الوقت– حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا خلق "غموض استراتيجي" من خلال طرحه صراحة فكرة إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، لكن كلماته كانت غامضة لدرجة أنها أربكت وأثارت غضب بعض حلفاء فرنسا في حلف شمال الأطلسي.
تسببت التصريحات الجديدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحفي بعد استضافته اجتماعًا للزعماء الغربيين بشأن أوكرانيا في أن يُعرف ماكرون مرة أخرى بأنه كاسر للمحظورات، ومساء الإثنين، لم يستبعد ماكرون إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا للقتال، ومن الناحية العملية، تعني تصريحاته أنه سيمهد الطريق لمزيد من التدخل المباشر للغرب في حرب أوكرانيا، وسيقرر الغرب إرسال قوات إلى أوكرانيا في إطار حلف شمال الأطلسي.
لكن في المقابل، لم تلق تصريحات ماكرون هذه استحسانا بين حلفاء باريس، ورفض زعماء ألمانيا والسويد وحتى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، وفي الواقع، أظهرت تصريحات ماكرون بطريقة أو بأخرى ضعف التحالف الغربي ضد أوكرانيا، وأثبتت أن الدول الأعضاء في الناتو ليس لديها الإجراء نفسه تجاه الحرب في أوكرانيا، فمن ناحية، تؤيد دول مثل فرنسا إرسال قوات إلى أوكرانيا، ومن ناحية أخرى، تعارض دول مثل ألمانيا هذا الاقتراح، كما أعلن البيت الأبيض أنه لن يرسل قوات إلى أوكرانيا، وسرعان ما رفضت إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا وجمهورية التشيك إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا.
التراجع الفرنسي
لاقت تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا ردود فعل جدية من روسيا، وقال الكرملين إن إرسال قوات حلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا من شأنه أن يزيد من خطر نشوب صراع مباشر بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، وحتى الحديث عن المواجهة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي يظهر أن التوترات بين الجانبين أصبحت أكثر خطورة.
بعد مرور 32 عاماً على سقوط الاتحاد السوفييتي، يتصارع الغرب والشرق مع بعضهما البعض في واحدة من أخطر التوترات بينهما في العقود الأخيرة، ولم تتمكن القوى الغربية، على عكس بعض الادعاءات الأولية، من فعل الكثير من أجل تحقيق السلام في أوكرانيا.
كما أعلن ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، أنه إذا تم إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، فإن الصراع المباشر بين الناتو وروسيا لن يكون احتمالاً بل لا مفر منه.
وبعد موقف موسكو وتحذيرها من إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، حاول المسؤولون الفرنسيون تصحيح وتغيير كلام رئيس هذا البلد، وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني للمشرعين في برلمان البلاد إن ما يعنيه ماكرون بإرسال قوات انتشار عسكري إلى أوكرانيا هو لإزالة الألغام، والدفاع السيبراني، وإنتاج الأسلحة والتدريب عليها، وأظهر هذا الموقف الفرنسي أن باريس تحاول التراجع عن تصريحات ماكرون.
التوتر الفرنسي في أوروبا الغربية
وتهدد تعليقات ماكرون أيضًا بتصعيد التوترات بين فرنسا وألمانيا، وهما دولتان تشكل علاقاتهما جوهر التعاون السياسي الأوروبي، ويبدو أن باريس تشجع برلين على إرسال أسلحة هجومية إلى أوكرانيا، لكن برلين ليست على استعداد تام لمتابعة أهداف باريس، وخلف الكواليس، حتى المسؤولون الألمان اتهموا فرنسا بعدم إرسال مساعدات عسكرية كافية لأوكرانيا في الأسابيع الأخيرة، وقال مسؤول غربي لرويترز أيضا إن ماكرون عطل النظام الداخلي لحلف شمال الأطلسي وأثار خلافا بين أعضاء الناتو.
بل إن المسؤول الغربي قال إن المواقف الفرنسية قد تؤدي إلى تعقيد وعرقلة مشروع قانون المساعدات الأمريكية لأوكرانيا في الكونجرس، والذي يبلغ حوالي 60 مليار دولار، وقال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي إن تصريحات ماكرون كانت نتيجة "الغموض بين الحلفاء".
استقبال فكرة ماكرون في أوروبا الشرقية
وعلى عكس الاعتراضات التي أثيرت في دول أوروبا الغربية مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، بشأن إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، فقد تم الترحيب في أوروبا الشرقية باقتراح ماكرون بإرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، وأيد موقع "سويس إنفو" نقلا عن بعض المسؤولين في أوروبا الشرقية فكرة إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، وشددوا على أنه يتعين على الغرب توضيح حساباته وخطوطه الحمراء لبوتين حتى لا يعني تصوراً لروسيا بأن موقف الغرب ضعيف، وقال غابرييليوس لاندسبيرجيس، وزير خارجية ليتوانيا: "إن مبادرة باريس لإرسال قوات إلى أوكرانيا تستحق التحقيق"، كما قال أحد الدبلوماسيين من أوروبا الشرقية: "أعتقد أن ما قاله (ماكرون) مفيد وسيتقبله الرأي العام على الفور".
ويعود قبول أوروبا الشرقية إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا إلى الخوف التاريخي الذي تشعر به دول أوروبا الشرقية من روسيا تاريخياً، حيث تشعر دول أوروبا الشرقية بالقلق من تكرار سيناريو أوكرانيا في دول أوروبا الشرقية الأخرى بسبب قربها من روسيا، وبالتالي تدعم دول أوروبا الشرقية التحرك القوي لأوروبا وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا.
الخيارات على الطاولة
ورغم أن فرنسا حاولت تنويع خيارات الغرب ضد روسيا من خلال اقتراح إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، إلا أن انسحاب أعضاء رئيسيين آخرين في حلف شمال الأطلسي مثل بريطانيا وألمانيا من خيار إرسال قوات إلى أوكرانيا أظهر أن يد الغرب ضد روسيا في أوكرانيا ليست حرة.