الوقت - في مثل هذا اليوم قبل 41 عامًا، وقع أحد أفظع مجازر القرن العشرين في مخيمي "صبرا وشاتيلا".
هذه المجزرة لم تكن المجزرة الأولى في قائمة جرائم الکيان الصهيوني، حيث يمكن العثور على أمثلة أخرى مماثلة مثل مجازر قبية ودير ياسين والطنطورة وغيرها، لكن الفلسطينيين يتذكرونها دائمًا باعتبارها أفظع مذبحة في تاريخهم.
ارتكبت هذه الجريمة البشعة قبل غروب شمس يوم 16 أيلول 1982، وهو العام نفسه الذي هاجمت فيه قوات الاحتلال الصهيوني مدينة بيروت في جنوب لبنان.
يقع مخيما "صبرا" و"شاتيلا" غرب بيروت عاصمة لبنان، وتبلغ مساحتهما كيلومتراً مربعاً واحداً، صبرا هي منطقة إدارية تابعة لبلدية "الغبيري" في محافظة جبل لبنان، وتقع في محيط مخيم شاتيلا.
في 16 أيلول 1982، اشتعلت النيران في سماء مخيمي صبرا وشاتيلا غرب بيروت، وحاول سكان المخيمين العزل الهروب من الاشتباكات إلى مناطق آمنة خارج المخيم.
لكن، وفي خطة معدة مسبقاً، أغلقت آليات قوات الکيان الصهيوني كل طرق الهروب، ولم تسمح للصحفيين بالدخول، حتى تتمكن من قتل الفلسطينيين براحة بال.
حتى نهاية المجزرة في 18 أيلول، لم يكن أحد يعلم بالجريمة المروعة التي حدثت، ولكن مع انتهاء الهجوم، استيقظ العالم على واحدة من أبشع المجازر في القرن، حيث شوهدت الجثث مقطوعة الرأس والرؤوس بلا عيون والجثث الممزقة في كل مكان في المخيم!
استمرت هذه المذبحة لمدة 3 أيام، وخلالها، وبتوجيه ودعم من الصهاينة، ذبح حزب الكتائب اللبناني وميليشيات "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة إيلي حبيقة وسعد حداد، رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً عزلاً بالسكاكين.
وعثر في هذه الجريمة على ما يقرب من 3000 جثة لأطفال ونساء وشيوخ ورجال فلسطينيين، من بينهم نساء حوامل شقت بطونهن، ونساء تعرضن للاعتداء الجنسي قبل قتلهن، ورجال وشيوخ تم ذبحهم، لقد ترك الصهاينة ومرتزقتهم وراءهم ذكرى مؤلمة ومظلمة وحزينة، لا تزال تثقل كاهل نفوس من نجوا من المخيم.
وكانت هذه المجزرة في الواقع انتقاماً من الصهاينة لمقاومة المقاتلين الفلسطينيين التي استمرت ثلاثة أشهر ضد عدوان قوات الاحتلال على غرب بيروت، والذي أُخذ من المدنيين الفلسطينيين بعد موافقة المقاومين على مغادرة المدينة.
بمناسبة الذكرى الـ 41 للمجزرة المروعة، أكدت الجامعة العربية في بيان لها أن مجزرة صبرا وشاتيلا هي المجزرة الأكثر قسوةً ودمويةً من بين المجازر التي حدثت بحق الشعب الفلسطيني... وقال البيان إن هذه المجزرة هي عملية منظمة ومتعمدة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني والأمة العربية برمتها، والتي نفذت بحق مدنيين عزل.
"شارون".. جزّار صبرا وشاتيلا
أحدثت مذبحة صبرا وشاتيلا فضيحةً كبيرةً للصهاينة أمام الرأي العام العالمي، ولهذا السبب حاول قادة الاحتلال التهرب من مسؤولية هذه الجريمة.
في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1982، شكل مجلس الوزراء الصهيوني لجنة تحقيق خاصة لتبرئة نفسه، في خطوة دراماتيكية وكاذبة تماماً، وفي عام 1983، أعلنت لجنة التحقيق الصهيونية نتائج التحقيق من أجل إبعاد الکيان عن ضغوط الرأي العام العالمي، وقررت تسمية أرييل شارون، وزير الدفاع آنذاك، المسؤول المباشر عن المذبحة.
في المقابل، رفض أرئيل شارون قرار اللجنة واستقال من منصب وزير الدفاع دون أن يتعرض للمحاكمة أو العقوبة، إلا أنه في عام 2001 تولى منصباً سياسياً أعلى، حيث انتخب رئيساً للوزراء.
وأصيب شارون، الذي أصبح يعرف بجزار صبرا وشاتيلا، بجلطة دماغية في كانون الأول 2005 ودخل في غيبوبة استمرت ثماني سنوات ولم يخرج منها حياً، تاركاً وراءه تاريخاً دموياً من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.
تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق
لكن بالتوازي مع لجنة التحقيق القضائية الصهيونية، تم تشكيل لجنة تحقيق دولية عام 1982 للتحقيق في انتهاك الصهاينة للقوانين الدولية أثناء غزو لبنان.
تم تشكيل هذه اللجنة المستقلة من قبل قانونيين بارزين من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا، برئاسة شون ماكبرايد، المحامي والسياسي الأيرلندي البارز، الحائز جائزة نوبل للسلام عام 1974.
فور وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا، قررت اللجنة اعتبار عمليات القتل هذه جزءاً من تحقيقاتها، فخصصت فصلاً كاملاً في تقريرها للموضوع، وصدر الحكم النهائي في عام 1983.
وأوضح تقرير هذه اللجنة، أن السلطات أو القوات الإسرائيلية كانت متورطةً بشكل مباشر أو غير مباشر في مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين، واعترفت اللجنة في تقريرها، بأن مجزرة صبرا وشاتيلا كانت جزءاً من عملية سياسية تبنتها "إسرائيل" منذ قيامها لتطهير فلسطين عرقياً من الفلسطينيين، وهي سياسة تعتمد على الترهيب الجماعي للمدنيين، وخاصةً الأطفال والنساء وكبار السن، لإجبار الفلسطينيين على الهروب من بلادهم.
وفي هذا الصدد، أشارت لجنة التحقيق الدولية إلى عمليات القتل التي ارتكبها تنظيم (أراغون) بزعامة مناحيم بيغن (رئيس وزراء إسرائيل)، ونتيجةً لهذا التحقيق، أدان المجلس العام للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1982 المذبحة، ووصفها بالإبادة الجماعية.