الوقت- من أدوات ومتطلبات صنع السياسات للحكومات، وخاصة في المجالات الاقتصادية والرفاهية، مثل القضايا الحضرية والبنية التحتية، الحصول على معلومات إحصائية موثوقة من أفراد المجتمع، الأمر الذي يتطلب مراقبة متكررة بأساليب إحصائية مختلفة، وعليه، فقد باشرت الحكومة العراقية، في الأيام القليلة الماضية، التعداد السكاني والمساكني في هذا البلد، والذي من المفترض أن يتم قبل نهاية العام الحالي، وحسب موقع شفق نيوز، فإن العراق أجرى آخر تعداد سكاني وطني له عام 1987، وشاركت فيه جميع محافظات البلاد الـ18، أعقبه إحصاء آخر عام 1997، لكن هذه المرة دون مشاركة محافظات إقليم كوردستان.
وقد اعتمد المديرون والمخططون العراقيون خلال السنوات الماضية على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن المؤسسات والمراكز البحثية غير الرسمية ذات العلاقة بهذا الموضوع، أو على التقديرات الرسمية القليلة؛ وعلى غرار تقديرات وزارة التخطيط لهذا البلد لعام 2022 والتي قدرت عدد سكان العراق بأكثر من 42 مليون نسمة، أدى ذلك إلى مشاكل وقضايا مختلفة، وخاصة أن العراق واجه فساداً واسع النطاق في البنية البيروقراطية والإدارية في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، فإن الجهود الأخيرة التي بذلتها الحكومة السودانية لتنفيذ التعداد الوطني للسكان والمساكن لم تخل من الجدل، كما أن حدوث بعض القضايا المتعلقة بالتعداد خلق هوامش صعبة للحكومة المركزية، ويبدو أن حذف القسم المتعلق بتحديد العرق والقومية للأشخاص من التعداد السكاني، أثار احتجاجات ومخاوف بين الأقليات اللغوية والعرقية، وخاصة في المناطق المتنازع عليها في محافظة كركوك الغنية بالنفط خاصة.
حتى أن هذه المخاوف والمعارضة تسببت في تأجيل تنفيذ خطة التعداد بسبب الخوف من تسييس الأمر، وخاصة أنه في السنوات الأخيرة كان هناك خلاف بين الحكومة المركزية وحكومة أربيل المحلية حول كيفية البيع وتوزيع عائدات النفط في المحافظات الشمالية (كركوك كأهم محافظة)، وخاصة أن هذا الأمر تعرض للكثير من التدخلات من قبل المحكمة الاتحادية في الدستور العراقي وحتى الجهات الدولية ولم تنته الخلافات رغم جولات المفاوضات المتعددة بين أربيل وبغداد.
في غضون ذلك، اعتبر البعض أن طريقة التعداد الحالية تذكرنا بسياسة الدمج أو حتى التغيير الديمغرافي إبان حكم حزب البعث، فبعد عام 2003، نشأ نزاع بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية حول السيادة الفيدرالية على كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها في المادة 140 من الدستور (بما في ذلك أجزاء من محافظات صلاح الدين وديالى ونينوى)، ويعتقد الأكراد الآن أن التعداد السكاني الحالي يمكنه تحديد كيفية تكوين الكتل العرقية في هذه المدينة، بحيث يمكن أيضاً تحديد مسألة السيطرة الإدارية على ولاية هذه المدينة من قبل أربيل أو بغداد، كما أن حصة الإقليم من موازنة البلاد بموجب الاتفاقيات الحالية تبلغ 12 بالمئة سنوياً، ويريد الأكراد مراجعة هذا الرقم وتكييفه مع نسبة سكان المنطقة مقارنة بإجمالي سكان البلاد، لذلك يدعمون تحديد العرقية للسكان في خطة التعداد.
كما يعتبر التعداد السكاني في العراق قضية سياسية حساسة لارتباطه بالانتخابات ونظام المحاصصة الطائفية الذي تقوم عليه العملية السياسية في هذا البلد، وحسب بيانات وزارة التجارة العراقية، فإنه في النظام الانتخابي الحالي في البلاد، يتم تخصيص مقعد تمثيلي واحد لكل 100 ألف نسمة، وبالتالي فإن التعداد الأخير يمكن أن يوفر تقديرات أكثر دقة من السابق حول عدد سكان كل دائرة انتخابية، ويقدر عدد سكان العراق حاليا بـ 43 مليون نسمة، ويقال إن أكثر من 6 ملايين نسمة يعيشون في الخارج.
رد الحكومة على منتقديها
هجوم المنتقدين على خطة التعداد ما تسبب في تأجيل الخطة في وقت ما، دفع الحكومة للرد على محاولة بعض التيارات تسييس هذا الإجراء الذي لا يسعى إلا لتحقيق أهداف اقتصادية وتنموية، وفي رفض لادعاءات المنتقدين، أعلنت الحكومة أن الغرض الرئيسي من استبيان التعداد السكاني والسكني هو إنشاء منصة لتنفيذ مشاريع الإسكان، وبهذا الصدد أعلن رئيس دائرة احصاء خانقين ميسون نوري في حديث لوكالة شفق نيوز، أن الهدف من التعداد هو الاطلاع على الوضع السكني ولا علاقة له بالجوانب السياسية، والاستمارة تحتوي على 72 الأسئلة، باستثناء السؤال عن الجنسية والطائفة من الناس.
كما أكد عبد الزهرة الهندوي المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط أن إلغاء بند الجنسية لا علاقة له بالأبعاد السياسية والوطنية، لأن التعداد عملية اقتصادية وتنموية، وهذه الوزارة لا علاقة لها القضايا السياسية وغير الاقتصادية، وأكد: "أن هذا التعداد يشمل كامل العراق بما فيه إقليم كردستان وكركوك، ويعطينا مؤشرات على ضرورة التنمية في جميع المناطق، ويستفيد منه الأكراد والعرب والتركمان وجميع القوميات، وإنها عملية تنمية اقتصادية ولا علاقة لها بالسياسة أو بما يدور حولها".
ومن أهم اهتمامات الحكومة في السياسات التنموية المتعلقة بخطة التعداد هو موضوع الإسكان، ويواجه العراق أزمة سكن، وتحاول الحكومة العراقية منذ العام الماضي بناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية لحل بعض مشاكل الناس، وأفادت بيانات وزارة التخطيط العراقية بوجود عجز بـ 4 ملايين وحدة سكنية في قطاع الإسكان، فيما أكد السوداني أن 9% من العراقيين يعيشون في العشوائيات.
وبناءً على ذلك، شرعت الحكومة السودانية في خطة كبيرة لبناء عشرات المدن الجديدة في مناطق مختلفة من البلاد، من بينها مدينة الجواهري الجديدة في منطقة أبو غريب بالعاصمة، ومدينة الزفاف كربلاء في كربلاء محافظة (جنوب البلاد)، ومدينة الفلوجة الجديدة في محافظة الأنبار غربا، ومدينة الجناين في محافظة بابل (جنوب العاصمة)، ومدينة الغزلاني في محافظة نينوى (شمال).
وفي هذا الصدد، سبق مشاني الغانمي، المتحدث الرسمي باسم الهيئة الوطنية للاستثمار، أن صرح لقناة الجزيرة عن تفاصيل إنشاء هذه المدن: "المدن الجديدة ستضم في مجملها نحو 240 ألف وحدة سكنية، وفي بغداد سيتم بناء 29 ألف وحدة سكنية في مساحة تزيد على 700 هكتار، فيما تبلغ الطاقة الاستيعابية لمدينة كربلاء الجديدة أكثر من 46 ألف وحدة سكنية في مساحة تبلغ نحو 900 هكتار".
وأضاف الغنامي: "مدينة الفلوجة الجديدة تضم أكثر من 91 ألف وحدة سكنية بمساحة 3400 هكتار، ومدينة الغزلاني الجديدة في محافظة نينوى تضم 46 ألف وحدة سكنية بمساحة 4700 هكتار، وتبلغ الوحدات السكنية في مدينة الجناين في محافظة بابل أكثر من 25 ألف وحدة سكنية على مساحة 800 هكتار".
من ناحية أخرى، يرى بعض المحللين أنه في بلد عانى من العنف الطائفي بعد الغزو الأمريكي عام 2003 وتأجيج القضايا العرقية من خلال خلق المحاصصة في البنية السياسية قد خلق الأساس لتعزيز عدم الكفاءة والفساد، وحتى بسبب القلق فقد منعت العواقب السياسية إجراء تعداد السكان والمساكن لعقود من الزمن، وربما تؤدي إثارة مسألة العرق والقومية في هذا التعداد إلى عودة ظهور بعض القضايا المزعزعة للاستقرار والانقسام في البلاد.