الوقت – إن اغتيال إسماعيل هنية الزعيم السياسي لحركة حماس في طهران، رغم أنه يعتبر خسارة فادحة لهذه الحركة المقاومة، إلا أن الحقيقة هي أن الشهيد هنية ليس أول قائد استشهد في حماس، وقبل ذلك ومنذ اغتيال مؤسس وزعيم حركة حماس الروحي، أي "الشيخ أحمد ياسين" عام 2004، فقدت هذه الحركة العديد من الشخصيات المؤثرة والتي كان لها دور في زرع الخوف في قلب الكيان الصهيوني، إلا أن هذه الاغتيالات لم تتمكن حتى الآن من التسبب في تراجع أو إضعاف حركة حماس في المجتمع الفلسطيني وحتى على مستوى المنطقة.
ويرى خالد حروب، الخبير السياسي في العالم العربي، في مذكرة نشرها بموقع ميدل إيست آي، أن حماس لن يتم القضاء عليها باغتيال هنية، لأن القيادة العلياء لهذه الجماعة توسعت داخل فلسطين وخارجها، وأداء الهيكل التنظمي لهذه المجموعة المقاومة لن يتأثير بفقدان القادة، في الواقع، تعتمد حماس على مؤسسة فكرية جماعية وليس فقط على شخصية القادة وعندما تواجه حماس اغتيال قادتها، يتدخل القادة الشباب ويعيدون تنظيم قاعدة دعم الجماعة ويوسعونها، وفي هذه الأثناء، لفهم وضع حماس بعد اغتيال هنية، قد لا يكون سيئاً أن نلقي نظرة على ظروف تشكيل هذه الجماعة المقاومة في قطاع غزة.
كيف ظهرت حماس؟
إن العامل المهم وراء ظهور وتشكيل حماس وغيرها من جماعات المقاومة الفلسطينية ليس لسبب آخر سوى وحشية "إسرائيل" واحتلالها المستمر للأراضي الفلسطينية، لقد حارب الكيان الصهيوني في وقت ما ضد منظمة التحرير الفلسطينية وفتح وقام بتحييدهما إلى حد كبير دون إنهاء احتلال فلسطين، في الواقع، أدى تحييد فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين إلى تشكيل حماس والجهاد الإسلامي كمجموعات مقاومة، وهذه صيغة ثابتة ومثبتة مفادها بأن الاحتلال العسكري يخلق المقاومة في أي منطقة، وجماعات المقاومة الفلسطينية مثل حماس هي نتيجة تحييد فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني.
عندما أصبح هنية رئيساً للحكومة الفلسطينية المنتخبة عام 2006، رفض مغادرة منزله البسيط في مخيم الشاطئ للاجئين والانتقال إلى مقر إقامة رسمي، وبدلاً من ذلك سعى إلى أن يكون قريباً من نبض الشعب واللاجئين والفقراء وكان المركز الرئيسي للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهذه هي النقطة الأساسية لفهم شخصية هنية وشخصيته السياسية.
هنية، الذي أصبح ناشطًا سياسيا رئيسيا في حماس في التسعينيات، شارك في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في الوقت نفسه، إلى جانب العديد من أعضاء حماس الآخرين، وكان هذا الإجراء الذي اتبعه هنية مخالفاً للمقاطعة الرسمية لحماس للمشاركة في الهياكل السياسية الرسمية لفلسطين، والتي بدأت منذ توقيع اتفاق أوسلو، وتخلى هنية حينها عن هذه المقاطعة السياسية وأدخل حماس في المنافسات السياسية الرسمية في فلسطين.
وقال هنية حينها عن المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني إن المشاركة في الانتخابات ستكون استجابة لمطلب عدد كبير من أبناء شعبنا الذين يبحثون عن بديل نزيه للقضية الفلسطينية، وحتى بعد سنوات قليلة، فاز هنية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 وحقق فوزا سياسيًا قويًا، وإن صعود هنية إلى السلطة داخل حماس وشعبيته بين الشعب الفلسطيني كانا مرتبطين بأسلوبه الذكي، حيث إنه كان يتحدث بلغة الناس العاديين وكان خطيبًا دينيًا ماهرًا ومعبئًا عسكريًا.
وكانت هذه الشعبية لا تزال تزداد عند هنية، ولقد حفظ القرآن الكريم، وأظهرت استطلاعات الرأي قبل وبعد عملية ال 7 من أكتوبر أن الشهيد هنية كان قادرا على هزيمة محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، والسيطرة على السلطة في الضفة الغربية وغزة في نفس الوقت إذا أجريت الانتخابات.
وكان هنية دائما في طليعة قيادة حماس، وكان يحظى باحترام حتى من قبل العديد من منافسيه الفلسطينيين، وأصبح شخصية دبلوماسية مؤثرة في حماس، ما دفع حماس إلى اختياره رئيسا لمكتبها السياسي عام 2017 ونقله خارج قطاع غزة، وكان خروج هنية من غزة والعيش في الخارج، وخاصة في قطر وتركيا، قراراً اعتقدت حماس أنه سيجلب فوائد أكثر من الخسائر لفلسطين.
وفي حين انتقد البعض هنية لانسحابه من غزة، فقد تمكن من بناء شبكة واسعة من العلاقات مع قادة الحكومات والحركات من جميع أنحاء المنطقة وخارجها، ورحب الزعماء العرب والمسلمون من المغرب إلى ماليزيا بحركة حماس خلال أنشطة هنية خارج غزة، وقد لقي ترحيبا حارا من سلطات وحكومة وشعب هذا البلد خلال زيارته الأخيرة إلى سلطنة عمان. في الواقع، أدى خروج هنية من غزة إلى حصول حماس على اتصالات عالمية واسعة النطاق، كما أدى إلى توسيع نطاق نفوذ حماس كمجموعة فلسطينية إلى دول إسلامية أخرى، وأظهرت لقاءات مختلفة مع زعماء الدول الإسلامية وبعض الرؤساء السياسيين والحكومات أن هنية الذي كان ينشط في مكتب حماس في قطر وتركيا خلال السنوات السبع الماضية، تمكن من تحويل حماس إلى حركة فلسطينية فاعلة على المستوى العالمي.
حماس بعد هنية
بعد هنية ستحتاج حماس إلى زعيم كاريزمي مثل هنية، وفي النهاية ستحصل على نفس القائد الكاريزمي بالضبط، كما حدث بعد مقتل الشيخ ياسين وغيره من كبار قادة حماس، حيث تمكن هنية من بناء شخصية كاريزمية له في فلسطين خلال تلك الفترة، وحتى اغتيال هنية سيؤدي إلى صعود عدد لا يحصى من الجماعات المنشقة الراديكالية ضد "إسرائيل" إلى جانب حماس، الأمر الذي سيجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للصهاينة.
لكن يبدو أن مسألة مفاوضات تبادل الأسرى بين حماس والاحتلال ستظل مهمشة لفترة طويلة بعد استشهاد هنية، ومن المرجح أن حماس بعد هنية ستبحث أكثر من أي شيء آخر عن استراتيجيات بديلة لمواصلة المفاوضات، وهنا تجدر الاشارة إلى أن حرب الاستنزاف مع الاحتلال في غزة طريق غير مرغوب فيه للصهاينة في غزة وسيستهلك الكثير من الطاقة من القوات الصهيونية في غزة.