الوقت - بعد زيارات كبار مسؤولي دول المنطقة إلى طهران، جاء دور الهنود هذه المرة لتعزيز مستوى التعاون مع الجمهورية الإسلامية.
ولهذا الغرض، وصل وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار إلى طهران السبت الماضي، في زيارة تستغرق يومين للتشاور مع المسؤولين الإيرانيين.
وقال بيان الحكومة الهندية إن جايشانكار سيلتقي بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، لمناقشة القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية، ومن المقرر أن يلتقي وزير الخارجية الهندي أيضًا بالرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي خلال هذه الزيارة.
ورغم أن مصادر هندية ذكرت وجوده في طهران كرحلة مخطط لها مسبقاً، إلا أنه يبدو أن رحلة جايشانكار كانت غير متوقعة، وجاءت وفقاً للتطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط.
التعاون الاقتصادي الثنائي
إن التغيرات الأمنية والسياسية التي شهدها العالم خلال العامين الماضيين، دفعت الدول الرائدة في المجال الاقتصادي إلى التعاون الإقليمي.
القوى الناشئة في الشرق، والتي تعدّ نفسها لتصبح قوةً عظمى في النظام العالمي الجديد، تنظر إلى دور إيران ومكانتها كنقطة انطلاق في هذا الاتجاه، وتحاول توسيع علاقاتها مع طهران، ومن ناحية أخرى، كانت استراتيجية "التحول شرقاً" التي تتبناها الحكومة الإيرانية، سبباً في توفير العديد من عوامل الجذب للدول الآسيوية.
إن تطور العلاقات بين إيران والهند في السنوات الأخيرة، يدل على أن نيودلهي تحاول تعزيز علاقاتها مع إيران في كل المجالات، وكما أشارت بعض الصحف الهندية، فإن مسألة التعاون الاقتصادي الثنائي بين طهران ونيودلهي، هي أحد أهداف هذه الزيارة.
لقد عانت التبادلات التجارية بين إيران والهند كثيراً، بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2017، لكن وسائل الإعلام الهندية أعربت عن أملها في عودة هذا الوضع إلى الماضي.
قبل العقوبات الأمريكية، كانت الهند ثاني أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، وفي 2018-2019، بلغ إجمالي واردات الهند من إيران 13.52 مليار دولار، وبلغت الصادرات 3.51 مليارات دولار، لكن في حال استئناف شراء وبيع النفط، ستزداد التجارة بين البلدين.
في العقد الماضي، كانت الهند تتطلع إلى دخول خطوط السكك الحديدية الإيرانية إلى الأسواق الأوراسية، ولهذا الغرض، استثمرت في ميناء تشابهار لتسريع العملية التجارية مع إيران وجمهوريات آسيا الوسطى.
وفي عام 2015، توصلت الهند إلى اتفاق مع إيران بشأن تطوير ميناء تشابهار، وإنشاء خط للسكك الحديدية يربط الهند بأفغانستان، وفي عام 2016، وقّع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اتفاقية استثمار بقيمة 500 مليون دولار مع طهران، لتطوير تشابهار خلال زيارته لإيران.
وفي وقت سابق، اقترح وزير الخارجية الهندي أن يقع ميناء تشابهار في ممر "الشمال-الجنوب" الدولي، من أجل توفير وصول آمن ودون عوائق إلى البحر لدول آسيا الوسطى، كما رحّب بخطة مجموعة العمل المكونة من الهند وإيران وأفغانستان وأوزبكستان، للاستخدام المشترك لميناء تشابهار.
وكان وزير الخارجية الهندي قد قال في وقت سابق: "عبر ميناء تشابهار لن تصل الهند إلى آسيا الوسطى فحسب، بل هناك احتمال أن تصل أيضاً إلى روسيا، وسنصل إلى روسيا عبر شمال إيران، واليوم، تعدّ كيفية إنشاء طرق الاتصال أمرًا مهمًا جدًا للدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية".
ورغم أن الهنود لم يفعلوا الكثير لتطوير التجارة عبر ميناء تشابهار تحت تأثير العقوبات الأمريكية، لكن استثمار نيودلهي في هذا الميناء الاستراتيجي، إلى جانب المساعدة في النمو الاقتصادي والازدهار في إيران، يعمل أيضًا على تسريع عملية التجارة الإقليمية مع دول آسيا الوسطى.
وعلى الرغم من بعض القيود الخارجية، فإن مسار التفاعلات الثنائية آخذ في التوسع، كما تسارع تطور التجارة مع الهند إلى حد ما في ظل الحكومة الإيرانية الحالية.
وفي يونيو، قال رئيس منظمة تنمية التجارة الإيرانية، إن العلاقات التجارية بين طهران ودلهي ستصل إلى 5 مليارات دولار في عام 2022، وأضاف إن "تعريفة استيراد بعض المنتجات إلى الهند صفر بالنسبة لبعض الدول، ما دفع هذه الدول إلى شراء المنتجات الإيرانية وتصديرها إلى الهند باسمها الخاص".
وأشار إلى أن الهند هي إحدى أولويات إيران في إقامة العلاقات التجارية، وتابع: "ولذلك، فإن توجه منظمة تنمية التجارة فيما يتعلق بتطوير العلاقات التجارية مع هذا البلد، هو زيادة تصدير المجموعات السلعية، والتركيز على تصدير الخدمات الفنية والهندسية".
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت وزارة التجارة والصناعة الهندية عن حجم تجارة بقيمة مليار دولار بين هذا البلد وإيران في النصف الأول من عام 2023، وأعلنت أن "صادرات إيران إلى الهند نمت بنسبة خمسة بالمئة في هذه الفترة".
وسبق أن قال هادي طالبيان مقدم، المدير العام لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية في شبه القارة الهندية: "من المتوقع أن يرتفع حجم التجارة بين إيران والهند بنسبة تتراوح بين 18 و20 بالمئة في نهاية عام 2023، وإذا استمر هذا الاتجاه فسيتجاوز 7 مليارات دولار في نهاية عام 2024".
وأضاف طالبيان مقدم: "في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، بلغت صادرات بلادنا إلى الهند 845 مليون دولار، والواردات 813 مليون دولار، ما يدل على ميزان تجاري إيجابي يزيد على 30 مليون دولار".
وبالإضافة إلى التعاون التجاري الثنائي، اتخذت الهند وإيران خطوات فعالة لتطوير التجارة مع بعض دول المنطقة، وفي شهر مايو من هذا العام، وفي اجتماع ثلاثي مع المسؤولين الإيرانيين والأرمنيين، اتفق المسؤولون الهنود على بناء ممر السكك الحديدية من المحيط الهندي إلى البحر الأسود، من أجل تطوير طرقهم التجارية في المستقبل.
وتعتبر الهند من الدول الناشئة في المجال الاقتصادي، ولكي تتفوق على منافستها الصينية، تحاول تطوير ممرات السكك الحديدية مع دول المنطقة، وتعزيز العملية التجارية مع مناطق أخرى بما فيها أوروبا.
إن التعاون بين طهران ونيودلهي في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية ليس بالأمر الجديد، ويعتبر الجانبان شريكين استراتيجيين في العديد من القضايا الإقليمية، على أساس مصالحهما المشتركة.
کذلك، فإن عضوية الهند وإيران في منظمة شنغهاي للتعاون، فعالة أيضًا في تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية ومتعددة الأطراف، ويمكن للجانبين تحسين علاقاتهما في إطار هذه المنظمة، ويكونا مؤثرين في تطوير العلاقات التجارية في المنطقة.
كما أن البلدين عضوان في مجموعة البريكس، التي خطت خطوات كبيرة لتطوير العلاقات بين أعضائها، ويمكن للهند وإيران أن تلعبا دوراً فعالاً في هذه المجموعة الاقتصادية، نظراً لموقعهما المهم في مجال الطاقة والاقتصاد في العالم.
وتعدّ القضية الأمنية لأفغانستان إحدى القضايا المشتركة بين البلدين، اللذين عقدا عدة اجتماعات خلال العامين الماضيين، لإعادة الاستقرار والأمن إلى هذا البلد الجار، حتى يتمكنوا من التعامل مع التهديدات الإرهابية القادمة من أفغانستان، من خلال التعاون الإقليمي.
لأنه ما دامت هناك تهديدات إرهابية وانعدام الأمن في أفغانستان، فإن التجارة والأمن في المنطقة سيواجهان تحدياً خطيراً، وهذا أمر بالغ الخطورة بالنسبة للهنود الذين يسعون إلى تحسين وضعهم على الساحة الدولية.
رسالة الغرب لخفض التوتر في البحر الأحمر
إلى جانب تعميق التعاون الاقتصادي، ترتبط زيارة وزير الخارجية الهندي إلى طهران أيضاً بالتوتر في البحر الأحمر، ما يهدد أمن الملاحة في هذه المنطقة.
لقد عانت نيودلهي، التي تنقل جزءاً كبيراً من تجارتها البحرية من البحر الأحمر عبر قناة السويس إلى الطرق الإفريقية والأوروبية، أكثر من غيرها من التوترات الأمنية في البحر الأحمر، ولذلك، تخطط بمساعدة طهران لإعادة الاستقرار والأمن إلى هذه المنطقة، لضمان سلامة سفنها في هذه المنطقة البحرية.
وقال حسن هاني زاده، الخبير في القضايا الدولية، عن أهداف زيارة وزير الخارجية الهندي إلى طهران في حديث مع "الوقت": "نظراً للأوضاع السائدة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، يبدو أن وزير الخارجية الهندي يحمل رسالةً من أمريكا وبريطانيا إلى إيران، تربط هذه المنطقة الإستراتيجية في الواقع عدة قارات، وتعتبر مركز الثقل التجاري العالمي".
وأضاف: "ولذلك، فإن البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، لهم أهمية كبيرة لكل من دول شرق وغرب آسيا والدول الغربية، من حيث الملاحة والتجارة والطاقة، وما حدث مؤخراً في اليمن في إطار عملية أنصار الله لخلق الردع ومساعدة أهل غزة، فمن الطبيعي أن يغير أوضاع المنطقة".
وذكر هاني زاده أن التصرف الخاطئ للولايات المتحدة وبريطانيا في مهاجمة اليمن، جعل التطورات في البحر الأحمر أكثر تعقيدًا، وقال: "إذا استمر هذا الوضع من انعدام الأمن، فإن الشحن في البحر الأحمر سيواجه تحديًا وأزمةً خطيرةً، ولهذا السبب، هناك سلسلة من المخاوف، وقد أدركت أمريكا وبريطانيا أخطاءهما، وطلبتا من الهند التوسط وتوفير الظروف لإيران لاستخدام نفوذها لخفض التوتر في المنطقة."
وتابع: "ولذلك، فإن هذه الرحلة مهمة، وستكون قضايا المنطقة وأزمة غزة والبحر الأحمر، المحور الرئيسي في اللقاء بين المسؤولين الهنود والإيرانيين".
كما أشار هاني زاده إلى الدور الفعال لإيران والهند في إرساء الاستقرار والأمن في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وأكد: "لدى إيران سياسة واضحة فيما يتعلق بأزمة غزة، وهي إنهاء قتل الفلسطينيين وانسحاب الکيان الصهيوني من هذه المنطقة، وعودة السكان إلى منازلهم، وكذلك منع أمريكا والکيان الإسرائيلي من المغامرة في المنطقة".
وأضاف: "إذا تم تنفيذ هذه العناصر وتوقف القصف على أهل غزة، وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن مشاكل المنطقة ستحل إلى حد كبير، لكن لا يبدو أن مثل هذا النهج موجود في الوقت الحالي، إضافةً إلى ذلك، تسعى الهند إلى توسيع مستوى علاقاتها مع دول المنطقة، كما أن سياستها تجاه الصراع الفلسطيني غير واضحة".
وختم قائلاً: "فهي من ناحية تدعم الکيان الصهيوني، ومن ناحية أخرى، تتوقع أن تشهد المنطقة استقراراً وسلاماً، وهذه السياسات متضاربة، وبالتالي، يجب على الهند أن تلعب دوراً أكثر إيجابيةً في حل الصراعات الإقليمية، كما أن توسيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، لا يمكن أن يحسن موقع نيودلهي في المنطقة".