الوقت- على الرغم من سقوط أكثر من 23 ألف شهيد في غزة الجريحة حتى اليوم إلا أن الغرب المجرد من إنسانيته وعلى رأسه ألمانيا جاء اليوم ليدعم الإبادة الجماعية التي ينفذها كيان الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من إجماع فقهاء القانون الدولي على أن ما يحدث في غزة هو من أفظع عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي عبر التاريخ وأن كيان الاحتلال الاسرائيلي يكرر المحرقة النازية مع الفلسطينيين اليوم.
وعلى النقيض من عمليات الإبادة الجماعية السابقة التي ارتكبها الاستعمار الاستيطاني الأوروبي، فإن الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة هذه الأيام يتم بثها مباشرة ويشهدها الجميع، هذا هو الشيء الوحيد الذي تغير اليوم فلمَ الاستغراب!.
من الجدير بالذكر أنه ومنذ زمن طويل، أرست "إسرائيل" البنية التحتية المفاهيمية والعنصرية والمكانية للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، وخاصة طوال عقود "عملية أوسلو للسلام"، بدعم مباشر من الغرب، لكن منذ 7 أكتوبر تم تجاوز تلك العتبة عندما شرع كيان الاحتلال في تنفيذ "حالة إبادة جماعية نموذجية" وتطهير عرقي بحق 2.3 مليون شخص في غزة بدعم أوروبي، وهي عملية تتكشف أيضًا في الضفة الغربية.
لم يكن من المستغرب مواصلة الحكومة الألمانية التأكيد على دعمها الكامل لكيان الاحتلال الاسرائيلي في الحرب على غزة، ويمتد دعم برلين لتل أبيب إلى رفض محاسبة كيان الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية بناء على اتهام جنوب أفريقيا لتل أبيب بارتكاب أعمال إبادة جماعية في قطاع غزة، وقالت الحكومة الألمانية في بيان لها إنها "ترفض بشدّة وبصراحة اتهامات الإبادة الموجهة ضد كيان الاحتلال الاسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، وهذا الاتهام لا أساس له من الصحة، وكانت برلين قد تحركت بعد ساعات من "طوفان الأقصى" للتضييق الشديد على الفلسطينيين إنسانيا ودبلوماسيا، فقد أعلنت عن تعليق المساعدات للأراضي الفلسطينية.
وشهدت محكمة العدل الدولية في لاهاي جلسات استماع للنظر في القضية المرفوعة من طرف جنوب أفريقيا بشأن الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، واتهمت في الدعوى كيان الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم إبادة جماعية بما يتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي وقّعت عليها جنوب أفريقيا و"إسرائيل".
انتقادات للنازية الألمانية بشكلها الجديد
أثبتت ألمانيا اليوم أن النازية متأصلة فيها وبشكل خاص بعد أن أعلنت أنها ستتدخل كطرف ثالث أمام محكمة العدل لدعم كيان الاحتلال الاسرائيلي في قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضدها، الأمر الذي أثار انتقاد ناميبيا التي ذكرت العالم بما وصفته بـ"أول إبادة جماعية" في القرن الـ20 والتي ارتكبتها ألمانيا على الأراضي الناميبية بين عامي 1904و 1908، و"راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناميبيين الأبرياء في ظروف لا إنسانية ووحشية".
وقالت إن الحكومة الألمانية لم تقم بالتكفير الكامل بعد عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها على الأراضي الناميبية.
واستنكرت ناميبيا تجاهل ألمانيا لأعداد الشهداء في غزّة والمضي في دعم الاحتلال وعملياته العسكرية التي أودت بحياة أكثر من 23 ألف فلسطيني في غزة، كما تجاهلت مختلف تقارير الأمم المتحدة التي تسلط الضوء على النزوح الداخلي لنحو 85% من المدنيين في غزة وسط نقص حاد في الغذاء والخدمات الأساسية.
وكررت الرئاسة الناميبية دعوة الرئيس حاجي جينجوب التي أطلقها في نهاية الشهر الماضي قائلا إنه "لا يمكن لأي إنسان محب للسلام أن يتجاهل المذبحة التي ارتكبت ضد الفلسطينيين في غزة".
ناشد جينجوب الحكومة الألمانية لتعيد النظر في قرارها غير المناسب بالتدخل كطرف ثالث للدفاع عن أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ودعمها أمام محكمة العدل الدولية.
إجماع فقهاء القانون الدولي على وقوع جريمة إبادة جماعية في غزة
ويأتي الدعم الألماني المطلق لجريمة الإبادة الجماعية التي يقترفها الكيان على الرغم من إجماع فقهاء القانون الدولي وخبراء الأمم المتحدة على أن ما يحدث في قطاع غزة يمثل جريمة "إبادة جماعية" ينبغي أن يكون نقطة فاصلة من أجل محاسبة هذا الكيان.
وقال الأورومتوسطي إن حصار "إسرائيل" المستمر على غزة منذ عام 2006 مثل مقدمة لجريمة الإبادة الجماعية بوتيرة بطيئة، مدعومًا على مدار السنوات الماضية بالتحريض على ارتكاب جرائم بشعة، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي.
وأضاف إن حرب كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 التي راح ضحيتها أكثر من 23 ألفًا بين شهيد ومفقود تحت الأنقاض حتى الآن لم يسبق لها مثيل من حيث النطاق والشدة من ناحية الهجمات الجوية والمدفعية العشوائية من القوات الإسرائيلية.
كما قامت قوات الاحتلال بمسح أسر فلسطينية ودمرت وسوت أحياء سكنية بالكامل في هجوم تدميري صريح ووحشي، فضلًا عن ممارسة التهجير القسري لإخلاء الأهالي في مدينة غزة وشمالها لمناطق سكنهم دون توفير ملجأ آمن لهم، واستهداف المئات منهم في طريقهم إلى أماكن النزوح و مراكز الإيواء.
ويشير خبراء القانون الدولي إلى أن منع كيان الاحتلال الإسرائيلي الإمدادات الأساسية عن أكثر من 2.3 مليون شخص في قطاع غزة بما يشمل الطعام والماء والكهرباء والأدوية والوقود ما تسبب بشكل مباشر في أزمة إنسانية حادة وتعريض السكان للمجاعة بشكل متعمد، يمثل جريمة ضد الإنسانية، ويرتقي إلى جريمة تطهير عرقي تحت غطاء الحرب.
وقد أكد خبراء في الأمم المتحدة ، من بينهم المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة "فرانشيسكا ألبانيز" في بيان مشترك صدر في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري أن الشعب الفلسطيني "معرض لخطر الإبادة الجماعية"، وأن "حلفاء إسرائيل يتحملون أيضًا المسؤولية ويجب عليهم التصرف حالًا لمنع نتائج مسار عملها الكارثي".
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن "إسرائيل" انتهكت بلا هوادة الاتفاقية الدولية لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية عبر الاستهداف الجماعي لسكان قطاع غزة لكونهم فلسطينيون بما في ذلك نهج القتل والإيذاء الجسدي والعقلي وتقويض أساسيات الظروف المعيشية للبقاء على قيد الحياة.
وتنص المادة الأولى من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية على أن: "الأطراف المتعاقدة تؤكد أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو في زمن الحرب، هي جريمة بموجب القانون الدولي يلتزمون بمنعها ومعاقبتها".
فيما تنص المادة الثانية من الاتفاقية على أن "الإبادة الجماعية تعني أيًا من أفعال القتل الجماعي، والتسبب بالأذى الجسدي أو العقلي المرتكبة بنية تدمير جزئي أو كلي لمجموعة قومية أو عرقية أو عرقية أو دينية، وهي جريمة محظورة بموجب القانون الدولي.
وقد أكدت محكمة العدل الدولية أن منع الإبادة الجماعية هو قاعدة قانونية ملزمة لا يسمح بأي استثناء عنها، وأن الأفراد الذين يحاولون الإبادة الجماعية أو يحرضون عليها "يجب أن يعاقبوا، سواء كانوا حكامًا مسؤولين دستوريًا أو مسؤولين حكوميين أو أفرادًا خاصين".
ولدى كيان الاحتلال الصهيوني تاريخ طويل من ممارسة أشكال الإبادة ضد الشعب الفلسطيني مثل القتل والتهجير الجماعي في عام 1948 والاحتلال العسكري منذ أكثر من نصف قرن، وصولًا إلى فرض نظام التمييز العنصري الذي يحكم الفلسطينيين، والهجمات العسكرية المتكررة على قطاع غزة، وصولًا إلى الحرب الجارية بوتيرة عنف هي الأشد على الإطلاق في تاريخ الحروب الإسرائيلية.
على الرغم من كل ذلك تقف ألمانيا لتدعم هذه الإبادة الجماعية غير مبالية بالقانون الدولي و لا حتى الإنسانية وكان من أبرز أشكال الدعم الذي قدمته أوروبا لإنجاح عملية الإبادة الجماعية بيد صهيونية يتمثل باختصار فيما يلي:
غطاء دبلوماسي وإعلامي للإبادة
بالإضافة إلى النوايا والقدرات العسكرية، تتطلب الإبادة الجماعية غطاء دبلوماسيًا وقائيًا وإعلاميًا/دعائيًا، وهو ما قررت أوروبا، بجانب الولايات المتحدة، توفيره لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أظهر الاتحاد الأوروبي لا مبالاة تقشعر لها الأبدان تجاه الجرائم المستمرة ضد الإنسانية في غزة، وامتنع عن إدانة هذه الجرائم، ناهيك عن وقفها، لأنها ارتكبت ضد "عرق أدنى" من جانب الكيان الإسرائيلي، وهي امتداد استعماري استيطاني لأوروبا.
وبعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الأعمال الوحشية المتواصلة، يواصل الاتحاد الأوروبي رفض الدعوات إلى وقف إطلاق النار لوقف الإبادة الجماعية المستمرة، فيما يرى النقاد أن وسائل الإعلام الغربية تميل إلى تأطير الصراع باعتباره ردَّ فعل على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع التركيز على المخاوف الأمنية الإسرائيلية وتهميش الأسباب الجذرية للصراع، فضلاً عن تجاهل ردة الفعل غير المسبوقة عبر ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم أجمع، فضلا عن ذلك هناك ميل واضح لدى وسائل الإعلام الداعمة للكيان إلى إضفاء الطابع الإنساني على الضحايا الإسرائيليين مع تجريد الضحايا الفلسطينيين من إنسانيتهم، ومن خلال إضفاء طابع فردي على القصص الإسرائيلية وتقديمها بطريقة أكثر ارتباطاً، و بذلك تسهم وسائل الإعلام في خلق فجوة تعاطف تقلل خطورة الوضع بالنسبة للفلسطينيين.
التجريد والتضليل
تستخدم أوروبا التجريد الحالي من الإنسانية والتضليل الإعلامي للفلسطينيين بشكل متحرر لتعزيز السرد الجيوسياسي للعمل الغربي الجماعي ضد البقية، وهو السرد الذي تبلور بقوة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
فأثناء إعلانها أن "أوروبا تقف إلى جانب إسرائيل"، نشرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بلا خجل معلومات مضللة وادعاءات لا أساس لها من الصحة (نوع الأفعال التي يدعي الاتحاد الأوروبي مكافحتها وتجريمها) مثل "حرق الناس أحياء" و"تشويه الأطفال وحتى الرضع" في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ولا يزال مثل هذا التشهير ضد الفلسطينيين يُنشر على الصفحة الرئيسية للجنة، على الرغم من فضح زيفه على نطاق واسع، حتى من قبل المصادر الإسرائيلية نفسها.
ويشكل التجريد من الإنسانية أو نزعها السمة الغالبة على كل الإبادات الجماعية التي شهدها التاريخ حتى يلجأ إليها الجاني بمثابة حيل نفسية يمارس من خلالها جميع مظاهر العنف و التنكيل على الأخرين دون أدنى شعور بالذنب فالذين يتم بحقهم الإبادة الجماعية حسب منظور الجاني ليسوا سوى أعداء بل هم مجردون من الإنسانية لذلك فإن قتلهم ومحاربتهم أشبه بمكافحة الآفات كوسيلة للتخلص منها.
رفض وقف الحرب
ففي اجتماعه الأخير، أعاد المجلس الأوروبي، المسؤول عن تحديد سياسات الاتحاد الأوروبي، التأكيد على دعم الاتحاد الأوروبي الثابت لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها كيان الاحتلال بحجة "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها"، مع إضافة إضافات عامة ومثيرة للشفقة في بعض الأحيان، مثل "بما يتماشى مع القانون الدولي" وتسليط الضوء على "أهمية" حماية المدنيين.
وجاء قرار المجلس الأوروبي سريعًا لتقليل التأثير الرمزي للدول السبع عشرة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي دعمت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة غير الملزم بشأن "وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية"، والذي تم إقراره بأغلبية ساحقة في 12 ديسمبر/كانون الأول.
وفي مقال مشترك نُشر في 16 ديسمبر، أعلن وزيرا خارجية ألمانيا والمملكة المتحدة - اللذان امتنعا عن التصويت على قرار الأمم المتحدة المذكور أعلاه - صراحةً أنهما "لا يؤمنان" بوقف عام وفوري لإطلاق النار الآن.
تصوير الفلسطينيين كنازيين الجديد
إن كبار زعماء الاتحاد الأوروبي تحالفوا عمداً مع خطاب الإبادة الجماعية الإسرائيلي الذي يصور الفلسطينيين على أنهم "نازيون" أو "نازيون جدد".
قد أثارت فون دير لين ذكرى الفظائع النازية ضد المواطنين اليهود الأوروبيين، وزعمت أن إسرائيليين قتلوا في 7 أكتوبر "لأنهم يهود" وبسبب "الشر القديم" داخل الفلسطينيين، والذي يذكرنا "بأحلك ماضي" أوروبا.
ويعتبر هذا التلفيق لا يتجاهل عمدًا حقائق الصراع الاستعماري الاستيطاني المستمر منذ 140 عامًا بين السكان الأصليين في فلسطين والمستوطنين الأوروبيين الصهاينة، ولكنه يقدم أيضًا الفلسطينيين على أنهم ورثة معاداة السامية الأوروبية العميقة الجذور.
ويتم تصوير الوجود الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية على أنها تجسيد للشر النازي في أوروبا، بالنسبة للاتحاد الأوروبي فإن هذا الوجود يشكل حجر عثرة في طريق خلاص أوروبا، وهو تذكير مستمر بما حاولت أوروبا أن تنساه بحثاً عن التكفير عن العنف القاتل الذي ارتكبته ضد مواطنيها اليهود الأوروبيين.
إن تجاور الحاضر الفلسطيني مع ماضي أوروبا بات يشكل حيلة لتبرير تواطؤ الاتحاد الأوروبي في حرب الإبادة الجماعية الرامية إلى إبعاد النضال الفلسطيني عن الطريق.
ختام القول
ما يحصل اليوم في غزة و على مرأى العالم يثير مرة أخرى مسألة تعلّم كيان الاحتلال الاسرائيلي دروس ألمانيا من النازية باعتبار أن ماضي كل من الدولتين ينطوي على "ذاكرة الشرّ".
وثائق الأرشيف الإسرائيلي تعيد إلى الأذهان خلفيات مجازر ارتكبها كيان الاحتلال ضد الفلسطينيين ودوافعه، على غرار مجزرة الطنطورة.