الوقت- بالتزامن مع زيارة بلينكن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ألقى الملك الأردني عبدالله الثاني، كلمة مؤثرة خلال زيارته إلى صرح كيغالي التذكاري للإبادة الجماعية في العاصمة الرواندية، وفي كلمته، أشار إلى أن عدد الأطفال الذين استشهدوا في قطاع غزة قد تجاوز عدد ضحايا الأطفال في جميع النزاعات والحروب التي شهدها العالم خلال العام الماضي، ولقد وصل عدد الشهداء والمفقودين في قطاع غزة إلى حوالي 30 ألفًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والذين يشكلون غالبية عظمى تقدر بنحو 70 في المئة منهم نساء وأطفالًا، فقد كثيرون من الأطفال الناجين والذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما، معربا عن قلقه حيال التداول العشوائي للعنف والقصف، مشددًا على أنه كيف يمكن لهذه الأعمال العدائية والقصف العشوائي أن تُحقق السلام؟ وكيف يمكن أن يوفر الأمان وهي تشعل حروب الكراهية؟، في ظل المجازر الإسرائيلية المتصاعدة والحديث عن محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى عدة بلدان بينها روندا.
تصريحات مهمة للملك الأردنيّ
بشدة، تحدث الملك الأردني عن ضرورة التوصل إلى سلام عادل على أساس حل الدولتين، مشيرًا إلى أن فشل العالم في حل هذا الصراع سيكلفه ثمنًا باهظًا، وسيظل السلام الحقيقي والاستقرار في الشرق الأوسط محظورين ما لم يتم التوصل إلى هذا الحل، وخلال كلمته أبرز الملك جلالته أهمية الاحترام، العدالة، والتفاهم كوسائل لتحقيق مستقبل أفضل، مشيرًا إلى أن التذكير بأحداث الماضي يعلمنا أنه لا يمكننا تجاهل أي صراع وتجاهل السعي لحله، مع التحية للتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وأهمية الاعتراف بالوحشية التي ارتُكبت وضرورة العمل نحو تحقيق السلام دون الاستسلام للواقع المؤلم والمتواطئ.
"يُظهر هذا النصب التذكاري المؤثر أن وراء كل فرد استشهد في الإبادة الجماعية في روندا، يكمن عالم بأكمله، وعائلة فقدت أحد أفرادها، سواء كان الفقيد أمًا أو أبًا أو طفلاً، ومع كل حلم فقد قد اختفت إمكانيات هائلة قبل أوانها"، هذا ما أوضحه الملك الذي ركز على الفظائع التي شهدتها تلك الجدران، قائلا: "تذكرنا باستمرار بالتبعات المخيفة لتجريد الآخر من إنسانيته، إنها تذكرنا بأن بث الخوف ونشر المعلومات المضللة، في غياب رد فعل دولي، يمكن أن يؤدي إلى أسوأ أشكال التطرف المميت، قد علمنا من تجربة روندا أنه يتعين علينا محاربة الخطاب اللاإنساني الذي يغذي الصراعات".
قصتكم يمكن أن تكون مصدر إلهام لنا جميعًا، كيف تعامل شعبكم مع هذه الجريمة الكبرى، وعمل معًا نحو المصالحة وشفاء الجراح القديمة، بهدف منع تكرار الإبادة الجماعية، كم مرة قلنا إننا لن نسمح لمثل هذه الجرائم أن تتكرر، لنجد أنفسنا أمام صراع جديد ينبت من جذور الكراهية واللاإنسانية تجاه الآخر؟، عبارات قالها الملك الأردني لإلقاء الضوء على المجازر الإسرائيلية وصمت العالم تجاهها، وكان الملك قد استمع إلى شرح حول المقتنيات والمعروضات التي تحكي قصص ضحايا الإبادة الجماعية في روندا عام 1994، وتجربة الروانديين في التغلب على هذه المأساة الإنسانية والعمل نحو تعزيز وحدتهم الوطنية، وختم زيارته بوضع إكليل من الزهور على نصب الصرح، وكتابة كلمة في سجل كبار الزوار.
وخلال زيارته إلى صرح كيغالي التذكاري للإبادة الجماعية في العاصمة الرواندية، كانت أهم تصريحات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني هو تأكيده على أهمية تعلم الدروس من تجربة روندا في محاربة الخطاب اللاإنساني الذي يغذي الصراعات، وأهمية الحفاظ على الإنسانية وتجنب الوقوع في الهاوية، بالاستناد إلى الفظائع التي شهدتها الجدران والتي تذكر بتجريد الآخر من إنسانيته وتحذر من بث الخوف والمعلومات المضللة، حيث إن ذلك يؤدي إلى أشكال مميتة من التطرف، كما طرح أسئلة حول كيف يمكن للعدوان والقصف العشوائي أن يحققا السلام، وكيف يمكن أن يحقق الأمان وهما يؤججان الكراهية.
نفي للتعاون مع تل أبيب بتهجير الغزاويين
بشكل متكرر، نفت 3 دول إفريقية ما نشره إعلام عبرى حول مشاركتها في مباحثات مع تل أبيب لنقل سكان غزة إلى أراضيها، وذلك بعد نفي موقع "زمان يسرائيل" للأخبار الذي أشار إلى أن مسؤولي المخابرات الإسرائيلية الموساد ووزارة الخارجية يتفاوضون مع روندا وتشاد لاستيعاب الفلسطينيين الذين يختارون الهجرة من غزة، وأشار الموقع إلى عروض تل أبيب المغرية لتلك الدول، وذلك كجزء من خطتها للتهجير، والتي وصفها بالطوعية بالنسبة لسكان القطاع الذي يتعرض لعدوان مستمر منذ 3 أشهر.
ونفت جمهورية الكونغو الديمقراطية مزاعم ذكرتها الصحيفة ذاتها حول تهجير الآلاف من سكان غزة إليها، وأكد المتحدث باسم الحكومة، باتريك مويايا، أنه لا توجد أي مباحثات أو نقاشات أو مبادرات تتعلق بما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية حول "قبول الكونغو لاجئين فلسطينيين على أراضيها"، وأوضح "مويايا" في بيان أنه لم يكن هناك أي شكل من أشكال التفاوض أو المناقشة أو المبادرة بين كينشاسا وتل أبيب بشأن استقبال المهاجرين الفلسطينيين على الأراضي الكونغولية، حسبما أفادت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية.
من ناحية أخرى، أكدت وزارة الخارجية في روندا، في بيان رسمي، أن "الحكومة أخذت علمًا بالمعلومات المضللة التي نشرتها صحيفة زمان يسرائيل، حول إجراء محادثات بشأن نقل الفلسطينيين من غزة إلى روندا"، مشددة على أن هذا الادعاء "غير صحيح تمامًا"، وأوضحت الوزارة أنه "لم يتم إجراء مثل هذا النقاش، سواء اليوم أو في الماضي، ويجب تجاهل هذه المعلومات الخاطئة"، كما نفت الحكومة التشادية بشكل قاطع مزاعم نقل الفلسطينيين من غزة إلى تشاد، مؤكدة أن "موقفها الثابت يؤيد التعايش السلمي بين فلسطين وإسرائيل، امتثالًا للقانون الدولي"، وقد نشر موقع "زمان يسرائيل" أن "مسؤولي المخابرات الإسرائيلية الموساد ووزارة الخارجية يتفاوضون مع روندا وتشاد لاستيعاب الفلسطينيين الذين يختارون الهجرة من غزة".
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول بعد عملية "طوفان الأقصى"، أثيرت التساؤلات حول مدى رد الكيان على الإهانة التي لحقت به، مع تصاعد التكهنات وتشديد القصف الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، زادت التساؤلات حول أهدافها وإذا ما كانت تتجاوز فقط الرد العسكري، وتعززت التساؤلات بتصريحات إسرائيلية تؤكد استهداف حركة حماس بشكل كامل، وقد أعلنت دعوتها لأهالي شمال غزة للتوجه جنوبًا، تركزت الهجمات في الشمال، بما في ذلك المستشفيات والمدارس، ما زاد في التساؤلات حول نوايا تل أبيب وإمكانية تهجير سكان القطاع وتصاعد حرب مفتوحة مع المقاومة، وأصبح "سؤال التهجير" محورًا للتحركات الدبلوماسية وموضوعًا رئيسيًا في تحليل الأوضاع.
جزء مهم من عملية التهجير التي نُفِّذت على يد العصابات اليهودية في السابق تمثل في عمليات الدعاية والترويج للمذابح التي ارتكبت، وقاد ذلك الفلسطينيين في كثير من الحالات إلى اتخاذ قرارات بمغادرة أراضيهم قبل وصول أفراد هذه العصابات، وكان جزء من أسباب هذا التحرك هو الاعتقاد بأن المغادرة ستكون مؤقتة وأن العودة ستكون قريبة مع تحسن الأوضاع، ومع ذلك، أظهرت تجارب الفلسطينيين، وخاصة الذين تم تهجيرهم، عدم صحة هذا الاعتقاد، وهذا ما حوّل ردة فعل الفلسطينيين إلى العامل الرئيسي اليوم في التصدي لأي محاولة جديدة للتهجير قبل التأكد من عدم تكرار مصيرهم السابق.
وعقب الحرب الهمجية للكيان، إن الحالة النفسية والذهنية لأهالي قطاع غزة، إلى جانب الارتباط العميق بين بنيتهم الاجتماعية وحركات المقاومة، تجعل الوضع أكثر تعقيدًا، إذ يشترك عشرات الآلاف من المقاومين الفلسطينيين في قطاع غزة، التابعين للأجنحة العسكرية المختلفة، في نفس المجتمع، ولا يقتصر الأمر هنا، بل بدأت أجيال جديدة من الفلسطينيين في المشاركة في الكفاح المسلح، ما يعزز الترابط العميق بين البعد الاجتماعي والسياسي والعسكري.
في النهاية، عندما يتم الحديث عن تهجير السكان في غزة، يجب فهم هذا الترابط العميق بين المقاومين والمجتمع، وهذا يجعل من التهجير مهمة صعبة ومعقدة للغاية، حيث يصعب التفريق بين البُعد الاجتماعي والسياسي والعسكري، ويظهر أن الاحتلال يواجه تحديات صعبة في مواجهة مشروعه للتهجير، حيث يلجأ إلى الاستمرار في المجازر والضغط على المجتمع الدولي لقبول مشروعه، وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد التوتر في المنطقة بأسرها، ما يعني أن أحلام الكيان بتهجيير الفلسطينييين لا يمكن أن تتحقق.