الوقت - الولايات المتحدة الأمريكية، ودول رئيسية مانحة للأونروا، أعلنت تعليق تمويلها للمنظمة بعد اتهام كيان الاحتلال الإسرائيلي موظفين في الوكالة التابعة للأمم المتحدة بالضلوع في الهجوم الذي شنته حماس على الكيان في 7 أكتوبر.
تهمة الأونروا
تأسست وكالة الأونروا لمساعدة لاجئي حرب 1948 بعد إقامة كيان الاحتلال في فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني، وتقدم الأونروا، التي تأسست عام 1949، خدماتها لأكثر من 5.6 ملايين فلسطيني في الأراضي المحتلة، من بينها القدس، إضافة إلى اللاجئين في سوريا ولبنان والأردن، وتوظف نحو 13 ألفا في غزة.
درجت العادة على أن يتهم كيان الاحتلال وكالة الأونروا، بإدامة الصراع من خلال إفساد محاولات إعادة توطين اللاجئين، في ظل نفي الأونروا ارتكابها أي مخالفات، والتي تؤكد أن دورها يقتصر على الإغاثة.
اتهم كيان الاحتلال في ملف أعده جهاز مخابراته (الموساد) بعض موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالمشاركة في عمليات خطف وقتل خلال هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 .
وجاء في ملف الاتهام أنه من خلال معلومات المخابرات والوثائق وبطاقات الهوية التي وُجدت أثناء القتال أصبح من الممكن التعرف على نحو 190 من حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين يعملون في الأونروا.
واتهم الملف حماس "بنشر بنيتها التحتية الإرهابية بشكل ممنهج ومتعمد في مجموعة واسعة من منشآت وأصول الأمم المتحدة" ومنها المدارس، في ظل نفي حماس تلك الاتهامات.
كما كشف الملف "تصفية" القوات الإسرائيلية اثنين من مسلحي حماس المذكورين في صفحاته، ومن بين الرجال الاثني عشر أيضا مُعلم في الأونروا متهم بتسليح نفسه بصاروخ مضاد للدبابات، ومُعلم آخر متهم بتصوير رهينة، ومدير متجر في مدرسة تابعة للأونروا متهم بفتح غرفة قيادة حرب للجهاد الإسلامي".
هذه الاتهامات دفعت دولا عدة إلى وقف تمويلها للأونروا، التي تقول إنها فصلت بعض موظفيها على خلفية هذه الاتهامات وإنها تحقق فيها، فيما يتهم الفلسطينيون كيان الاحتلال بتزوير معلومات لتشويه الأونروا.
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية اتهم كيان الاحتلال بشن "هجوم سياسي مبيت" على الوكالة الدولية التي لطالما انتقدتها "إسرائيل"، ودعا إلى استئناف إرسال أموال المساعدات.
من جهته حضّ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على التحقيق في الاتّهامات، لكنّه لم يدعُ لوضع حد لعملها، معتبراً أن الاتهامات "مثيرة للقلق بدرجة كبيرة"، ومؤكدا أن الولايات المتحدة ستتابع عن كثب "للتأكد من إجراء تحقيق شامل ودقيق في هذا الأمر، ومن وجود مساءلة واضحة".
وأشار بلينكن إلى أن "الأونروا أدت ولا تزال تؤدي دورا لا غنى عنه على الإطلاق في الحرص على نيل رجال ونساء وأطفال في غزة مساعدة هم بأمس الحاجة إليها"، مؤكدا أنه "لا يمكن لأحد أن يلعب الدور الذي تضطلع به الأونروا، وبالتأكيد ليس في المدى القريب، لا أحد يمتلك القدرة أو البنية للقيام بما تقوم به الأونروا، ومن منظورنا، من المهم، بل أكثر من مهم، من الضروري أن يستمر هذا الدور، وهذا الأمر يؤكد ضرورة أن تتصدى الأونروا لهذه المسألة بأسرع وأدق ما يمكن".
إن تعليق تمويل الوكالة يشكل خطرا كبيرا على أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إذ يعتمدون للحصول على المساعدات يوميا على الأونروا، التي تعاني بشكل واضح من ضغوط شديدة بسبب الحرب التي يشنها كيان الاحتلال على القطاع.
وصرحت الأونروا مؤخرا أنها لن تكون قادرة على مواصلة عملياتها في غزة وفي جميع أنحاء المنطقة بعد نهاية فبراير/ شباط إذا لم يُستأنف التمويل.
الذرائع
انطلقت ادعاءات الولايات المتحدة وكيان الاحتلال بعد 24 ساعة فقط من تحذير محكمة العدل الدولية من أن سلوك الكيان في حرب غزة يهدد بارتكاب أعمال إبادة جماعية، إذ أمرت المحكمة الكيان الصهيوني “باتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية المعاكسة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة”.
مايراف زونسزين كبيرة محللي الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية تقول: إن “إسرائيل دأبت على بناء قضية ضد الأونروا منذ فترة طويلة وقالت قبل أسابيع إنها تريد خروجها التدريجي من غزة”، مضيفة إنه ”بغض النظر عن صحة التهمة، فإن قرار مسايرة هذه الأخبار يبدو وكأنه محاولة لصرف الانتباه عن حكم محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة”.
وتعاني الأونروا لجمع التمويل في السنوات الأخيرة، وزاد الأمر تعقيدا مع قرار الإدارة الأمريكية السابقة خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب في عام 2018 وقف تمويل واشنطن للوكالة قبل أن يعيده الرئيس الحالي جو بايدن، إذ إن الولايات المتحدة هي أكبر مموّل للوكالة، حيث بلغت قيمة تمويلها 340 مليون دولار في 2022 .
وانضمت إيطاليا وأستراليا وكندا وفرنسا لقائمة دول أعلنت تعليق تمويلها للوكالة وقد اختارت النرويج وأيرلندا نهجا أكثر توازنا، إذ قال ممثل النرويج لدى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إن “عشرات الآلاف من موظفي المنظمة في غزة والضفة الغربية والمنطقة يلعبون دورا حاسما في توزيع المساعدات وإنقاذ الأرواح وحماية الاحتياجات والحقوق الأساسية.. لا تعاقبوا أطفال غزة… هذا أمر متهور تماما”.
وأضاف جان إيجلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين “علينا أن نعاقب المذنبين، وليس معاقبة سكان غزة بشكل جماعي”.
إن متابعة وضع القطاع في ظل العدوان الإجرامي الذي قتل عشرات آلاف الفلسطينيين، واستهدف ودمر كل شيء، يبين لنا بوضوح الأهداف الإسرائيلية البعيدة والقريبة في كل ما تسعى إليه، فوجود منظمة إغاثية للمساعدة ليس أمراً يصب في خدمة أجندة الاحتلال ومخططاته، وقد تعرقله في الوصول إلى مآربه، لذا يسعى كيان الاحتلال إلى إبعاد هذه المنظمة ودورها في القطاع، وإن تحقق هذا الأمر فالكارثة الفلسطينية ستزداد عمقاً، وألماً، وهو ما قد يحقق الطموح الصهيوني الرئيس وهو" تهجير الفلسطينيين".