الوقت - لقد مرّ أحد عشر أسبوعًا على الهجمات الوحشية التي شنها الکيان الصهيوني على قطاع غزة، لكن نتائج التطورات الميدانية تظهر أن الصهاينة فشلوا في تحقيق أهدافهم المعلنة.
وعلى الرغم من وجود جيش قوامه عدة مئات الآلاف من الأشخاص المدججين بالسلاح، لم يتم حتى الآن تدمير حماس أو إنقاذ الأسرى الصهاينة، ومع ذلك أطلق الجيش الصهيوني حملةً دعائيةً واسعةً في الأيام الماضية، وأعلن تحقيق انتصارات ميدانية على المقاومة.
وفي هذا الصدد، وبعد نشر صور مثيرة للجدل لتجريد عدد من المعتقلين من ملابسهم الأسبوع الماضي، والذين وصفهم الجيش الصهيوني بأنهم من مقاتلي حركة حماس، نشر الجيش الصهيوني، الاثنين الماضي، صوراً ومقاطع فيديو لنفق في غزة، وزعم أنه اكتشف أكبر نفق تابع لحركة حماس.
وحسب بيان الجيش الإسرائيلي، فإن هذا النفق كان جزءاً من شبكة أوسع من الأنفاق تمتد لأكثر من أربعة كيلومترات، وتصل إلى حوالي 400 متر من معبر بيت حانون الحدودي.
ويحتوي هذا النفق متعدد الفروع على شبكة كاملة من شبكات الصرف الصحي والكهرباء والتهوية، بالإضافة إلى شبكة اتصالات وشبكة سكك حديدية، ويمكن لسيارة صغيرة أن تنتقل من خلاله.
وحسب القوات الإسرائيلية فإن بناء هذا النفق الكبير كلف ملايين الدولارات واستغرق سنوات، ويعتقدون أيضًا أن النفق تم إنشاؤه بإشراف محمد يحيى، شقيق يحيى السنوار، الرئيس السياسي لحركة حماس في غزة.
ويأتي ادعاء الجيش الصهيوني فيما لم تؤكد أي وسيلة إعلامية صحة تفاصيل هذا النفق، حتى أن بعض المصادر أعلنت أن يوآف غالانت، وزير الحرب الإسرائيلي، زار هذا النفق قبل أسبوعين، وهذا ليس خبراً جديداً.
وفي الشهر الماضي، احتل الجيش الإسرائيلي مستشفى الشفاء في غزة، وادعى أن قبوه هو مقر لحركة حماس، وتمكنوا من الاستيلاء عليه، لكن تبين لاحقاً كذبه، هذا فيما قالت كتائب "القسام" فور نشرها صور هذا النفق، في بيان ساخر للمحتلين: "لقد وصلتم متأخرين، المهمة أنجزت".
وكتبت قناة "سكاي نيوز عربية" حول مضمون رسالة القسام التي جاء في نهايتها كلمة "قريباً": "من الممكن أن تكون هذه الرسالة تتضمن الكشف عن عملية معينة، أو أن الرسالة هي أن النفق المكتشف استخدم فقط في عملية طوفان الأقصى، والإسرائيليون اكتشفوا الأمر بعد فوات الأوان".
وأظهر هذا البيان أنه قبل وصول القوات الصهيونية كانت قوات حماس قد أفرغته، وما ادعاء حكومة نتنياهو التي تصف هذه القضية بالإنجاز الكبير في مواجهة فصائل المقاومة، إلا مجرد ضجيج إعلامي.
النفق الذي يبلغ طوله 4000 متر هو جزء صغير من المخبأ الكبير لحماس
تحاول حكومة نتنياهو اعتبار اكتشاف النفق الذي يبلغ طوله 4000 متر إنجازاً، وتقول إنها وجهت ضربةً قويةً لحماس.
ومن ناحية أخرى، فإن نسب بناء النفق المكتشف إلى شقيق السنوار الذي يحاول الصهاينة اغتياله، يتم بهدف إظهار أنهم قاموا بعمل غير عادي باكتشاف هذا النفق، ويقتربون من اعتقال السنوار باعتباره العقل المدبر والمصمم لعملية "طوفان الأقصى"، لكن هذا النفق ليس سوى جزء صغير من شبكة أنفاق المقاومة المعقدة، والتي يقدر طولها بأكثر من 500 كيلومتر.
الحروب السرية ومن تحت الأرض تحرم الصهاينة إلى حد كبير من المزايا التكنولوجية التي يتمتع بها جيش هذا الکيان، إن وجود الأنفاق سمح لحماس باختيار موقع المعركة، وبالنظر إلى الخيارات الواسعة المتاحة لها لنصب كمائن، يمكنها توجيه ضربة قوية للمحتلين؛ كما تمكنت من قتل العشرات من الجنود في الكمائن الأخيرة.
وبينما يتحدثون عن إنجازاتهم ضد فصائل المقاومة، يكافح نتنياهو وأصدقاؤه خلف الكواليس لإنجاح مفاوضات تبادل الأسرى. وأعلنت بعض المصادر المصرية، الاثنين الماضي، أن حماس و"إسرائيل" ترحبان بوقف إطلاق النار، وأنه يجري إعداد قائمة بأسماء الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم من الجانبين.
كما أفادت شبكة كان الصهيونية بأن ديفيد بارنيا، رئيس الموساد، أجرى محادثات مع وزير خارجية قطر في هذا الصدد، وفي الوقت نفسه، ادعى نتنياهو أنه لن يوقف الحرب حتى يتم تدمير حماس بالكامل.
ولكن يبدو أن الخسائر الفادحة في صفوف الجيش، والتي خلفت حسب وسائل الإعلام العبرية ما يزيد قليلاً على 5000 جريح، أجبرت الحكومة على اتخاذ قرار صعب، ولذلك، لو كانت حكومة نتنياهو قد حققت شيئاً في غزة، لما تراجعت عن أهدافها المعلنة، ولما اتبعت وقف إطلاق النار بشروط حماس.
الهروب من الانتقادات الداخلية
يأتي نشر اكتشاف نفق حماس الفارغ، في وقت تتزايد فيه موجة الضغوط الداخلية ضد أداء حكومة نتنياهو في الحرب.
يقول المنتقدون إنه خلافاً لادعاءات الحکومة، فإن الحرب في غزة لم تحقق سوى القتل والدمار، وأن حماس لا يزال لها اليد العليا في التطورات الميدانية، ولذلك، فإن نتنياهو الواقع تحت سكين منتقديه في الداخل، يحاول بإعلانه اكتشاف نفق حماس إقناع الرأي العام في الداخل بأنهم حققوا الكثير من الإنجازات.
في هذه الأثناء، تظاهر الآلاف من سكان الأراضي المحتلة، إلى جانب عائلات الأسرى، خلال الأيام القليلة الماضية، أمام وزارة الحرب بهدف الضغط على نتنياهو، مطالبين بالوقف الفوري للحرب وإجراء مفاوضات تبادل الأسرى، وحسب صحيفة "يديعوت أحرانوت"، طالب المتظاهرون الصهاينة بـ "العودة الفورية للمختطفين" في تجمعاتهم أيام الأحد، وهتفوا بشعار "لن نترك المختطفين في غزة ونعقد اتفاق تبادل الآن".
منذ بداية الحرب على غزة، نظم أهالي الأسرى احتجاجات عديدة في القدس وتل أبيب وطالبوا بعودة أسراهم، لكن بدلاً من الاستجابة لطلب المستوطنين، قتل الجيش الصهيوني حتى الآن العشرات من أسراه في قصف جوي وعمليات برية، وفي الآونة الأخيرة، قتلت قوات الاحتلال ثلاثة أسرى صهاينة كانوا يحملون الراية البيضاء في غزة، ويطالبون بإنهاء الصراع.
کذلك، في أحدث شريط فيديو نشرته حماس لثلاثة أسرى صهاينة مسنين، دعوا إلى إنهاء الحرب، وفي رسالة موجهة إلى حكومة نتنياهو، قال هؤلاء السجناء: "لا نريد أن نكون ضحايا لهجمات القوات الجوية، نريد إطلاق سراحنا دون أي شروط".
وفي هذا الفيديو تم عرض عداد من 1 إلى 9، ومع كل رقم تم نشر صور الأسرى الإسرائيليين قبل وبعد مقتلهم في قصف قطاع غزة، لتذكير تل أبيب بأنها لا تستطيع إطلاق سراح أسراها باللجوء إلى القوة.
وعلى الرغم من أن غزة منطقة صغيرة ومحاصرة بشدة، إلا أن الجيش الإسرائيلي المكون من عدة مئات الآلاف من الجنود، لم يكتشف أي معلومات حول مكان اختباء أسراه خلال السبعين يومًا الماضية.
وقال دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الصهيوني، الأحد الماضي: إن جنود وضباط الجيش متعبون ومنهكون أمام حركة حماس، وأقر بأن على تل أبيب إطلاق سراح سجنائها عبر القنوات الدبلوماسية، وإلا فإن هناك احتمالاً بقتل العديد من السجناء.
ومن ناحية أخرى، بالإضافة إلى عائلات الأسرى الصهاينة، فإن السلطات الصهيونية سئمت بشدة من عجز الإجراءات الحربية التي تتبعها حكومة نتنياهو المتطرفة، حيث شكك يائير لابيد، زعيم المعارضة، مراراً وتكراراً في أداء نتنياهو في الأيام الأخيرة، ومن خلال قوله إن نتنياهو يكذب بشأن عملية غزة وأن العديد من الجنود قتلوا في هذه الحرب، طالب بإقالته من السلطة.
يدرك الصهاينة أكثر من أي شخص آخر، أن هناك فجوةً كبيرةً بين الواقع وادعاءات حکومتهم حول ما يحدث في ساحة المعركة، وأن جنود الاحتلال غير قادرين حتى على فهم ما يحدث تحت أقدامهم.