الوقت - تفاجأ الکيان الصهيوني بالهجوم واسع النطاق والدقيق للمقاومة الفلسطينية فجر السبت، لأنه لم يكن لديه أي معلومات أمنية وعسكرية عن الطوفان القادم من جهة قطاع غزة، والذي أدی إلى انهيار خطوط دفاع الکيان في الساعات الأولى من الليل.
ومع انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، توغلت حركة حماس في عمق الأراضي المحتلة بسرعة ولم تمنح الکيان فرصةً لاتخاذ قرار، وأظهرت دوريات قوى المقاومة في أزقة وشوارع المستوطنات الصهيونية، أن السياج الأمني في الأراضي المحتلة، خلافاً لادعاءات سلطات تل أبيب، أشبه بـ"قلعة رملية" يبدو من السهل تجاوزها.
إن مقتل العشرات من الجنود الصهاينة واعتقال العشرات، يعطي مؤشرات على تراجع الکيان الصهيوني، لدرجة أن المواطنين الإسرائيليين لا يثقون بقواتهم الأمنية، ويفضلون الهروب إلى المطارات المغلقة.
الضعف الأمني للصهاينة والقوة الصاعدة لمقاومة قطاع غزة خلقا بصيص أمل بشأن مستقبل المعادلة الفلسطينية، ومن أجل دراسة الأبعاد المختلفة لهذه القضية، تحدث "الوقت" مع السيد حسن هاني زاده، الخبير في شؤون غرب آسيا.
الوقت: بأي تحليل وتقييم دخلت حماس الحرب مع الكيان الصهيوني؟
السيد حسن هاني زاده: عملية "طوفان الأقصى" هي عملية معقدة واستراتيجية وفعالة، برز فيها عنصر المفاجأة، وعلى الرغم من وجود أجهزة استخبارات الموساد والشاباك والجواسيس الصهاينة في قطاع غزة، إلا أن المقاتلين الفلسطينيين تمكنوا من التخطيط لهذه العملية وتنفيذها في الأسابيع الأخيرة.
وأظهر تشكيل غرفة العمليات المشتركة بين المقاتلين الفلسطينيين، أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية فقدت فعاليتها أمام الفلسطينيين، وأصبحت مؤسسات عفا عليها الزمن.
ومن الناحية الميدانية أيضًا، فإن إطلاق أكثر من 5000 صاروخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر، وهجمات بنحو مئة طائرة شبح دون طيار باتجاه المنشآت العسكرية والاقتصادية للكيان الصهيوني، ما خلق ظروفاً صعبةً للکيان، أظهر أن منظومة القبة الحديدية التي كانت رمزاً لقوة الردع لهذا الکيان، فشلت في اعتراض صواريخ المقاومة.
والأمر الآخر هو أن الجيش الصهيوني استدعى كل قواته الاحتياطية خلال ساعات قليلة بسبب الهزيمة أمام حماس، وهذا يدل على أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على إدارة المعركة في حروب متناظرة وميدانية.
لذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن الصهاينة المتطرفين هاجموا المسجد الأقصى عدة مرات خلال العام الماضي وأهانوا الرموز الإسلامية، وأن جيش هذا الکيان هاجم مؤخراً الكلية العسكرية السورية في مدينة حمص وقتل عدداً من الضباط السوريين، فإن سلسلة هذه الأحداث دفعت حماس والجهاد الإسلامي إلى التحرك والرد الساحق على الکيان، وهو ما ستنعكس آثاره في تغيير موازين القوى لمصلحة دول المنطقة، وخاصةً محور المقاومة.
الوقت: كما قلتم، رغم كثرة جواسيس تل أبيب في قطاع غزة، والتحليق المستمر لطائرات التجسس والمراقبة عبر الأقمار الصناعية، ورغم وجود الأجهزة الأمنية المختلفة، إلا أن الصهاينة فوجئوا بعمليات حماس، ما هو سبب هذه المفاجأة؟
السيد حسن هاني زاده: السبب الرئيسي هو أن الشباب الفلسطيني تعلموا الآن أساليب الاستخبارات والحماية بشكل جيد، حتى أنهم تمكنوا من التعرف على الجواسيس الإسرائيليين داخل قطاع غزة، ويظهر أن حماس والجهاد الإسلامي قد وصلا إلى مستوى عالٍ جدًا من حيث التكتيكات والاستخبارات لمواجهة الجيش الصهيوني، وهذا جزء من لغز انتصارات طوفان الأقصى التي صعبت الوضع على الکيان الصهيوني.
کما أن استدعاء قوات الاحتياط، فضلاً عن إغلاق كل المطارات وبعض المراكز الاقتصادية في الأراضي المحتلة وفرار آلاف الصهاينة إلى الملاجئ، يدل على أن وضعًا غير مستقر يسود في الأراضي المحتلة.
الوقت: إن الحرب مع الجيش الصهيوني المجهز بأسلحة متطورة ويعمل بعنف شديد، تتطلب أسلحةً مضادةً، لكن رغم التفاوت في العتاد، فإن خسائر الکيان الإسرائيلي كانت أكبر من حروب هذا الکيان مع العرب، فكيف تمكنت حماس، كقوة غير كلاسيكية، من الوصول إلى هذا المستوى من القوة؟
السيد حسن هاني زاده: تعتبر عملية المقاتلين الفلسطينيين في العقود الثلاثة الماضية تجربةً ثمينةً، وبفضل هذه التجارب وصل الشباب الفلسطيني إلى نقطة قوية من حيث الاستراتيجية والتكتيكات والمعلومات من خلال الاعتماد على المزيد من العمل، وتعلموا نقاط ضعف الکيان الصهيوني جيداً، ومجموعة هذه العوامل أدت إلى أن تأخذ المقاومة زمام المبادرة الميدانية.
الوقت: إلى أي مدى يمكن أن تؤدي هذه العملية إلى الانتفاضة الثالثة؟ وهل هناك احتمال لدخول فصائل المقاومة بما فيها حزب الله إلى الميدان؟
السيد حسن هاني زاده: في الحقيقة فإن التطورات المستقبلية تعتمد على الاتجاه الذي سيسير فيه الوضع الميداني، حالياً تتمتع جماعتا حماس والجهاد الإسلامي بالتفوق الميداني، وإذا تطلب الأمر فإن الحرب ستمتد من الأراضي المحتلة إلى دول محور المقاومة الأخرى بما فيها لبنان، وسيتم تشكيل جبهة واسعة في مواجهة الاحتلال.
منذ السبت الماضي، وضعت قوات حزب الله في حالة تأهب قصوى في جنوب لبنان، ما يشير إلى أن المنطقة تتجه نحو صراع كبير، وإذا لم تتدخل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، فإن هذه الصراعات سوف تستمر، وسوف تشمل بعض الدول الإسلامية.
الوقت: الآن، ما هو واجب البلدان الإسلامية تجاه عمليات الفلسطينيين؟
السيد حسن هاني زاده: العملية الفلسطينية هي اختبار جديد للدول العربية والشعوب الإسلامية، لقد قدمت شعوب المنطقة المزيد من الدعم لشعب فلسطين المظلوم مقارنةً بحكوماتها، وكانت دائماً تدعم قضية القدس، وكما قال المرشد الإيراني الأعلی في خطابه الأخير، لا ينبغي للدول العربية أن تراهن على حصان خاسر.
ولذلك، فإن هذه العملية بمثابة إنذار من المقاتلين الفلسطينيين للعرب المتنازلين، بأن اتفاقيات "أبراهام" محكوم عليها بالفشل، وأن تطبيع العلاقات لا يمكن أن يوفر الأمن للصهاينة.
الوقت: كيف ستكون نتيجة الحرب في الأيام المقبلة؟
السيد حسن هاني زاده: من الطبيعي أن يتغير الوضع الميداني في أي لحظة، حالياً، تم تحرير عدد من المستوطنات الصهيونية على أيدي فصائل المقاومة، والتي كان المتطرفون ينظمون منها مسيرات لمهاجمة المسجد الأقصى.
ويعدّ هذا الإجراء رسالةً للاحتلال بضرورة إعادة النظر في سياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني في المستقبل، وإلا سيتم استهداف كل المستوطنات الصهيونية بصواريخ المقاومة.
الوقت: لقد قال قادة تل أبيب إنهم يريدون تغيير شكل قطاع غزة، هل لديهم مثل هذه القدرة وماذا يقصدون بهذه التغييرات؟
السيد حسن هاني زاده: يستعدّ الجيش الصهيوني لهجوم واسع النطاق على غزة واحتلالها مرةً أخرى، لكن هذا الإجراء سيكلف تل أبيب الكثير، ولن يمنح المجتمع الدولي مثل هذا الإذن للکيان الصهيوني، وهذا الإجراء سيغير اللحمة بين محور المقاومة والدول الإسلامية لمصلحة فلسطين، وسيعاني هذا الکيان من أضرار جسيمة.
لقد انکشفت الآثار الضارة لاحتلال غزة للکيان الصهيوني، فمع أقل من يومين على انطلاق عملية المقاومة، يقال إن اقتصاد المناطق المحتلة أصيب بالشلل، وحتى محطات تحلية المياه في حيفا أُغلقت، لذلك، لا يستطيع الکيان الصهيوني القتال مع جماعات المقاومة لفترة طويلة، وقد أثبت جيش هذا الکيان أنه ضعيف للغاية في الحروب غير المتكافئة.
الوقت: ما هو تأثير هذه العملية على تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية؟
السيد حسن هاني زاده: أصدرت السعودية مؤخراً بياناً أدانت فيه هجمات الکيان الصهيوني، وهذا يدل على أن السعودية تصرفت بشكل متسرع في تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وسيكون لهذه القضية تأثير كبير على عملية تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، وتتسبب في تهميش عملية التسوية.
