الوقت- بعد هذه الوحشية بحق أهالي فلسطين و التي أظهرها الكيان النازي علناً للعالم ربما لم يعد مستغرباً تعرض موظفي وكالة الأونروا الأممية للتهديد والتعذيب على يد سجانيهم الإسرائيليين للضغط عليهم بهدف الإدلاء بأقوال كاذبة ضد الوكالة، كلنا نعلم أن المواقف الدولية – التي تتالت بشكل تمثيلي على التهمة الإسرائيلية الموجهة ضد الأونروا – هي جزء أساسي من دعم جهود الحرب الصهيونية ضد المدنيين والسكان تحديدًا في غزة، لكن بوجوه مختلفة حتى يتم تجنب التورط بالجريمة مباشرةً.
وفي هذا السياق نشرت وكالة "رويترز" الإخبارية تفاصيل اطّلعت عليها من تقريرٍ لـ"الأونروا"، أعدته في شباط/فبراير الماضي، رداً على الاتهامات الإسرائيلية، يتضمن رواياتٍ لفلسطينيين بينهم موظفون في الوكالة الأممية، بشأن تعرضهم لما وصفه التقرير بـ"معاملة سيئة في السجون الإسرائيلية"، فيما صرّحت مديرة الاتصالات في "الأونروا"، جوليت توما، بأنّ الوكالة تعتزم تسليم المعلومات الواردة في التقرير غير المنشور، والمؤلف من 11 صفحة، إلى وكالاتٍ داخل وخارج الأمم المتحدة، متخصّصة في توثيق الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان، مضيفةً إنّه "عندما تنتهي الحرب، يجب أن تكون هناك سلسلة من التحقيقات للنظر في جميع انتهاكات حقوق الإنسان".
وجاء في تقرير الوكالة الأممية أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل العديد من موظفي "الأونروا" الفلسطينيين، وأنّ سوء المعاملة والانتهاكات التي قالوا إنّهم تعرضوا لها "شملت الضرب الجسدي المبرح والإيهام بالغرق والتهديدات بإيذاء أفراد الأسرة والاستغلال الجنسي".
وأضافت إن "عددا من موظفينا أبلغوا فرق الأونروا أنهم أرغموا تحت التعذيب على الإدلاء بأقوال كاذبة ضد الوكالة منها أنّ الوكالة لها صلات بحركة حماس، وأنّ موظفي الأونروا شاركوا في الهجمات التي وقعت يوم الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023"..
وشددت الوكالة على أن "هذه الاعترافات القسرية نتيجة التعذيب تستخدمها السلطات الإسرائيلية لنشر مزيد من المعلومات المضللة عن الوكالة ضمن محاولاتها لتفكيك الأونروا"، محذّرة من أن "هذا يضع موظفينا في غزة في خطر، وتبعاته خطرة على عملياتنا في غزة والمنطقة".
فيما رفعت الأونروا احتجاجاً إلى حكومة الاحتلال بشأن توقيف موظفيها لكنها لم تتلق أي رد على ذلك، وفي كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني إنه لا مكان آمنا يقصده سكان غزة، وحذر من أنه رغم كل الفظائع التي عاشوها، وشاهدناها يبدو أن الأسوأ لم يحدث بعد، كما حذر من أن تنفيذ أي هجوم على رفح التي يتركز فيها ما يقارب 1.4 مليون نازح مؤكداً أنه لم يعد للوكالة القدرة على استيعاب الصدمات المالية وخاصة مع احتدام العدوان على غزة.
تحقيق بهدف التجويع
منذ الأيام الأولى لإعلان التحقيق بخصوص اتهامات إسرائيلية لتورط موظفين من الأونروا في أحداث السادس من أكتوبر تمَّ اعتماد تقديرات زمنية لانتهاء التحقيق، حيث من المقرر أن تقدم اللجنة تقريرًا مؤقتًا أواخر مارس/ آذار للأمين العام للأمم المتحدة، بينما التقرير النهائي سيُقدم أواخر أبريل/ نيسان هذا العام، أي إن الدول التي أوقفت تمويلها للأونروا، لديها الراحة الكافية لتجويع الفلسطينيين، وتعطيل عمل المنظمة الأهم على الإطلاق في قطاع غزة في هذه الأيام الحرجة، التي يموت فيها الأطفال جوعًا في شمال قطاع غزة.
والمفارقة تكمن هنا، عندما تم قصف مستشفى المعمداني والذي راح ضحيته حوالي 470 مدنيًا فلسطينيًا، ادعت قوات الاحتلال الصهيوني أن صاروخًا فلسطينيًا محليًا هو الذي تسبّب بالمذبحة، رغم الإعلانات المتكررة من مسؤولين إسرائيليين رسميين بالمسؤولية عن هذه الجريمة قبل حذفها.
ومن المثير للاسمئزاز أن الدول الغربية - وخصوصاً تلك التي أوقفت تمويل الأونروا اليوم- توصلت إلى الحقيقة على حد زعمها في بضع ساعات دون تحقيق أو المطالبة به أصلا و برأت الكيان الغاصب من الجريمة.
أما في العودة لقضية الأونروا و العمل الدؤوب على تصفية المنظمة فالتحقيق هنا مطلوب وهو أمر مهم للغاية؛ لكونه يساهم في تركيع الأطفال الفلسطينيين، ويزيد من آلامهم و آلام أهلهم، ولنا أن نتخيل ماذا يعني تعطيل عمل 13 ألف موظف للوكالة الدولية في قطاع غزة الآن، وإعاقة المنظمة التي لها قدرة على الوصول لكل أجزاء القطاع، ولديها الموارد البشرية واللوجيستيّة لكل ذلك، المطلوب هو ضرب هذا الشريان الذي ساهم في صمود الناس من مرضى وأطفال ومسنين وحوامل.
لماذا يريد الكيان الإسرائيلي تصفية الأونروا؟
ترى حكومة الاحتلال أن الأونروا تساهم في إدامة قضية اللاجئين، بل تضخيمها مع زيادة عدد اللاجئين المسجلين بها من 700 ألف شخص في عام 1948 إلى 5.5 ملايين شخص حاليا نظرا لمنح أبناء وأحفاد اللاجئين في عام 1948 صفة اللاجئ.
وتعتبر تل أبيب أن عودة اللاجئين تمثل تهديدا ديموغرافيا للأغلبية اليهودية في "إسرائيل"، وبالتالي فهي قضية غير قابلة للحل في أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين، ولذا تدفع باتجاه دمج اللاجئين في أماكن إقامتهم؛ وبالأخص في دول الجوار، ولتحقيق ذلك، قدمت دراسة مطولة عام 2020 نشرها معهد الأمن القومي في كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ 4 بدائل في مقدمتها تفكيك الأونروا ونقل ميزانيتها إلى حكومات الدول المضيفة للاجئين. واقترحت الدراسة التي صدرت بعنوان "70 عاما للأونروا: حان الوقت للإصلاحات الهيكلية والوظيفية" نقل صلاحيات الوكالة وميزانيتها وجميع ما يخصها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويتركز عمل المفوضية على نقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول على حق الإقامة الدائمة والتجنس، وهو ما سيقود إلى سحب صفة اللاجئ من اللاجئين الفلسطينيين في حال تجنسهم بجنسية دول أخرى.
ويأتي التضييق على الأونروا في سياق جهود تفكيك قضية اللاجئين تمهيدا للدفع باتجاه مفاوضات غير متوازنة تضغط على الفلسطينيين عبر وضعهم بين خيار القتل والتهجير أو القبول بدولة مشوهة مجردة من السلاح والسيادة، وتتنازل عن حق العودة لتفقد أحد أبرز مقومات القوة الديمغرافية.
وفي حربها الأخيرة على غزة أثارت الوكالة غضب كيان الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير وتدهورت العلاقة بين الجانبين، إذ قالت الوكالة في أكثر من مرة إن قوات كيان الاحتلال تستهدف أهدافا مدنية، بما في ذلك مدارسها ومراكز الإسعاف، وكانت محكمة العدل الدولية، قد أخذت في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد كيان الاحتلال الاسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تقارير وكالة الأونروا حول معاناة الفلسطينيين؛ حيث أشارت المحكمة لتقرير الأونروا الذي قالت فيه إن "القصف مستمر على غزة وتسبب بنزوح كبير للسكان وأجبروا على مغادرة منازلهم إلى أماكن ليست أكثر أمنا وتضرر أكثر من مليوني شخص وسيتضررون نفسيا وبدنيا والأطفال مرعوبون"، وكانت تقارير الوكالة تملك مصداقية كبرى عن الحديث عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في غزة، وهو ما أثار حفيظة كيان الاحتلال وجعلها أكثر رغبة في التخلص من الوكالة ودورها.