الوقت- عشية عيد الفطر، حدد زعيم حركة طالبان هبة الله أخوند زاده، في رسالة أثناء تهنئته للشعب الأفغاني بمناسبة هذا اليوم، الخطوط الرئيسية للسياسات الداخلية والخارجية لحركة طالبان والإمارة الإسلامية لأعضاء هذه المجموعة، وقال أخوند زاده في هذه الرسالة التي نشرت السبت، إن الحكومة الأفغانية تريد علاقات جيدة مع جميع دول العالم.
وطالب زعيم طالبان الدول بعدم التشكيك في حسن نية الإمارة الإسلامية وإقامة علاقات جيدة مع هذه الحكومة، وجاء في جزء آخر من هذه الرسالة أيضًا أن حكومة تصريف الأعمال تعطي الأولوية لتطبيق الشريعة الإسلامية، وتوفير العدالة وتنفيذ حدود الشريعة وتعديلاتها وفقًا لها.
الخلافات الداخلية لطالبان
وكان الجزء اللافت في رسالة زعيم طالبان هو الكلمات التي كشفت عن وجود خلافات كثيرة بين قادة طالبان، حتى أن زعيم هذه الجماعة اضطر للحديث عنها في رسالة عيد الفطر ويصرح شخصيا بأمله بأن تنتهي الخلافات الداخلية، وطالب أخوند زاده التيارات السياسية بمعالجة الخلافات فيما بينها مثل المجاهدين السابقين، واعتبر ملاهبة الله أن سبب فشل حكومة المجاهدين هو خلافات القيادات الجهادية وأنانيتها.
ورغم أن حركة طالبان تمكنت من تشكيل حكومة مؤقتة، إلا أنه منذ بداية تأسيس هذه الجماعة، ظلت الانقسامات والفصائل السياسية مستعرة في الحكومة المشكلة حديثًا، وعلى الرغم من أن مسؤولي طالبان حاولوا منع تسرب أخبار هذه الخلافات داخل المجموعة، إلا أنه يبدو أن الانقسامات قد تطورت كثيرًا لدرجة أن زعيم طالبان لم يتمكن من إبقاء الأمر سراً.
وتأتي هذه الرسالة بينما نشرت مؤخرا تقارير تفيد بأن زعيم طالبان يحاول تعزيز سلطته، لكن "معهد دراسات الحرب" نقل عن مصادره أن القادة المتوسطين في طالبان استخدموا اتصالات وثيقة مع كبار قادتهم ويرفضون الاستجابة لأوامر ملاهبة الله.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في تقريرها الربع سنوي أن هناك اختلافا في الرأي بين الجماعات المختلفة في حركة طالبان بشأن مسألة الحكم، وأن هذه القضية عرقلت الطريق أمام تشكيل حكومة شاملة.
من النادر حدوث خلافات علنية بين مسؤولي طالبان الأفغانية، لكن بعض الشخصيات البارزة في الجماعة أعربت عن معارضتها لعملية صنع القرار التي يقوم بها قادتها، وخاصة حظرها لتعليم المرأة.
ويريد المعتدلون من طالبان من حكومة كابول منح المزيد من الفرص للنساء في مجالات التعليم والصحة ومحاولة تلبية مطالب المجتمع الدولي، وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة، بينما يعارض المتطرفون في هذه المجموعة ذلك بشدة.
ومن ناحية أخرى، زعم زعيم حركة طالبان أن الأمن قد استتب في أفغانستان مع هيمنة هذه الجماعة، وحث الناس على التعاون مع قوات طالبان من أجل وقف "المفسدين" على حد تعبيره، وقال زعيم طالبان إن الأمن لا يتم ضمانه بالصرامة والتسبب في سقوط العديد من الضحايا، وطالب أعضاء هذه المجموعة بتجنب قمع الناس وعدم سجن الناس ظلماً.
يأتي هذا في الوقت الذي يشتكي فيه المواطنون الأفغان من انعدام الأمن على حياتهم وممتلكاتهم في الأشهر الأخيرة، ووفقا لهم، تقوم حركة طالبان باحتجاز الأشخاص وسجنهم وتعذيبهم بشكل تعسفي بتهم مختلفة دون أي سبب.
الاهتمام بحل المشكلات الاقتصادية
وكما قيل، في رسالة أخوند زاده، تمت مناقشة قضية الاقتصاد بشكل أكثر بروزاً مما كانت عليه في الماضي، وطلب من الناس توفير الفرصة للزراعة والتعاون مع طالبان، ووفقا له، تحاول حكومة طالبان أيضًا توفير ظروف أفضل في قطاع الزراعة.
ويبدو أن زعيم طالبان قد فهم الأزمة الاقتصادية العميقة في المجتمع إلى حد ما ويحاول حل المشاكل المعيشية، ونظرا لانقطاع اتصالات أفغانستان مع العالم الخارجي منذ وصول طالبان إلى السلطة، فإن هذا البلد يواجه موجة من الأزمات الاقتصادية واستمرار هذا الوضع يهدد حكومة كابول المؤقتة.
وبعد عودة طالبان إلى الظهور، ذكرت العديد من المنظمات الدولية أفغانستان في تقاريرها باعتبارها دولة يواجه فيها قسم كبير من شعبها الجوع وسوء التغذية وحتى الموت بسبب نقص الغذاء.
وكان انتشار الفقر في أفغانستان خلال السنوات الثلاث الماضية قد دفع ملايين الأشخاص إلى الهجرة إلى الدول المجاورة بحثا عن الغذاء، الأمر الذي شكل عبئا ثقيلا على دول المنطقة، وفي مثل هذا الوضع البائس، أدت عودة المهاجرين من الخارج أيضًا إلى تفاقم المشكلة، كما أدى ترحيل الآلاف من المهاجرين الأفغان من قبل الحكومة الباكستانية إلى وضع عبئ مضاعف على كاهل الحكومة المؤقتة، ولذلك يطالب قادة طالبان بالتفكير في حل لتحسين الوضع الاقتصادي.
كما أدى تجميد الولايات المتحدة لأكثر من 7 مليارات دولار من الأصول الأفغانية إلى مضاعفة المعاناة الاقتصادية للأفغان، وإن حقيقة أن زعيم طالبان يتحدث عن التعاون مع العالم لأول مرة يدل على أنهم أدركوا حقيقة أنهم لا يستطيعون التغلب على المشاكل دون التفاعل مع الدول الأخرى.
وقد أدرك قادة هذه المجموعة أنه من أجل تعزيز قواعد سلطتهم، يتعين عليهم التفاعل مع البلدان ولهذا يتعين عليهم إجراء انفتاحات سياسية في الداخل حتى يتخذ المجتمع الدولي خطوة للاعتراف بالحكومة المؤقتة.
ومن الشروط الغربية للاعتراف بالحكومة المؤقتة توفير ظروف التعليم للمرأة الأفغانية، ولذلك، إذا كانت طالبان تبحث حقاً عن التعاون مع الدول الأخرى، فعليها أن تفتح مجال التعليم للمرأة حتى تتمكن من مواصلة تعليمها، وإلا فإن التفاعل مع العالم لن يكون أكثر من شعار فارغ.
ويعتقد البعض أن رسالة زعيم طالبان بالتعاون مع النظام الدولي ترجع إلى الخوف من التهديدات الأمريكية، وفي هذا الصدد، قال عبد الله خانجاني، نائب وزير الدولة لشؤون السلام في الحكومة الأفغانية السابقة، ردا على رسالة الملا هبة الله: "قبل دورية الطائرات الأمريكية دون طيار، قال إنه سيقاتل الغرب خلال 20 عاما، ولكن وبعد دورية الطائرات دون طيار، طالب بالعلاقات قائلا: "إنه أمر جيد للعالم"، ويقال إنه بعد الهجوم الإرهابي في موسكو، قامت طائرات أمريكية دون طيار بدوريات فوق مقر إقامة زعيم طالبان، ما دفع أخوند زاده إلى الانتقال إلى قاعدة عسكرية في مقاطعة قندهار.
اكتساب الشرعية السياسية
ورغم أن حركة طالبان تسيطر على ما يبدو على السلطة السياسية في أفغانستان، إلا أنها لم تتمكن بعد من اكتساب قاعدة بين الناس، وتدرك سلطات طالبان حقيقة أنها لا تتمتع بالشرعية بين العديد من الأفغان وتحاول إجراء تغييرات في وضع حكمها، لأن قمع الشعب ومنع الأقليات العرقية من دخول الهيئة الحكومية وحصرها في حركة طالبان البشتونية من شأنه أن يضعف أسس حكومة هذه المجموعة.
وعلى الرغم من تعهد طالبان بإظهار المزيد من المرونة بعد عودتها إلى السلطة، فإنها سرعان ما عادت إلى تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية الذي ميز حكمها من عام 1996 إلى عام 2001.
وسبق أن ورد في الملف الصوتي المنسوب إلى هبة الله أخوند زاده، والذي تم نشره، أن حرب طالبان لم تنته بالسيطرة على كابول وأن هذه المجموعة ستقاتل مرة أخرى من أجل "تطبيق الشريعة"، لكن يبدو أن النغمة قد تغيرت، ومن كلام زعيم طالبان يظهر أن هذه الجماعة نشرت أفكارها وأيديولوجيتها المتطرفة بصورة معدلة لزيادة شعبيتها بين الأفغان بهذه الطريقة.
وقال حسن عباس، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، إن رسالة أخوند زاده تبدو معقولة للغاية وتركز على قضايا الحكم ومكافحة الفساد، وقال عباس لوكالة أسوشيتد برس: "أعتقد أن هذه الرسالة تمت صياغتها بعناية لإزالة الانطباع السلبي الذي خلقه ملف صوتي صدر مؤخرًا عنه والذي أعطى رسالة دوغمائية ورجعية للغاية، وخاصة فيما يتعلق بالعقاب العلني وحقوق المرأة، وتهدف هذه الرسالة أيضًا إلى التحكم في الأضرار.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن المتطرفين في وضع ضعيف، وأن المعتدلين، الذين يستغلون نداءات المجتمع الدولي لتأمين المزيد من الحقوق للمرأة في أفغانستان، يهيمنون على النقاش العام في المجتمع الأفغاني، وعلى الرغم من التقدم المحرز، فإن السياسات القاسية التي تنتهجها الحكومة المؤقتة والهجمات ضد النساء الأفغانيات مستمرة، وتستمر هذه الحركة في منعهن من الحصول على حقوق العمل والتعليم.
قصة الصراعات الأيديولوجية الداخلية في حركة طالبان ليست جديدة، فمنذ تشكيل الحكومة المؤقتة، حدثت خلافات بين قادة شبكة حقاني والجسم الرئيسي لهذه الجماعة، وصلت حتى إلى حد الصراع الجسدي، وإطلاق النار على بعضهم البعض.
وبطبيعة الحال، فإن الخلافات الداخلية لطالبان لا تقتصر على الخلافات الأيديولوجية، بل ترتبط أيضاً بالخلافات العرقية والإثنية، وفي العام الماضي، أظهرت التقارير أن الخلافات والانقسامات بين البشتون وغير البشتون تفاقمت إلى حد اعتقال مخدوم علام، أحد القادة الأوزبكيين في طالبان، بتهمة الاختطاف.
وقام قاري صلاح الدين أيوبي، أحد القادة غير البشتونيين الذين لديهم خلاف مع الحكومة المركزية، باستهداف عدد من الجنود البشتون في مدينة "ألمار"، ما أدى إلى تفاقم الأزمة بين عناصر طالبان، ومن الممكن أن تؤدي الخلافات داخل حركة طالبان إلى تفاقم الأزمة السياسية عندما تتعرض الحكومة المؤقتة لضغوط من المجتمع الدولي لتشكيل حكومة وطنية شاملة.
الاهتمام النسبي بإرادة الشعب
وفي الرسالة الأخيرة لزعيم طالبان، تم ذكر قضايا الحكم أكثر من رسالته السابقة، وخاصة تلبية احتياجات الناس ومحاربة الفساد وما إلى ذلك، ما يدل على أن أخوند زاده شعر جيدًا بتحديات المشاكل الاقتصادية المستمرة بالنسبة للحركة، وأيضا الشرعية والقبول العام لهذه الجماعة، ورغم أن أخوند زاده لم يذكر إعادة فتح المدارس والجامعات للنساء والفتيات في خطابه حول التعليم، إلا أنه أكد نسبيا على تحسن الوضع التعليمي في أفغانستان.
وقد قرأ بعض الخبراء عدم ذكر تعليم المرأة في رسالة ملا هبة الله على أنه علامة على معارضته للتعليم الحديث والمساواة بين الجنسين، ويقول عدد من النساء والفتيات إن تفكير زعيم طالبان ضد المرأة، وكل ما يقوله هبة الله تغيب فيه النساء، وتجدر الإشارة إلى أنه منذ تشكيل الحكومة المؤقتة، حرمت المرأة الأفغانية من التعليم الجامعي، الأمر الذي أثار ردود فعل المجتمع الدولي.
