الوقت- في الوقت الذي تتواصل فيه الجرائم الإسرائيلية في غزة، يذهب بعض الأكاديميين والمحللين الأتراك إلى السياق التاريخي لسرد جرائم "إسرائيل" ويبحثون عن إجابة لهذا السؤال: لماذا لا يمكن التشكيك في قسوة عملية 7 أكتوبر؟ لماذا الفلسطينيون على حق؟، وكيف "إسرائيل" حولت التطبيع وابتذال الشر والعنف إلى سياسة دائمة؟.
طه أوزخان هو مدير الأبحاث في "معهد أنقرة للدراسات" وهو أحد الأكاديميين الذين كتبوا حول هذه القضية، طه أوزخان، الذي كان مستشارًا لأردوغان خلال فترة رئاسته للوزراء وممثلًا لشعب ملاطية في البرلمان التركي، أكمل دراسته في إنجلترا وأمريكا ويشغل حاليًا منصب مدير الأبحاث الرئيسي في معهد أنقرة للدراسات.
تحليل المشهد في غزة بشكل صحيح
وهنا يقول "أوزحان"، إذا "نظرنا إلى القضية الفلسطينية في سياق تاريخي وسياسي واضح، فإننا نرى بوضوح أن هجوم 7 أكتوبر على "إسرائيل"، بكل أبعاده، لا يمكن مقارنته بالاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، وقد يتساءل البعض لماذا قام الفلسطينيون بمثل هذا العمل، لكن عقوداً من الاحتلال الإسرائيلي والأعمال الوحشية ضد الفلسطينيين هي حقيقة مريرة لا يمكن مقارنتها بأي عملية أو موقف آخر، وحتى الآن، أستطيع أن أرى بوضوح أن "إسرائيل" تمارس المجاز في غزة منذ أسبوعين، وهو ما يظهر بوضوح طبيعتها الوحشية والإجرامية"، ووفقاً لمنطق "تفاهة الشر" الذي لاحظته أرندت أثناء مشاهدتها محاكمة كارل أدولف أيخمان، المسؤول النازي البارز في القدس، أصبح تطبيع الجريمة هو الدافع الرئيسي لـ"إسرائيل".
وفي هذا "التطبيع" لا صحة للعبارات "الأخلاقية أو الجيوسياسية" التي تقال عن قضية "إسرائيل" وفلسطين، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتجاهل جرائم "إسرائيل"، وتمثل عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) فشلاً وربما تغييراً كبيراً في مسار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عام 1973، ولا يمكن أن يكون لـ 7 أكتوبر غرض عسكري بحت، لأن عدم التكافؤ في القوة العسكرية بين "إسرائيل" وحماس لا يحتاج إلى تفسير. وعلى نحو مماثل، لا يمكن أن يكون هناك شك في التنبؤ بمستوى العنف في رد "إسرائيل" الدموي على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، لأن أبسط دليل هو أن وحشية الاحتلال مستمرة منذ عقود، وأن القيادة الأكثر تعصباً وعنصرية في تاريخ "إسرائيل" تجري في تل أبيب.
التطبيع بتجاهل الفلسطينيين
إن العملية التي تمت في السنوات الأخيرة كانت عبارة عن تجاهل القضية الفلسطينية من الناحية الإنسانية والسياسية، وفي قلب سياسة التطبيع مع "إسرائيل" في غياب الفلسطينيين ومن دون التشاور معهم، كان التجاهل العملي لفلسطين والفلسطينيين، وكان هذا مشروعًا لإضفاء الطابع الرسمي على تطبيع نظام الاحتلال الذي كانت تبحث عنه الدول العربية، لكن عملية 7 أكتوبر دمرت الوهم القائل بإمكانية الوصول إلى النقطة النهائية في القضية الفلسطينية دون حضور الفلسطينيين!
ولقد سارع الخطاب الإعلامي السائد إلى إجراء مقارنات خرقاء بين 7 أكتوبر و11 سبتمبر، ركزت هذه المقارنات فقط على الهجوم نفسه وتجاهلت المآسي التي سببتها السياسات الأمريكية بعد 11 سبتمبر، وظل النقاش حول الفجوات الأمنية والمعلوماتية يدور حول ضعف المعلومات التي تؤكد ضمناً على قوة "إسرائيل"، وتتجاهل الفلسطينيين، وتنسى حقيقة أن المضطهدين يقاومون بشكل خلاق.
كان السابع من تشرين الأول، كما أظهرت أحداث الأسبوع الماضي، تجربة خاصة بالنسبة للفلسطينيين، الأشخاص الذين شهدوا أحداثًا مماثلة عدة مرات في ظل الهجمات الإسرائيلية في نصف القرن الماضي، والنهج الذي يريد إظهار أن 7 أكتوبر هو هجوم غير متوقع يعتمد بشكل أساسي على عدم تكافؤ القوى الهائل بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، والدعم المذهل لتل أبيب على المستوى العالمي، وترحيل ملايين الفلسطينيين من أراضيهم، لقد تقطعت السبل بالشعب الفلسطيني من قبل الحكومات العربية مرارا وتكرارا، لكنه لم يستسلم، وحتى بعد مفاوضات أوسلو واستمرار الاحتلال طوال الثلاثين عامًا الماضية وتحول "إسرائيل" إلى دولة متعصبة للفصل العنصري، لا يزال لدى الفلسطينيين الدافع للقتال.
في الأساس، لا يمكن لأي حافز أو دعم أو تنظيم أن يكون أكثر فعالية من "إسرائيل" نفسها! نعم، كان الدافع الرئيسي لعملية 7 أكتوبر هو جرائم "إسرائيل" واحتلالها ولا شيء غير ذلك، وبالنسبة لـ"إسرائيل"، لا يقتصر إنكار الفلسطينيين على شعار بسيط وبلاغي، إن تجاهل الفلسطينيين لنظام الفصل العنصري هو أساس فكري وممارسة إنكار يومية تعبر عن مستوى معين من مُثُلهم الدينية، بل تجاهل كامل لوجود الأمة الفلسطينية.
لذلك، وإلى أن تتصالح "إسرائيل" مع وجود الفلسطينيين وتعلن اعترافها السياسي، لن يكون هناك حل سياسي للأزمة الحالية، وما نتحدث عنه هنا هو أزمة القبول بوجود الفلسطينيين أنفسهم قبل قيام الدولة الفلسطينية أو الحل السياسي، وعلى وجه الخصوص، حكومة "إسرائيل" الحالية، كمثال استثنائي من تاريخ العنصرية، هي حكومة لديها مشكلة، حتى على مستوى الحد الأدنى من الحقوق، مع وجود الفلسطينيين، ناهيك عن الحديث عن القضية الفلسطينية، وعلى مر السنين، خلقت "إسرائيل" أزمة وجودية بسياساتها التي تنكر حق فلسطين في "الوجود" والتي لا تستطيع الهروب منها واليوم ليس لدى "إسرائيل" رؤية لإنهاء الاحتلال.
بل على العكس من ذلك، فهو يعتبر الاحتلال مثلاً دينياً ولا يؤيد حل الدولتين، فهو لا يستطيع حتى أن يتصور حل الدولة الواحدة، وهي لا تتحمل حتى الحد الأدنى من مسؤوليات قوة الاحتلال كما هو محدد في القانون الدولي، وبصرف النظر عن مئات الملايين من السكان العرب والمسلمين حولها، فإن عدد السكان الفلسطينيين في الشرق الأوسط، يفوق عدد سكان "إسرائيل"، ويتوقع أن يختفي الفلسطينيون، مع أن عدد السكان اليهود يقارب نصف الفلسطينيين الذين تم ترحيلهم إلى دول المنطقة في السبعين سنة الأخيرة! إن عقيدة الاحتلال هي السبب الأول لاستمرار احتلال فلسطين كأطول احتلال في العصر الحديث، والسبب التالي هو الدعم غير المشروط من أمريكا وأوروبا لـ"إسرائيل".
لا يمكن إنكار أن المشهد الحالي قاتم ومثبط للهمم، ومع ذلك، وفي مناخ يسود فيه هذا المناخ المتشائم، فإن السابع من أكتوبر قد يعني نقطة تحول مهمة في الطريق المسدود بين الفلسطينيين والجغرافيا السياسية الإقليمية وإعادة ضبط النظام الإقليمي الفعال. ورغم أن المشاكل التي عانى منها الفلسطينيون لعقود من الزمن لن تنتهي في المستقبل القريب، إلا أنه قد يكون هناك احتمال لعصر جديد بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وأظهروا حضورهم أمام العالم أجمع، بما في ذلك "إسرائيل" وأمركا ودول المنطقة، وإن "إسرائيل" والجماعات الفلسطينية بحاجة إلى رؤية سياسية وطنية وقيادة جديدة لمنع استمرار الخسائر المأساوية بين المدنيين في غزة وإحياء الآمال في التوصل إلى حل، لذلك، من الخطأ الكبير اختزال السابع من أكتوبر في قضية غزة، أو المساعدات الإنسانية، أو تبادل الأسرى، أو الاتفاق الأمني الهش مع "إسرائيل"، أو القرارات والإنجازات المؤقتة لدول المنطقة، وإلى أن يتم تقديم إجابة عما سيحدث للوجود السياسي للفلسطينيين بعد 7 أكتوبر، فإن هذه الحلقة المفرغة ستستمر.
ويعاني جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي من حالات نفسية شديدة، بسبب الصدمات التي يتعرضون لها جراء الحروب التي يخوضونها ضد الفلسطينين، وعند القيام بأي عمل عسكري جديد، حيث يصابون بحالة من الهلع، والاضطرابات النفسية الشديدة، التي قد تدفعهم للتخلص من أنفسهم، وأظهرت حالة الهلع التي أصابت الجندي الإسرائيلي، والصدمة التي تعرض لها عدد من الجنود الذين تم أسرهم من قبل المقاومة الفلسطينية، لكن هذا الأمر ليس جديدًا، فقد وصف الدكتور عبد الوهاب المسيري الجنود الإسرائيليين بأن معظمهم متوجهون نحو اللذة، لا يؤمنون بأي مثاليات قومية، وفي حالة خوف شديدة من المنتفضين، فالانتفاضيون يدفعهم الإيمان بالله وبالوطن، أما الجندي الإسرائيلي فهو لا يؤمن إلا بالرغبة في البقاء.