الوقت- أفادت مصادر موثوقة بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أبلغ قيادات اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفي حركة فتح مؤخرًا بقراره دعم أي مشروع وطني يتجه نحو "المقاومة السلمية"، وقد أشار إلى ضرورة تزويد الأطراف القلقة من أعضاء حركة فتح بمقترحات مكتوبة ومحددة في هذا الاتجاه، ونقلت المصادر عن شخصيات في حركة فتح أن الرئيس عباس، في ظل تكرار الهجمات الإسرائيلية على المدن الفلسطينية، بدأ يظهر "أكثر ليونة" تجاه برامج النشاط والفعاليات الأهلية السلمية، وأكدت تلك الشخصيات أن هذا يعكس استعداد الشعب الفلسطيني وحركة فتح لمواجهة التهديدات الإسرائيلية والتأكيد على رفضها للعنف، وفي سياق التطورات الأخيرة، برزت ليونة الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم، وذلك في إطار سلسلة من الأحداث والتطورات، ومن بين هذه التطورات، تأتي تصريحات رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو حول استعداده لخطة صدام مسلحة مع أجهزة السلطة الفلسطينية.
محمود عباس والمقاومة السلمية
على الرغم من التهديدات الإسرائيلية، أفادت مصادر مقربة من الرئيس عباس بأنه ينوي التصدي بتصعيد مدني سلمي في الشوارع، ويأتي هذا ضمن خطة مدروسة تهدف إلى إيصال صوت الشعب وحركة فتح إلى العدو والمجتمع الدولي، وتركزت هذه الجهود على إيصال صوت الشعب وحركة فتح، حيث لم تتجاوز إشارات الإضاءة الخضراء في رام الله عبارة "إيصال صوت الشعب وفتح"، وتعبر غالبية أقطاب حركة فتح عن اعتقادها بأن الحراك التنظيمي يعيش في أسوأ أحواله اليوم، في ظل عدم وجود استراتيجية فعالة للتعامل مع التصاعد العسكري الإسرائيلي على الشعبين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ووفقًا لمصادر مطلعة، يقترب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الموافقة على نشاطات عامة ذات طابع مدني ومكثف، دون اللجوء إلى مسار انتفاضة ثالثة، ويُشير إلى أن هذه النشاطات قد تشمل التفاعل بأساليب "المقاومة الشعبية"، ما يفتح المجال للتفاعل مع قوات العدو دون اللجوء إلى التصعيد العسكري، ولا يوجد تعريف دقيق لمصطلح "المقاومة الشعبية" الذي يفضله الرئيس عباس ويعتزم دعمه، وفي هذا السياق، تشير أوساط حركة فتح إلى وجود وثيقة مكتوبة تم تقديمها إلى الرئاسة في إطار السياق الفتحاوي، ومن المتوقع أن يشرف عليها نائب رئيس الحركة المفوض رسمياً، المكلف بملف المقاومة الشعبية، محمود العالول، ولكن حتى الآن، لم يقدم العالول أي تصور مفصل حول كيفية تنفيذ وتقنيات ووسائل المقاومة الشعبية.
وفي إطار الاستجابة للتطورات الراهنة، تشير المصادر إلى نشاطات تظاهرات وتجمعات حزبية، خالية من استخدام الأسلحة أو حتى الحجارة، حيث يتم رفع يافطات تندد بممارسات الاحتلال، ويتم رفع هتافات تؤكد على دعم حرية الأسرى، يُفترض أن تكون هذه الفعاليات تحت إشراف أجهزة السلطة الرسمية، التي تتولى تنظيم وتأمين هذه التظاهرات، وتشهد هذه السلطات على عقد اجتماعات طارئة تناقش "كيفية حماية الشعب الفلسطيني"، وفي هذا السياق، يرى بعض المخضرمين من أبناء حركة فتح أن عودة الحديث عن مفهوم المقاومة الشعبية من قبل الرئيس عباس قد تكون محاولة لامتصاص حالة الاحتقان والغليان التي تحيط بمؤسسات وقطاعات وأقاليم حركة فتح، ويأتي هذا خاصة بعد سقوط عدد كبير من الشهداء يوميًا في مدن جنين ونابلس والخليل وطولكرم، بالإضافة إلى الهجمات المتكررة من المستوطنين.
وتفسيرًا للخطوات الأخيرة التي اتخذها الرئيس محمود عباس، يُعزى ذلك إلى تحليلات سياسية تُظهر تجاوبًا مدروسًا مع اتصالات أمريكية، حيث طالبت الولايات المتحدة عباس بـ"السيطرة والهدوء" قدر الإمكان، يُفسر هذا التحرك على أنه محاولة لتجنب تقديم خدمة غير مرغوب فيها للطاقم اليميني في حكومة تل أبيب، ويتفق المقربون من المقاطعة في رام الله على أن مركزية حركة فتح لا تتفق، في حين بدأت السلطة في استلام تقارير أمنية تشير إلى حالة من الغليان المقلق وأجواء احتقان، وخاصة في صفوف التعبيرات الشبابية الفتحاوية.
خضوع تام لأوامر الصهاينة
رغم التصاعد العدائي لحكومة العدو المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، إلا أن حكومة رام الله لا تزال تفتح أبواب التعاون مع تل أبيب وتستخدم جميع الأساليب الإجرامية ضد شعبها، وذلك رغم أنها تعتبر مقاومته "أمراً خاطئاً"، تزخر الحكومة بالعديد من الأوراق السياسية والأمنية للتعامل مع التصعيد الإسرائيلي، والذي زادت حدته بشكل لا يمكن تخيله في الفترة الماضية، إلا أنها لم تتخذ أي رد فعل يذكر، وفي حين يتم التعامل مع السلطة من قبل الإسرائيليين بإذلال واستعباد، إلا أنها تؤكد على استمرار التنسيق الأمني مع العدو ومواصلة ملاحقة المقاومين في الضفة، وبالرغم من ذلك، تستمر في اتباع سياسة الخنوع التي لم تفضِ إلى نتائج إيجابية، ما يثير انتقادات واستحقاراً من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
وتجذب رام الله الأنظار بتصريحاتها حول وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف وإلغاء الاتفاقيات مع تل أبيب، إلا أن ردود الفعل المحدودة تجاه جرائم العدو تثير الدهشة، وعلى الرغم من التصريحات الرنانة، تظهر السلطة الفلسطينية بتعاون متزايد مع "إسرائيل"، وتسهم في تنفيذ مشاريع الكيان الغاصب التي تستهدف إلغاء القضية الفلسطينية، وفي الوقت الذي يتسارع فيه سقوط الضحايا الفلسطينيين، تظهر السلطة كأداة ذات قيمة زهيدة تستخدم ضد إرادة وتطلعات الشعب، وهذا يؤكد على عدم قدرتها على تمثيل مطالب الفلسطينيين، الذين يعيشون ويلات جرائم الاحتلال، وفي المقابل، لم تستفد حكومة رام الله من العلاقات مع "إسرائيل" أو من استمرار التنسيق الأمني، بل على العكس تمامًا، حيث تُظهر ضعفها في مواجهة التحديات الاحتلالية، وتخرج عن الوحدة الفلسطينية المطلوبة للتصدي لتحديات حرب غزة والتطبيع والتهويد والضم والاستيطان.
وبهذا السياق، تشارك السلطة في معركة ضد الفلسطينيين، ما يشجع "إسرائيل" والمستوطنين على التصعيد واستغلال الأراضي الفلسطينية، وهو ما يُظهر أن السلطة لا تلعب دورًا شرعيًا في تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات الراهنة، وتظهر الحقيقة بوضوح، حيث يبدو أن المتحكم الوحيد بالسلطة هو العدو القاتل، وأن السلطة الفلسطينية لا تمثل سوى "حجر شطرنج" على طاولة السياسة الإسرائيلية الخبيثة، إذا كانت الضفة الغربية لا تزال مرهونة بقرارات السلطة، التي تتعاون مع العدو العنصري، فإن الجرائم والاستخفاف الصهيوني بأرواح الفلسطينيين لن يصل بها إلى هذا الحد، وغزة تشهد.
وتُعتبر أفكار حركة "فتح" خاطئة تاريخية، وفقًا للغالبية الفلسطينية، بسبب اعتقادها بأن وجود علاقة مع الكيان الإسرائيلي قد يكون في مصلحتها، يثبت التاريخ والواقع الحالي أن الصهاينة يتمادون في عدوانهم، وأنهم لا يمكن أن يتوقفوا إلا بوجود القوة والوحدة والمقاومة، وشهدت العلاقات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني تحولًا إلى معضلة تعكس حالة عدم الإجماع الوطني المتعلقة بالتسوية والمفاوضات مع الاحتلال، وخاصة مع سعي تل أبيب لترسيخ واقع جديد على الأرض من خلال تدمير غزة على شعبها وإقامة الدولة العنصرية على أراضي الفلسطينيين.
ويعيش السكان في مناطق تخضع نيابة عنهم لإدارة السلطة، في سياق يشهد اتساعاً مستمراً للاعتداءات الإسرائيلية الممنهجة، يتزايد التوتر يومًا بعد يوم بسبب استمرار جرائم العدو، ما يبرز العنف والإرهاب الصهيوني وتورط السلطة فيه، ويظهر تصديق رام الله للعدو الصهيوني القاتل وتنسيقها الأمني معه، ما يشكل ضربة لأي شراكة وطنية عميقة ويتناقض مع التفاهمات الداخلية، فيما يتسلل الكيان الصهيوني بشكل متزايد إلى الأمن والاقتصاد، ويُظهر انخراطًا واضحًا للسلطة في هذه العمليات، وتظهر تل أبيب استمرارها في التصعيد والتجبر عبر سياستها العدوانية في ملفات عدة، ما يشير إلى أنها تواصل انتهاك حقوق الفلسطينيين وتعطيل الجهود الوطنية.
محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، تتكرر في اعترافاته أن الكيان الصهيوني قد "دمر ما تبقى من عملية السلام"، ولكنه في الوقت ذاته يجد نفسه غير قادر على تنفيذ وعوده بإلغاء الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والسياسية مع "إسرائيل"، ويتضح أن بقاء السلطة يعتمد أساسًا على التنسيق الأمني وتدفق الأموال من تل أبيب ومن يدعمها، وقرار وقف التنسيق يعني تحمل تبعات كبيرة، وخاصة مع وجود مصالح أمنية وعلاقات دولية للسلطة، فالعلاقات مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية وأجهزة المخابرات العربية والإقليمية تعزز استمرار التنسيق، ولا تسمح بحل السلطة أو انهيارها.
نتيجة لكل ذلك، لم يذكر في التاريخ عن وطن تحرر بالشعارات وما يسميها عباس "المقاومة الشعبية السلمية"، وعلى الرغم من تصاعد التصريحات، يظهر عباس بانتظام وهو يبعث برسائل إلى العدو ويلتقي بالمسؤولين الإسرائيليين لإجراء محادثات، مما يبرز تناقضات سياسته، ويتمسك بأن إجراءات بناء الثقة ودعم السلطة لا تشكل بديلاً للمفاوضات السياسية، ولكنه لا يتخذ موقفًا صارمًا تجاه القضايا المصيرية للشعب الفلسطيني، ما يظهر عجزه عن الخروج عن طوع حاضنته الإسرائيلية، التي تمثل الممول الرئيسي لسلطته وللطبقة السياسية المحيطة به.
كذلك، هناك علاقة "حب من طرف واحد" بين السلطة و"إسرائيل"، فيما تظهر الفصائل الفلسطينية تمسكًا شديدًا بموقفها المقاوم والتحرري، وتركز على مصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة لإنهاء الانقسام وتحديد استراتيجية وطنية موحدة، في المقابل، تظل السلطة الفلسطينية تتمسك بالتنسيق الأمني مع تل أبيب حتى بعد فرض حرب همجية راح ضحيتها عشرات الآلاف، في خطوة تعتبر ركيزة للرضوخ المستمر.