الوقت- بكل ساديّة تجاه قتل الأبرياء في غزة، أعلنت الولايات المتحدة عزمها تشكيل تحالف دولي بهدف محاربة ما تُعرف بـ "شبكة التمويل" لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إضافة إلى ذلك، دعت فرنسا إلى إنشاء تحالف دولي لـ "مكافحة" هذه الحركة، وليس فقط على الصعيدين المالي والماليّ.
ووفقًا لتقرير وكالة الصحافة الفرنسية، أكد والي أدييمو، مساعد وزيرة الخزانة الأمريكية، يوم الثلاثاء الماضي، أنه سيتوجه إلى أوروبا ابتداءً من الجمعة القادمة، وسيجتمع هناك مع ما وصفهم
بـ "الحلفاء والشركاء" لمناقشة سبل التعاون المنسّق لمواجهة "شبكة التمويل" المرتبطة بحماس، وأشار إلى أن هدفهم هو بناء تحالف مع الدول في المنطقة وحول العالم بأسره لمكافحة تمويل حماس، في وقت يقتل فيه عشرات المدنيين الفلسطينيين كل يوم نتيجة القصف العنيف لطائرات الاحتلال.
تحالفٌ لإبادة غزة
بكل بساطة، يتحدث أدييمو أن الولايات المتحدة فرضت على مر السنوات القليلة الماضية عددًا من العقوبات على حماس، وأضاف إن حماس، مثل أي جهة أخرى، قامت بابتكار وسائل جديدة وحاولت إيجاد وسائل للتلاعب بعقوباتنا، بما في ذلك استخدام العملات المشفرة، وقد اقترح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم أمس فكرة أن يتم إنشاء "تحالف" دولي - ليس فقط من الناحية المالية بل أيضًا على نطاق أوسع لـ "مكافحة" حماس.
ووفقًا لمقرّبين من ماكرون، فإن هذا الاقتراح يعني إما إنشاء تحالف دولي جديد أو توسيع التحالف الحالي الذي تأسس منذ عام 2014 لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، ليشمل الآن مكافحة حركة حماس، دون أن يعلّق على تصريحات الرئيس الفرنسي، أكد أدييمو بشدة أن "الاستراتيجية التي تم استخدامها لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى هي الاستراتيجية التي يجب أن نعتمدها".
وأشار مساعد وزيرة الخزانة إلى ضرورة فرض عقوبات اقتصادية إضافية، واستخدام "بعض" الأدوات الأخرى لمواجهة حماس.
وتأتي هذه المساعي بعد إطلاق كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عملية "طوفان الأقصى" في السابع من الشهر الجاري نتيجة الاعتداءات الإسرائيليّة الخطيرة، وتبع ذلك تصاعد التوترات وشن "إسرائيل" حرباً على قطاع غزة ومنازل المدنيين، أسفرت عن وفاة آلاف الشهداء وإصابة العديد من الجرحى، وسببت أضرارًا هائلة في المباني والبنية التحتية، فيما شهد يوم الأربعاء تصاعد التوترات بين أحزاب المعارضة الفرنسية بشكل حاد فيما يتعلق بمقترح الرئيس إيمانويل ماكرون بتشكيل تحالف دولي ضد حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، حيث يجد هذا النزاع إقبالًا كبيرًا في فرنسا، الدولة ذات التاريخ الاستعماري، حيث تضم أكبر جاليتين يهودية وعربية مسلمة في أوروبا، ما يجعله موضوعًا قابلًا للانفجار.
ونعلم أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي يصف عملية التهجير والقتل الجماعي بأنها "عملية إنسانية" تهدف إلى حماية السكان من الأذى، بينما في الوقت نفسه تعمل على القضاء على مقاتلي حماس.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن نقل عدد كبير من الأشخاص بأمان داخل القطاع المحاصر يمكن أن يسبب كارثة إنسانية.
وعدد كبير من سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، قد غادروا منازلهم ولجؤوا إلى مناطق داخل القطاع، الذي يقع بين فلسطين ومصر ويمتد على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، فيما تشكل قضية اللاجئين الفلسطينيين إحدى القضايا المعقدة والمثيرة للجدل في عملية "السلام" الإسرائيلية الفلسطينية المتوقفة. والفلسطينيون والدول العربية يصرون على أهمية أن يُشمل أي اتفاق سلام حق عودة هؤلاء اللاجئين وأحفادهم، بينما ترفض قوات الاحتلال هذا الأمر بشكل دائم.
ويُعبر أهالي فلسطين وغزة على وجه التحديد عن اعتقادهم بوجود مؤامرة من الولايات المتحدة و"إسرائيل" ومن يدور في فلكهما لتهجير الفلسطينيين وإبادة جزء منهم، على الرغم من عدم وجود دليل على أن الأردن أو مصر تعتزم استقبال اللاجئين الفارين من غزة، بينما يؤكد سكان غزة عزمهم على البقاء في القطاع ومواجهة الاستيطان الإسرائيلي واحتلال الأراضي الفلسطينية الذي بدأ منذ عام 1948، ويعتزمون مواجهة "إسرائيل" بمقاومة دائمة ومستمرة، وفي هذا السياق، تدعو الشعوب الأخرى إلى مواصلة مقاومة أهالي غزة بأي وسيلة متاحة ضد الاحتلال، مهما كان الثمن.
المعارضة الفرنسيّة في المرصاد
شهدت مواقف أحزاب المعارضة الفرنسية تباينًا كبيرًا يوم الأربعاء بشأن اقتراح الرئيس إيمانويل ماكرون تشكيل تحالف دولي ضد حركة المقاومة الإسلاميّة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، وقد قدم ماكرون هذه الفكرة خلال زيارته إلى الأراضي الفلسطينية التي تحتلها "إسرائيل" والضفة الغربية المحتلة يوم الثلاثاء، وتلقت هذه الفكرة تأييدًا من اليمين التقليدي الذي أقر بصعوبة تنفيذها، في حين انتقدها الأحزاب اليسارية واليمين المتطرف.
وصرح رئيس حزب "الجمهوريين" (اليمين) إيريك سيوتي لإذاعة فرانس إنتر بأنه يؤيد "فكرة تشكيل تحالف دولي أوسع لمحاربة حماس"، وزعم أن حماس "منظمة إرهابية شنيعة والتي أخرجت سيناريو عمليات قتل متعمدة في "إسرائيل" في السابع من أكتوبر".
وفي المقابل، قال سيدريك بيرين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، إن تشكيل تحالف على غرار ما تم تشكيله لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" –الذي دعمته الولايات المتحدة والغرب- سيكون "مبادرة جيدة"، ولكنه أقر بصعوبة تنفيذ ذلك.
من ناحية أخرى، عبّر النائب الاشتراكي جيروم جيدي عن استيائه من اقتراح الرئيس الفرنسي، حيث وصفه بأنه "ضربة دبلوماسية سُحِبَت بسرعة" وأنها "تسيء لصورة فرنسا على الساحة الدولية". وأعرب عن أسفه للمفاجأة التي تقدم بها رئيس الدولة بتغيير النهج الدبلوماسي الفرنسي بشكل لا يتناسب مع التطورات الحالية مقارنةً بالموقف السابق عندما تم التصدي لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق.
وفي سياق متصل، عبّرت فاليري رابو، نائبة رئيس الجمعية الوطنية وعضو حزب الاشتراكيين، عن اعتراضها على "النهج الدبلوماسي" الذي اتبعه الرئيس الفرنسي، معتبرةً أنه "كارثي".
وفيما يتعلق بطريقة تقديم مقترح لتشكيل تحالف دولي، قالت نائبة رئيس الجمعية الوطنية المسؤولة عن العلاقات الدولية أنه "عندما تتقدم بمقترح لتشكيل تحالف دولي، يجب أن نبدأ أولاً بمناقشته مع شركائنا، ولكن هذا لم يحدث"، وأضافت: "من الناحية الشكلية، لا يمكننا تقديم مقترحات بشأن تحالف دولي دون التشاور مع الشركاء، وهذا ليس دبلوماسية جيدة".
بدوره، عبّر جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني المتمثل في اليمين القومي، عن تعجبه من اقتراح الرئيس ماكرون، واصفاً ذلك بأنه "أخرج إعلانًا من قبعته" وأشار إلى "غموض" الاقتراح.
وتساءل بارديلا عما إذا كان الاقتراح يعني نشر قوات برية وقوات من الجيش الفرنسي في قطاع غزة، وأشار إلى أن بعض الدول مثل قطر والأردن والسعودية سترفض المشاركة في هذا التحالف.
بارديلا أيضا أعرب عن رأيه بأن هجوم حماس قد أضعف ما أسماه "الموقف التاريخي" لحزبه الذي يؤيد إقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأوضح بارديلا أن "الاعتراف اليوم بدولة فلسطينية يعني الاعتراف بدولة يُستخدم فيها جزء كبير كمكان لتنظيمات إرهابية، وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة".
والجدير بالذكر أن الصراع بين الاحتلال وحركة المقاومة الإسلامية حماس يشكل موضوعًا قابلًا للانفجار في فرنسا، الدولة ذات التاريخ الاستعماري الدموي، حيث توجد أكبر جاليتين يهودية وعربية مسلمة في أوروبا.
وفيما يتعلق بحصيلة الصراع الأخير، قُتل أكثر من 1400 شخص على الجانب الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول، وقد زعمت السلطات الإسرائيلية بأن معظم القتلى كانوا مدنيين، وأعلنت عن هويات حوالي 220 رهينة تم اختطافهم على يد الحركة التحررية، وأعلنت حماس يوم الأربعاء أن 6546 شخصًا على الأقل، معظمهم من المدنيين، بينهم 2704 أطفال، استشهدوا في القصف الإسرائيلي العشوائي على منازل المدنيين، ناهيك عن الخراب الكبير الذي خلفته الضربات الإسرائيلية في التجمعات السكانية.
الخلاصة، يُظهر الوضع الأمني الراهن في المنطقة تصاعدًا في التوترات بسبب سياسة القتل الوحشي التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية وتعاونها مع الأنظمة ذات التاريخ الدمويّ والإباديّ في منطقتنا والعالم لإبادة الفلسطينيين وإنهاء وجودهم، ويُحذر مراقبون من احتمالية وقوع "حرب شاملة" أو "انتفاضة عارمة" قد تستند إلى ردع العدوان الإسرائيلي ومواجهته.
سياسة تل أبيب ومن معها هي جرائم قتل جماعي، وتهجير كبير، وطرد الأهالي من منازلهم ومصادر رزقهم، إضافةً إلى اعتداءات على المقدسات وعمليات الضم، والشعب يرى أن العقلية الإجرامية للمحتل الإسرائيلي ومن معه لا تزال قائمة وبقوّة، ما يدفعه نحو المزيد من خيارات المقاومة بمختلف أشكالها في غزة والضفة الغربية والقدس، وتتجه الأحداث نحو "الانفجار الكبير" الذي سينجم عن دمويّة الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين، ومن الممكن أن نشهد تصاعدًا ملحوظًا في التوترات والأحداث القادمة ستثبت أنّ أصحاب الأرض لا يمكن أن يتخلوا عنها، والدليل أنّ أعتى المحتلين هنا لم يصمدوا مع أنهم جثموا على صدورنا 400 عام.