الوقت- أطلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة على الأراضي المحتلة مساء السبت الماضي ردا على جريمة الكيان الصهيوني في مهاجمة القسم القنصلي بالسفارة الإيرانية في دمشق، وقد أحدثت هجمات جمهورية إيران الإسلامية ارتباكاً لدى السلطات الصهيونية، فبعد 12 يومًا من الهجوم الصاروخي للجيش الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، تم تنفيذ العملية الانتقامية الإيرانية، وأطلقت منظمة "الجو فضائية" التابعة للحرس الثوري الإيراني، في هذه العملية، عددًا من الطائرات المُسيّرة، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية على أهداف في جنوب ووسط "إسرائيل"، ولم يتم ذكر عدد الأسلحة المستخدمة في بيانين للحرس الثوري الإيراني.
وقالت مصادر إسرائيلية مجهولة لصحيفة "نيويورك تايمز" إنه تم إطلاق 185 طائرة مُسيّرة، و36 صاروخ كروز، و110 صواريخ باليستية أرض- أرض من الأراضي الإيرانية إلى "إسرائيل"، وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت "إسرائيل" لهجوم بطائرات مُسيّرة متفجرة من داخل لبنان والعراق واليمن، وتدور حرب إعلامية ونفسية بين الجانبين منذ بداية العملية، وهناك تناقض في تقييم نتائج العملية، وحرب الروايات هي المسيطرة حاليًا؛ ففي رواية إيران تعرضت قاعدة "نافاتيم" الجوية لأضرار جسيمة، وأصابت نصف الصواريخ الأهداف المحددة وأُصيب عدد من القوات العسكرية، كما قال قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، في مقابلة مع مراسل الإذاعة والتلفزيون الإيراني: إن عملية "الوعد الصادق" كانت محدودة، وطالب الحكومة الإسرائيلية بتعلم الدرس، وعدم الهجوم داخل الأراضي الإيرانية، وإلا فإنها ستواجه ردًا أقسى.
وفي المقابل، زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أنه تم اعتراض 99 بالمئة من الصواريخ والطائرات المُسيّرة بمساعدة القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية، ولم يتعرض سوى مركز عسكري واحد، "نافاتيم" على الأرجح، لأضرار طفيفة، كما نُقِل 12 شخصًا إلى المستشفى، أُصيب معظمهم بجروح أو بصدمة نفسية، ولهذا سوف نتناول في هذا المقال هذا الارتباك الصهيوني وأسبابه.
رد الفعل المزدوج والمتناقض للصهاينة
من الواضح أن الصهاينة يتناقضون مع رد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فمن ناحية، تدّعي السلطات الصهيونية أنهم أسقطوا صواريخ وطائرات مسيرة إيرانية ولم يتعرضوا لأي أضرار، ومن ناحية أخرى، يتعرض بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، لضغوط شديدة من أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة، وقد عقد بعض السياسيين الصهاينة النقاد، ومجلس وزراء الحرب اجتماعات متكررة حول كيفية الرد على تصرفات إيران.
إن هذه التصريحات المتناقضة هي الأكثر تعبيرا عن الهزيمة الفادحة التي مُني بها الكيان الصهيوني أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية والضربة القاسية التي لا يمكن إصلاحها والتي تلقتها تل أبيب من طهران، واعتبرت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية في تقرير لها أن الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق عمل خاطئ بسبب التقييمات غير الصحيحة لمجلس وزراء الكيان الصهيوني ووصفت ليلة الهجوم الانتقامي الإيراني على "إسرائيل" بـ "السيرك الإستراتيجي" لهذا الكيان الحاكم.
وأكد الخبير الأمريكي سكوت ريتر أيضاً أن "إيران هاجمت قاعدة نافاتيم الجوية بسبعة من صواريخها الجديدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على الأقل وقاعدة نافاتيم هي القاعدة العسكرية التي انطلقت منها طائرات F-35 المقاتلة التي هاجمت القنصلية الإيرانية في دمشق، ولم يتم اعتراض حتى صاروخ إيراني واحد"، وفي الواقع، فإن إعادة قراءة المواقف المتناقضة للصهاينة، الذين يزعمون من ناحية أن هجوم إيران لم يكن ناجحاً، ومن ناحية أخرى يبذلون الكثير من الجهود من أجل استعادة قوة الردع المفقودة بعد هذا الهجوم، يظهر ذلك، خلافاً للمواقف الإعلامية في "إسرائيل"، وهذا الأمر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الهجوم الإيراني كان محسوباً وناجحاً وتمكن من توجيه ضربة كبيرة للكيان الصهيوني.
لماذا كان الرد الإيراني بمثابة ضربة لا يمكن إصلاحها؟
وعلى عكس الكيان الصهيوني، لم تتخذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية إجراءً مفاجئًا ضد الكيان الصهيوني، وكان رد فعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية واضحًا، وكانت دول المنطقة أيضًا على علم بذلك، ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن بعض القوى الغربية الموالية للصهيونية أثارت ضجة وأدانت الدفاع المشروع عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن طهران، في عمل محسوب وإنساني، لم تستهدف أي موقع مدني، أو أي مواطن مدني، أو أي دبلوماسي، بل تم استهداف القواعد العسكرية للكيان الصهيوني بالصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، ورغم ذلك فإن الصهاينة كانوا في حيرة وخوف قبل أيام قليلة من الرد الإيراني، وقد وصل هذا الارتباك إلى أعلى مستوياته ليلة الرد الإيراني، وكان هذا التخطيط الذكي أحد أسباب هزيمة الصهاينة وضربتهم القوية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الكيان الصهيوني يعيش الآن حالة من الارتباك العسكري، فمن ناحية، تدعي أنها تمتلك أحد أكبر الجيوش في العالم، ومن ناحية أخرى، لا تستطيع أن تقرر كيفية الرد على تصرفات إيران، وهي لا تعرف ما إذا كان ينبغي عليها الرد عسكرياً على تصرفات إيران أو الاستماع إلى نصيحة أهم داعم لها، الولايات المتحدة، وعدم التحرك نحو تصعيد التوترات مع جمهورية إيران الإسلامية، كما واجه الصهاينة تحذيراً شديد اللهجة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها إذا قامت بعمل عسكري ضد إيران، فإن رد فعل طهران القادم سيكون أشد وأشد.
فصل الختام
قام ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء السابق للكيان الصهيوني، بعد سنوات عديدة من إعلان شرعية هذا الكيان المزيف ومتابعة معارك الكيان في حرب الأيام الستة عام 1967 وحرب رمضان عام 1973، باتخاذ موقف جدي للغاية وأطلق عبارة مدروسة: "إسرائيل تستطيع أن تكسب 100 معركة وتصنع مشاكلها ولكن إذا خسرت معركة واحدة فقط، فهذا يعني موتها"، والآن، ورغم أن الصهاينة يحاولون عدم التعبير عن ذلك، إلا أنهم يعتقدون في أنفسهم أنهم تركوا المعركة للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولذلك فهم يخشون الموت قبل بلوغهم سن الثمانين.