الوقت - الهزيمة الاستخباراتية للکيان الصهيوني أمام حركة حماس في عملية طوفان الأقصى، وعدم قدرة كل أجهزته الاستخباراتية والأمنية والعسكرية على اكتشاف مكان الأسرى الصهاينة ومخبأ قيادات حماس، حتى بعد ستة أشهر من الهجوم العسكري على غزة، أثارت العديد من التساؤلات والغموض حول قدرات الأجهزة التجسسية والاستخباراتية، في اكتشاف التهديدات التي يتعرض لها هذا الکيان.
لطالما افتخر جهاز المخابرات الإسرائيلي بتكنولوجيته المتقدمة، وتعتبر أنظمة المراقبة الخاصة به واحدةً من أفضل الأنظمة في العالم، إلا أن قوات حماس تمكنت من اختراق هذه الأنظمة الدفاعية المتقدمة بسهولة نسبية وتعطيلها.
وكانت الأساليب البسيطة نسبياً التي اتبعتها حماس، بما في ذلك استخدام الجرافات، جزءاً من استراتيجية مبتكرة ومخططة بعناية أثرت على البنية التحتية الأمنية الإسرائيلية بأكملها حول غزة، وأظهر استخدام قوات حماس للطائرات الشراعية لاختراق الأراضي المحتلة، أنه عندما تم تدريب المقاتلين الفلسطينيين في غزة، كان قادة تل أبيب في جهل تام.
كما يشير بعض الخبراء إلى خطة حماس الخادعة لتعمية حواسيب ومبرمجي الکيان الإسرائيلي عن الأهداف الحقيقية وقدرات فصائل المقاومة، الأمر الذي انعكس سلباً على الذكاء الاصطناعي، وتحدى الکيان الإسرائيلي الذي اعتمد كثيراً على هذه التكنولوجيا، وابتعد عن مبادئ الدراسات الاستخباراتية والأساليب التحليلية.
وأظهرت هذه العملية الفريدة، التي صدمت العالم، أن المقاومة الفلسطينية، خلافاً لادعاءات الصهاينة، مجهزة بأجهزة استخباراتية دقيقة تمكنت من تعطيل كل الترتيبات الأمنية للكيان الصهيوني، وفي وضح النهار استهدفت عدة مستوطنات صهيونية وقتلت وجرحت وأسرت آلاف الأشخاص.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، نقلاً عن وثيقة تعود إلى أكتوبر 2022، أن حماس خططت للعملية في الأراضي المحتلة قبل عام، وأن هذا القرار لم يتم اتخاذه بين عشية وضحاها.
في السنوات الأخيرة، قام الکيان الإسرائيلي بتجنيد مئات الجواسيس في غزة، على أمل التنبؤ بالعمليات المنظمة لحرکة حماس، لكن عملية الـ 7 من أكتوبر أظهرت أن حماس تمكنت من تحييد جواسيس تل أبيب.
کذلك، تمكنت حماس من إبقاء إمداداتها دون أن يتم كشفها للکيان الإسرائيلي، المجهز بأحد أجهزة المخابرات الأكثر تقدماً في العالم، واستخدمت عنصر المفاجأة، وحتى بدء العملية، باستثناء يحيى السنوار ومحمد الضيف، لم يكن أي من قوى حماس على علم بتنفيذها، وقد أظهر ذلك أن قادة هذه المجموعة نجحوا في حفظ أسرار الحرب ومنع تسربها.
ومن القدرات الأخرى للکيان الصهيوني هي برامج التجسس، بما في ذلك برنامج بيغاسوس، الذي تمكن في السنوات الأخيرة من اختراق الهواتف المحمولة للسياسيين والصحفيين في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، من الواضح أن الکيان الإسرائيلي فشل في معرفة خطط حماس.
وتشير المعلومات التي كشفها قادة المقاومة حول الأساليب التي يستخدمها الکيان الصهيوني للتجسس في غزة، إلى أن تل أبيب لجأت إلى أحدث التقنيات في العالم لمهاجمة قوات المقاومة.
وقال مصدر أمني في المقاومة الفلسطينية: "لقد أدرك الشاباك الضربات التي وجهتها المقاومة إليه، ولذلك فهو يبحث عن تقنية جديدة تسهل التواصل بينه وبين مرتزقته، وهي تقنية جديدة تغطي المرتزق أثناء استخدام الجهاز، بحيث إذا وقع هذا الجهاز في يد المقاومة، فلن يسجل هذا الجهاز أي إشارات أو أدلة على تواصل سابق مع ضابط الشاباك".
وأضاف المصدر: "التقنية الجديدة عبارة عن شريحة تشبه شريحة الهاتف المحمول، تستخدم مرةً واحدةً في جهاز محمول، ويتم تدميرها بعد البرمجة على الجهاز، ويصبح النظام مفعّلاً وجاهزاً لاستقبال اتصالات الضباط، دون وجود شريحة بداخله، هذه التقنية الجديدة رائعة جدًا، لدرجة أنه إذا وقع الهاتف الخليوي في أيدي شخص آخر غير الجاسوس، فلن يترك ذلك أي مجال للشك".
ومن ناحية أخرى، ومن أجل تحقيق مكاسب في حرب غزة، وضع الجيش الصهيوني اغتيال قادة حماس على جدول أعماله، من أجل إجبار قوات القسام على الاستسلام، لكن باستثناء اغتيال صالح العاروري في جنوب لبنان، فشل في اكتشاف مکان يحيى السنوار وغيره من قادة المقاومة في غزة.
الفشل في اكتشاف الأنفاق ومخابئ السجناء
كان اكتشاف أنفاق حماس وتدمير بنيتها التحتية، أكبر هدف معلن للجيش الإسرائيلي للهجوم على غزة، ولکن رغم امتلاكه لمعدات حديثة ومتطورة لم يكتشف سوى 20% من هذه الأنفاق.
هذه الأنفاق عددها قليل مقارنةً بشبكة الأنفاق التي يبلغ طولها 500 إلى 700 كيلو متر تحت قطاع غزة، وتظهر الفشل الاستخباراتي لأجهزة المخابرات الصهيونية.
کما كان العثور على مخبأ الأسرى الصهاينة لدى حماس، أحد الأهداف المهمة للکيان الإسرائيلي، لكن لم يتم تحقيق أي نجاح في هذا المجال أيضًا، ويُذکر أن قوات حماس أسرت في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر حوالي 240 مواطنًا صهيونيًا وأجنبيًا، وبعد ستة أشهر لم يعثر الصهاينة على أي معلومات عن مكان وجود هؤلاء الأسرى.
على الرغم من الهجمات واسعة النطاق التي يشنها الجيش الصهيوني من البر والجو والبحر على غزة، ووصول 300 ألف جندي من القوات البرية إلى هذه المنطقة، إلا أن الصهاينة فشلوا في تحقيق أهدافهم المعلنة، وهذا الفشل المعلوماتي يظهر أن حماس أدارت عملية الحرب بشكل جيد، وقدمت ردود فعل مناسبة على أعمال الکيان الإسرائيلي الأمنية والاستخباراتية.
إن اكتشاف أساليب التجسس الإسرائيلية في غزة يشكل انتصاراً كبيراً للمقاومة، ويظهر أن حماس تقدمت خطوةً بخطوة مع تقنيات الاحتلال الإسرائيلي المتقدمة، ولديها القدرة على تحييدها.