الوقت- منذ بداية الحرب في غزة، شهدت العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني برودة أكثر، إلا أن تهديدات حكومة نتنياهو المتطرفة بمهاجمة مدينة رفح والسيطرة على الحدود بين مصر وغزة، أي محور فيلادلفيا، أدت إلى زيادة حرارة هذه الأزمة، حيث وصل الوضع الدبلوماسي إلى نقطة الغليان، وترددت خلال الأيام القليلة الماضية تقارير مختلفة عن تهديدات عسكرية وسياسية من القاهرة ضد مغامرة تل أبيب الجديدة في غزة.
أولاً، نشرت القاهرة في الأيام الماضية ما لا يقل عن 40 دبابة ومركبة مدرعة على الحدود.
وفي الوقت نفسه الذي كان فيه التهديد العسكري، لم تكن التهديدات اللفظية للمصريين قليلة، وفي السياق نفسه، قال السفير عزت سعد، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري وعضو مجلس الشؤون الخارجية المصري، الأسبوع الماضي: إن "تهديد مصر بتعليق معاهدة السلام حقيقي وخطير".
وأضاف في مقابلة مع سبوتنيك: "إذا أصرت إسرائيل على إفراغ معاهدة السلام من مضمونها فإن القيادة المصرية جادة في اتخاذ أي قرار".
كما أكد محمد الرازي، سكرتير لجنة الدفاع والأمن الوطني في البرلمان المصري، في مقابلة مع سبوتنيك: الحكومة المصرية متمسكة باتفاقية السلام مع "إسرائيل"، لكن إذا كان هناك انتهاك من الجانب الآخر فيعتبر انتهاكا للاتفاق الدولي ويعرض للخطر".
وقال حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق: إن بيان وزارة الخارجية المصرية يؤكد أن مصر ترسل رسائل واضحة لـ"إسرائيل" والجانب الغربي، وخاصة الجانب الأمريكي، بأن مصالح مصر والأمن القومي مع الاهتمام بالتطورات الجارية يقترب من نقطة الخطر، وهذا يعني أن "إسرائيل" يجب أن تتحمل المسؤولية عن العواقب الخطيرة التي ستترتب على ذلك.
كما أفادت وكالة الأنباء الأمريكية أسوشيتد برس، نقلاً عن مصادر، بأن القاهرة هددت بتعليق معاهدة كامب ديفيد للسلام إذا تم إرسال قوات إسرائيلية إلى رفح.
من ناحية أخرى، ذكرت صحيفتا نيويورك تايمز وول ستريت جورنال الأمريكيتان في تقريرين يوم السبت الماضي أن مسؤولين مصريين حذروا "إسرائيل" من إمكانية تعليق معاهدة السلام بين البلدين إذا هاجمت القوات الإسرائيلية رفح.
وهي قضية تثير العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، في ظل إصرار السلطات الصهيونية على أن عملية رفح مؤكدة.
ماذا تقول الاتفاقيات؟
وقد أعلنت مصر صراحة أنها تعتبر الحدود خطا أحمر لها، وتعتبر أي إجراء تقوم به تل أبيب انتهاكا لاتفاقيات ومعاهدات السلام.
وقبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت سلطات الحدود المصرية وحركة حماس تراقب محور "فيلادلفيا"، لكن فكرة عودة القوات الإسرائيلية إلى الحدود دقت في الأسابيع الأخيرة أجراس الإنذار في القاهرة.
ويرى المصريون أن ما تفعله "إسرائيل" الآن يشكل انتهاكاً لمعاهدة السلام الثنائية لعام 1979 وملحقاتها في بروتوكول 2005 المتعلق بمحور فيلادلفيا.
تقسيم شبه جزيرة سيناء ومحور فيلادلفيا على أساس اتفاقية كامب ديفيد
بدأت عملية تقسيم وتحديد حدود قطاع غزة ومصر بعد توقيع "معاهدة السلام" في كامب ديفيد عام 1979، والتي بموجبها أُطلق على "المنطقة العازلة" على طول الحدود اسم "محور فيلادلفيا"، "محور صلاح الدين" أو "المنطقة العازلة" على طول الحدود من البحر الأبيض المتوسط ويمتد حتى معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة ويبلغ طوله 14 كيلومترا.
كما قسمت هذه الاتفاقية شبه جزيرة سيناء إلى 3 مناطق، وتم الاتفاق على نشر مستوى وحد معين من الأسلحة العسكرية من الجانبين في كل منطقة.
المنطقة الأولى أو "أ" تقع على حدود خليج السويس غرب سيناء، والمنطقة الثانية "ب" وسط سيناء، والمنطقة الثالثة والأخيرة هي "ج"، وتقع في شرق سيناء على طول الشريط الحدودي مع غزة، وبموجب اتفاق السلام، يقتصر الوجود الأمني المصري في المنطقة (ج) على قوة شرطة واحدة.
كما سمح الاتفاق لقوة "محدودة" من الشرطة الإسرائيلية بمراقبة الحدود في المنطقة "د"، التي تقع داخل قطاع غزة، وحتى عام 2005، عندما انسحب الصهاينة من غزة، كان معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني إلى الحدود تحت سيطرة الصهاينة.
وحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن "اتفاقية فيلادلفيا" من دون تعديل أو تنقيح تخضع لأحكام معاهدة السلام لعام 1979، لكن حسب مادتها الرابعة "إجراءات أمنية إضافية"، وذلك لتعزيز الترتيبات الأمنية الواردة في الملحق الأمني، والذي يسمح بدلا من الشرطة بتواجد قوة من حرس الحدود المصرية مكونة من 750 جنديا، تحمل أسلحة خفيفة على طول المحور والمنطقة الحدودية، مع متخصصين في مكافحة الإرهاب والاختراق عبر الحدود ومنع عمليات التهريب.
في ذلك الوقت، كان هدف "إسرائيل" من خلال التوقيع على "اتفاقية فيلادلفيا" هو ضمان أمن الحدود وضمان عدم استخدامها في أنشطة عسكرية من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة.
ولاحقاً، ومن خلال الاتفاقية المعروفة باسم "اتفاقية التنقل والعبور" المعروفة باسم AMA، والتي تم توقيعها بين السلطة الفلسطينية ومصر في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، تم تسليم الإشراف على معبر رفح الحدودي البري إلى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق السلام الشامل بإشراف الاتحاد الأوروبي.
لكن بعد نحو شهرين فقط من تنفيذ "اتفاق فيلادلفيا"، تغير الوضع السياسي والأمني في قطاع غزة، وخضعت رفح فعلياً لسيطرة قوات حماس بعد فوز حماس في الانتخابات البرلمانية عام 2006.
ويرى اللواء السيد الجبري الخبير العسكري المصري، في حديث لموقع الحرة، أن "تل أبيب تقوم على ثلاث اتفاقيات مع مصر، هي: 1- معاهدة كامب ديفيد، 2- معاهدة السلام، و3" - معاهدة العبور، السماح بتكثيف الوجود العسكري على حدود رفح وعدم السيطرة عليها، ولا يمكن لـ"إسرائيل" أن يكون لديها أكثر من 4000 جندي إسرائيلي في المنطقة د، بأسلحة مشاة خفيفة فقط، دون وجود مدرعات أو مدفعية أو العمليات الجوية في المنطقة.
وحسب هذا الخبير العسكري، فإن أي دخول "لقوات مدرعة أو مدفعية أو طائرات إلى المنطقة" يعد انتهاكًا واضحًا لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ومعاهدة كامب ديفيد ومعاهدة المرور.
ويرى أنه "في هذا الوضع من حق مصر أن تتخذ كل الإجراءات لحماية الأمن القومي المصري".
لماذا تشعر مصر بالقلق والغضب؟
ومن المؤكد أن جزءاً كبيراً من مخاوف مصر بشأن تغير الوضع الأمني في قطاع رفح يعود إلى فهم القاهرة لنوايا "إسرائيل" تنفيذ عمليات عسكرية في رفح.
وفي ظاهر الأمر يعلن الصهاينة أن معبر رفح، رغم الآليات والبروتوكولات الأمنية المشددة، لا يزال أهم منفذ للتواصل بين حماس وخارج غزة وتوفير الإمدادات والمعدات الحربية من خلال حفر عدة أنفاق تحت هذا المحور.
وفي هذا الصدد، أعلنت قناة "آي 24" الإخبارية الإسرائيلية، نقلا عن خبراء عسكريين صهاينة، أن تحرك الجيش الصهيوني باتجاه "محور فيلادلفيا" يهدف إلى فصل قطاع غزة عن صحراء سيناء المصرية.
كما أكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي أن تل أبيب ستنشئ مواقع عسكرية في الموقع وأن قواتها ستكون متواجدة إلى جانب القوات المصرية على طول محور فيلادلفيا لسنوات قادمة لضمان عدم حدوث أي عمليات تهريب عبر النفق.
كما أعلنت إذاعة الجيش الصهيوني عن خطة لإنشاء جدار تحت الأرض مضاد للأنفاق على غرار الجدار العازل على حدود قطاع غزة والمستوطنات المحتلة.
في هذه الأثناء، بالإضافة إلى اعتراف وسائل الإعلام الصهيونية بأن الكيان يحاول السيطرة على الشريط الحدودي، فإن القضية الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمصريين هي خطط الصهاينة وراء الكواليس ولكن الواضحة تمامًا لنقل السكان المهاجرين، في مدينة رفح إلى صحراء سيناء.
والحقيقة أن القاهرة ترفض تصريحات وتلميحات الكيان الصهيوني بالسيطرة على ممر فيلادلفيا بحجة تدمير أنفاق حماس واجتياح منطقة رفح، وتحذر من مغبة محاولة نقل الفلسطينيين إلى سيناء.
خطة نقل سكان غزة إلى سيناء في وثيقة "إسرائيل" الرسمية.. ما الأمر؟
ومن الحالات التي أكدت النظرة التشاؤمية للسلطات المصرية في الأيام الأخيرة، الكشف عن وثيقة حكومية رسمية من قبل الصهاينة، دعت إلى إجلاء الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية، وأثارت هذه الوثيقة التي نشرت في 31 أكتوبر 2023، الكثير من الجدل، ما اضطر مجلس الوزراء الصهيوني إلى الرد عليها ورفضها.
واقترحت الوثيقة المسربة المذكورة من وزارة المخابرات نقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر ضمن ثلاثة خيارات للتعامل مع قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وتحتوي الوثيقة على 10 صفحات، وتاريخها 13 أكتوبر 2023، وتحمل شارة جهاز المخابرات الإسرائيلي الذي يرأسه الوزير من حزب الليكود جيلا جمليل.
وتوصي الوثيقة بسياسة تهجير المدنيين من غزة كنتيجة مرغوبة للحرب.
وتنقسم خطة الإخلاء القسري هذه إلى عدة مراحل: في المرحلة الأولى، "سيتم إخلاء قطاع غزة إلى الجنوب"، بينما ستركز الغارات الجوية على الجزء الشمالي من القطاع.
وفي المرحلة الثانية، سيبدأ الهجوم البري، الذي سيؤدي إلى الاحتلال من الشمال إلى الجنوب و"تطهير المخابئ تحت الأرض من مقاتلي حماس".
وحسب هذه الوثيقة، فإنه في نفس وقت احتلال غزة، انتقل سكان قطاع غزة إلى مصر ولن يسمح لهم بالعودة إلى هناك بشكل دائم.
وتقترح الوثيقة إطلاق حملة تهدف إلى الضغط على الفلسطينيين في غزة للموافقة على الخطة وإجبارهم على تسليم أراضيهم.
وقال البيان: "يجب أن تركز الرسائل على فقدان الأراضي، أي التأكيد بوضوح على أنه لا أمل في العودة إلى الأراضي التي ستحتلها إسرائيل في المستقبل القريب، سواء كان ذلك صحيحا أم لا، وينبغي أن يكون كذلك على هذا النحو: (قد كتب الله أنكم ستخسرون هذه الأرض بسبب قيادة حماس، وليس أمامكم إلا أن تذهبوا إلى مكان آخر بمساعدة إخوانكم المسلمين)".
وتدعو الوثيقة الحكومة الإسرائيلية إلى إطلاق حملة عامة في العالم الغربي للترويج لبرنامج التهجير "بشكل لا يحرض الرأي العام ضد إسرائيل أو يشوه صورتها" من خلال الادعاء بطرد الفلسطينيين من غزة.
وتقترح الوثيقة أيضًا إطلاق حملة عامة في دول مثل المملكة العربية السعودية والمغرب وليبيا وتونس لإرسال رسالة مفادها بأنهم سيساعدون إخوانهم الفلسطينيين، حتى لو كان ذلك على حساب إلقاء اللوم على "إسرائيل" أو إهانتها.
وتضيف الوثيقة: "الهجرة الجماعية للسكان من مناطق الحرب هي نتيجة طبيعية وضرورية، على غرار ما حدث في سوريا وأفغانستان وأوكرانيا".
وبعد أن أعلن موقع "ماكوميت" الإسرائيلي عن وجود الوثيقة، نشرت صحيفة "كالكاليست" الصهيونية وثيقة وزارة المخابرات الإسرائيلية كاملة يوم السبت الماضي، ثم نشرت الصحيفة تقريرا يوضح ارتباط الوثيقة بالقيادة وقالت إنها كانت حرباً.
وقد أدى نشر مثل هذه الأخبار، التي أثارت قلقا ومعارضة شديدة في مصر، إلى نشر تقارير أخرى في وسائل الإعلام الصهيونية حول خطط بديلة للهجرة القسرية إلى سيناء.
وحسب ما أوردته إذاعة الجيش الصهيوني، فإن تل أبيب لم تتخذ قرارا حتى الآن بإجلاء سكان غزة، لكن هناك خيارين مطروحين على الطاولة، الأول شمال قطاع غزة والخيار الثاني يتعلق بنقل سكان قطاع غزة إلى مدينة خانيونس؛ لأن هذا الخيار هو الخيار الأكثر واقعية نظرا لقرب هذه المدينة الجغرافي من رفح.
ويعني ذلك أن الكيان الصهيوني يسعى إلى تقليل قلق مصر ومعارضتها من مخاطر تهجير الفلسطينيين من خلال إجلاء المدنيين في رفح قبل بدء العمليات العسكرية.
لكن الجانب الآخر من القضية يكشف قلق الصهاينة العميق من تهديد القاهرة بالانسحاب من اتفاق السلام.
وحسب تقرير العرب، فإن طارق فهمي، رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة، يعتبر تهديد مصر بالانسحاب من اتفاق السلام بمثابة رسالة رادعة أثارت استياء الأوساط السياسية والأمنية في تل أبيب من فتح جبهة توتر مع الجيش المصري.
وحسب فهمي، هناك اعتقاد في تل أبيب بأن قطع الاتصالات الأمنية والاستخباراتية مع القاهرة هو كارثة لأنه إذا ألغت مصر الاتفاق، فقد يعني ذلك أن "إسرائيل" لم تعد قادرة على الاعتماد على أمن وسلامة حدودها الجنوبية.
وحسب هذا الخبير المصري، فإن اتفاق السلام يسمح للكيان الصهيوني بتركيز جيشه على التهديدات الموجهة إلى غزة وجبهات أخرى، هذا في حين أن الجيش الصهيوني منخرط حالياً في الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان والمقاومة المسلحة في الضفة الغربية بالإضافة إلى غزة.
ويظل طارق فهمي يعتقد أن "إسرائيل" ليست نتنياهو فقط وهناك عوامل أخرى لا ترافقه في الفوضى، وأمريكا نفسها تخشى التوتر مع القاهرة أيضا، لذا فإن العلاقات ستكون مهمة جدا في الأيام المقبلة، وبين مصر و"إسرائيل" إما أن يستمر التنسيق أو تقطع كل خطوط الاتصال، حسب طبيعة التحركات العسكرية في رفح.
وحسب جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، بعد تهديدات القاهرة، يبقى السؤال: هل ستدرك "إسرائيل" خطورة خسارة اتفاق السلام أم لا؟