الوقت- تجلت التوترات والخلافات بين السعودية والإمارات بأبعاد مختلفة منذ السنوات الماضية، وخاصة بعد أن وصلت الحرب المدمرة في اليمن إلى الجمود، ورغم أن أبو ظبي كانت أهم حليف للرياض في هذه الحرب، إلا أنه كانت هناك خلافات كثيرة بين الجانبين، وفصلت الإمارات طريقها بشكل أو بآخر عن الحليف القديم.
محاولة ابن سلمان تحجيم دور الإمارات الإقليمي والدولي
وفي السياسات الإقليمية والقضايا الاقتصادية وغيرها، كان الوضع على حاله، وكانت العلاقات بين السعودية والإمارات تسير في حالة من التنافس والخلاف؛ وخاصة بعد طموحات الإمارات لزيادة نفوذها الإقليمي والتفوق على السعودية في مختلف القضايا، ولهذا السبب، يعتقد الكثيرون أنه من الصعب للغاية خلق تحالف استراتيجي متماسك بين الرياض وأبو ظبي.
وإلى جانب المنافسة الجيوسياسية والاقتصادية بين السعودية والإمارات، يبدو أن هذه الخلافات تتعمق بسبب جهود قيادة البلدين لرسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا، وفي هذا السياق، شهدنا مؤخراً حملات إعلامية متبادلة بين المسؤولين والأكاديميين السعوديين والإماراتيين ضد بعضهم البعض.
في غضون ذلك، لا يكف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن محاولة الحد من دور الإمارات في المنطقة وعلى المستوى الدولي. وتعتمد استراتيجية السعودية في مواجهة الإمارات على القوة الناعمة، وتستخدم الرياض هذه الاستراتيجية لتقييد الإمارات والحد من تحركاتها في مناطق الصراع مثل السودان واليمن وغيرها.
السخرية من فشل صفقة انتقال "محمد صلاح" إلى الدوري السعودي في الأوساط الإماراتية
لكن في الفترة الأخيرة، وفي الوقت نفسه الذي بدأت فيه الحملة الكبيرة التي أطلقتها السعودية لنقل أشهر لاعبي كرة القدم عالمياً من الأندية الأوروبية إلى الدوري المحلي، يبدو أن الخلاف والتنافس بين أبوظبي والرياض امتد أيضاً إلى مجال الرياضة. وفي هذا السياق، سخر خبراء رياضيون إماراتيون من فشل عقد انتقال "محمد صلاح"، اللاعب المصري، من نادي ليفربول الإنجليزي إلى نادي الاتحاد السعودي.
درجة الاستهزاء بالسعودية من قبل الإماراتيين بسبب عدم انتقال محمد صلاح إلى الاتحاد، أثرت على السعوديين لدرجة أن "عبد الرحمن بن مساعد"، الأمير السعودي وابن عم محمد بن سلمان، تدخل في الأمر لتبرير فشل هذه الصفقة.
وبالإشارة إلى التوتر والخلافات بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، تزعم بعض وسائل الإعلام الغربية أن الخلافات بين السعودية والإمارات لم تنكشف إلا منذ أشهر قليلة. لكن الحقيقة هي أن تقرير وسائل الإعلام هذه يجعل النقاش بسيطا للغاية ولا يقدم معلومات تحليلية مفصلة عن جذور الخلافات بين الجانبين.
ويبدو أن جذور الخلافات بين السعودية والإمارات تعود إلى طبيعة العلاقات العربية – العربية؛ حيث تعتمد هذه العلاقات بشكل أساسي على تحالفات مرحلية وتكتيكية ولم تدخل قط مرحلة التحالفات الاستراتيجية المبنية على تبادل المصالح والالتزام بمواجهة العدو الخارجي.
وحتى الدول العربية، وخاصة دول الخليج الفارسي، التي تجمعها الكثير من القواسم المشتركة من حيث العرق واللون والدين واللغة والثقافة، لم تتمكن من الارتقاء بعلاقاتها إلى حد التحالفات الاستراتيجية، ولم يتم تشكيل مثل هذا التحالف بين الدول العربية حتى بعد مشاركتها الجماعية في حرب اليمن على شكل تحالف تقوده المملكة العربية السعودية.
كما امتد هذا التنافس والخلافات بين دول الخليج الفارسي وعلى رأسها السعودية والإمارات إلى قيادتهما، وجهود كل منهما لتوسيع نفوذه في المنطقة وتطوير مكانته في العالم العربي.
تصاعد التوترات بين السعودية والإمارات في قضية اليمن
في هذه الأثناء، تعود جذور التنافس والخلاف بين السعودية والإمارات في العصر الجديد إلى القضية نفسها التي كان من المفترض أن تخلق تحالفا استراتيجيا بين هاتين الدولتين، وهي الحرب في اليمن، لكن مع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن أجندة الرياض وأبو ظبي في المشاركة في هذه الحرب مختلفة.
وفي الوقت الراهن، وفي وضع لا يوجد حتى الآن أي مؤشر حقيقي لحل قضية الحرب اليمنية، يبدو أن الإمارات قد اتخذت مساراً مختلفاً، يقوم على دعم الجماعات الانفصالية لحماية مصالحها في اليمن، كما أن هذه الجماعات تستخدم أيضاً كقوة ضاربة لدولة الإمارات العربية المتحدة في السيطرة على الموانئ والجزر الاستراتيجية في اليمن، وتخطط الإمارات لتحويل هذه الموانئ إلى مراكز تجارية عالمية.
وبعد حالة اليمن، امتدت الخلافات بين الرياض وأبو ظبي إلى حالة السودان، ووصلت إلى حد أن "محمد الزلفة"، عضو البرلمان السعودي السابق، قال إن الإمارات تريد لعب دور أكبر في اليمن.
كما أعلن هذا المسؤول السعودي أن أبوظبي انسحبت من اليمن بطريقة غير مسؤولة وتحاول تقسيم البلاد إلى قسمين شمال وجنوب.
كما رد "عبد الخليف عبد الله" الأكاديمي الإماراتي على تصريحات المسؤول السعودي المذكور، وقال إن وحدة اليمن لم تكن أبدا من أولويات التحالف العربي.
ومنذ وقت ليس ببعيد، أعلنت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في إشارة إلى الخلافات العميقة بين السعودية والإمارات في مختلف القضايا، أن محمد بن سلمان قال: "الإمارات طعنتنا في الظهر وسيرون ما يمكنني فعله".
ورغم أن السعودية والإمارات حاولتا إخفاء خلافاتهما خلال السنوات الماضية، إلا أن تضارب المصالح والاستراتيجيات لدى الجانبين في كثير من الأحيان اشتدت وجعلت هذه الخلافات علنية وأدت إلى صراعات كلامية بين مسؤولين وأكاديميين وشخصيات في البلدين.
إن إعادة قراءة سياسات السعودية تظهر أن ولي عهد هذه الدولة لا ينوي التوقف عن مساعيه في تحجيم دور الإمارات وتحديد حدود معينة لهذه الدولة في دورها الإقليمي والدولي.