثناء دفاعه عن القرية، كما أصيب آخر برصاصة في الرأس، ولا يزال يواجه وضعاً حرجاً بالعناية الفائقة في المستشفى.
وسبق الهجوم بأيام قليلة أن نفذ مستوطنون اعتداءً على أربع نساء وطفلة من رهط، عندما ضللن طريقهن ومررن قرب البؤرة الاستيطانية العشوائية "غفعات رونين"، إذ ألقى المستوطنون الحجارة باتجاههن وأصابوهن بجروح وأضرموا النار في سيارتهن واضطررن إلى العلاج في المستشفى.
وتقوم حكومة الاحتلال بدعم وتسليح ميليشيات مستوطنين للاعتداء على الفلسطينيين في تجمعات وقرى بدوية ودفعهم إلى الهجرة بعد تدمير منازلهم وحرقها، والاستيلاء على آلاف الدونمات من مراعي مواشيهم وينابيع الماء، وإقامة مستوطنات على أرضهم بذريعة توفير مساحات لرعي مواشي المستوطنين.
ومنذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ازدادت الاعتداءات على القرى والتجمعات البدوية بالضفة الغربية حيث سيطر المستوطنون بدعم الحكومة الإسرائيلية على مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين، تزيد على 220 ألف دونم، وهجروا سكانها.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قد ذكرت أن منظمات حقوقية حذرت من أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وصل إلى "مستويات قياسية" منذ السابع من أكتوبر 2023، وأكدت أن "حركة الاستيطان المتطرفة تسعى الآن إلى زيادة ترسيخ وجودها في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة".
بدورها قالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية: إن «الترحيل القسري بفعل اعتداءات وجرائم المستوطنين طال 40 تجمعا فلسطينياً»، في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، بينما قتلت غارة إسرائيلية بمسيّرة، فلسطينيين اثنين في جنين، بالتوازي مع حملة اعتقالات طالت 25 فلسطينياً بينهم أطفال.
وأضافت الوزارة، في بيان، إن «عدد التجمعات البدوية التي تم ترحيلها بالقوة وجراء جرائم واعتداءات ميليشيات المستعمرين تصل إلى 40 تجمعاً بدوياً».
وتابعت إنها تنظر «بخطورة بالغة لجريمة الترحيل القسري التي ترتكبها عصابات المستعمرين وعناصرها الإرهابية ضد التجمعات البدوية في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة في مسافر يطا (جنوب) والأغوار (شرق)»، وقالت إن عمليات الترحيل التي كان آخرها ترحيل الأسر الفلسطينية البدوية من منطقة أم الجّمال في الأغوار الشمالية، تتم «بإسناد وحماية جيش الاحتلال، وإشراف مباشر من وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وحليفه وزير الأمن إيتمار بن غفير».
واعتبرت أن «هذه الجريمة ترتقي لمستوى جريمة التطهير العرقي، وتندرج في إطار الضم التدريجي المتواصل للضفة الغربية المحتلة وتفريغها من سكانها وأصحابها الأصليين، وتخصيصها كعمق استراتيجي للاستيطان والسيطرة على المزيد من الثروات الطبيعية لدولة فلسطين، على طريق وأد وتقويض أي فرصة لتجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض بعاصمتها القدس الشرقية».
واعتبرت الخارجية الفلسطينية أن كل ما صدر عن المجتمع الدولي، أو الدول من قرارات، أو عقوبات بشأن الاستيطان والمستوطنين الذين يرتكبون الجرائم «لا ترتقي إلى مستوى جريمة التطهير العرقي، ولم تشكل رادعاً يجبر دولة الاحتلال على وقفها، والتخلي عنها».
وطالبت بعقوبات دولية رادعة «ليس على غلاة المستوطنين المستعمرين، وعلى ميليشياتهم المسلحة فقط، وإنما على الوزراء، والمسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، الذين يوفرون الحماية والدعم والتمويل والاسناد من أمثال سموتريتش، وبن غفير».
بدورها تمعن سلطات الاحتلال بالنفاق حيث ندد كبار المسؤولين الإسرائيليين بالهجوم على قرية جيت، ودانه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان مؤكداً أنه "سيتم القبض على المسؤولين عن أي جريمة ومحاكمتهم"، فيما وصفه وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل بأنه "جريمة قومية خطرة تتعارض مع قيم اليهودية"، إلا أن التحقيق الإسرائيلي الأولي في الهجوم على القرية كشف عن أن وحدة من جنود الاحتياط وصلت إلى مكان الحادثة بعد وقت قصير، لكنها لم تفعل شيئاً ولم تعتقل الجناة.
وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن الشهادات التي جمعت من أهالي القرية، التي تقع قرب مستوطنات "يتسهار" و"إيتمار" و"جلعاد"، أكدت أن المستوطنين هاجموا قريتهم على صورة مجموعات منظمة يبدو أنها دربت مسبقاً على تنفيذ الهجوم، وأن الجيش سمح لهم بالدخول إلى جيت من دون مشكلات وتدميرها من دون إزعاج.
ووفقاً لما ذكره موقع الصحيفة الإلكتروني فإن المستوطنين بعد الهجوم وقفوا إلى جانب نقطة حراسة للجيش، وظهروا كأنهم جزء من قواته.
وأكدت الصحيفة أنه من بين نحو 100 مستوطن شارك في الهجوم فإن الشرطة الإسرائيلية لم تعتقل سوى مستوطن واحد ووجهت إليه شبهة عرقلة عمل شرطي ثم أفرجت عنه.
وبدعم أمريكي يشن كيان الاحتلال حربا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 133 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.