الوقت- يقول المثل الشهير: "والثعبان أيضًا يخاف من الخيط الأبيض والأسود"، هذا المثل أصبح الآن قصة العديد من العراقيين الذين، عند الحديث عن مخيمات عوائل عناصر "داعش" السابقين، تعود ذاكرتهم إلى حرارة الصيف الأسود لعام 2014؛ وهي التجربة التاريخية الرهيبة التي مرت بها الأمة العراقية مع ظهور أفظع جماعة إرهابية عرفتها البشرية، ولكن بعد سنوات من انتهاء خلافة الخوف والرعب هذه، لا تزال تعاني من آثار نفسية واقتصادية واجتماعية سلبية، ما زالوا يناضلون ضدها.
خوف العراقيين ليس في غير محله، لأن معسكرات احتجاز عائلات عناصر "داعش" تم تفسيرها على أنها أرض خصبة للإرهاب، حيث يتم غسل أدمغة الأطفال والمراهقين من قبل النساء والرجال ذوي الأفكار التكفيرية، ويميلون إلى أن يصبحوا الجيل الجديد من جنود "داعش".
إن القلق من عودة انتشار فيروس الإرهاب التكفيري لا يقتصر على الشيعة أو الأقليات الدينية، كما أن أهل السنة الذين كانوا أول ضحايا أعمال التكفيريين، تلمسوا الخطر من وقت قريب، "جبار المعموري"، رئيس اتحاد علماء أهل السنة، حذر أهل السنة العراقيين من خطورة مخيم الهول على أمن العراق والمنطقة، وتحدث عن دور المخابرات الأمريكية في تعزيز الفكر الإرهابي الخطير بين أوساط أهل السنة الذين يعيشون في هذا المخيم.
وأكد في حديث لموقع المعلومات الإخباري أن "مخيم الهول أصبح مكاناً آمناً لتعزيز إرث الفكر المتطرف لأشخاص مثل أسامة بن لادن والزرقاوي والبغدادي منذ سنوات، وان خطر مخيم الهول في سوريا يكمن في تأثير الفكر التكفيري الإرهابي على أمن العراق من خلال دور الأمريكيين في ذلك.
كما أعلن المعموري أن أكثر من 300 إلى 400 أرملة من قادة تنظيم "داعش" الإرهابي يعشن في هذا المخيم، اللواتي قُتل أزواجهن في العراق وسوريا وأماكن أخرى، لكن الآن تقوم الأرامل بغسل أدمغة الأطفال والفتيات وترويج الأفكار المتطرفة بينهم، وتعريفهم بثقافة الموت والقتل.
تجدر الإشارة إلى أن مخيم "الهول" يقع في الأطراف الجنوبية لمدينة الحسكة شمالي سوريا وبالقرب من حدود هذا البلد مع العراق.
وتختلف الإحصائيات حول عدد الأشخاص المتواجدين في مخيمات الناجين من عوائل "داعش"، لكن في المتوسط، تشير التقديرات إلى وجود حوالي 60 ألف شخص من حوالي 60 دولة في هذه المخيمات، معظمهم من السوريين والعراقيين.
وفي وقت سابق، أعلنت وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية، أن أكثر من 8 آلاف عائلة عراقية تتواجد في مخيم الهول بسوريا، غالبيتهم من النساء والأطفال، ثلثي هؤلاء الأطفال تقل أعمارهم عن 18 عامًا وأكثر من نصفهم أقل من 12 عامًا.
وقد أدى الخوف من الولاء للآراء التكفيرية لدى الناجين في المعسكر إلى تأخير عودة هؤلاء إلى بلدانهم حتى الآن.
إن وجود هذا العدد من الشباب الذين يميلون إلى اعتناق الفكر التكفيري، يلفت انتباه السلطات العراقية منذ فترة طويلة ولا يقتصر على الآن، كما حدث في يوليو/تموز من العام الماضي، حيث حذر أيوب الربيعي، النائب السابق عضو اللجنة الأمنية في البرلمان العراقي، من ظهور الجيل الرابع من تنظيم "داعش" خلال السنوات الأربع المقبلة في مخيم الهول.
وقال الربيعي: إن "خطر مخيم الهول له أبعاد مختلفة، لكن أهمها وأساسها هو وجود ما بين 9 إلى 12 ألف مراهق في هذا المخيم، عقولهم جاهزة لتقبل الأفكار المتطرفة بسبب الفراغ الفكري".
وفي هذا الصدد، حذّر أيضاً قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي العراقي، في لقاء عقد في حزيران/يونيو الماضي في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية ببغداد: "وجود أطفال في مخيم تنتشر فيه الكراهية والجريمة، إن هذا الوضع سيخلق جيلا جديدا من الإرهابيين، وأن هؤلاء الأطفال هم الضحايا، وأضاف "يجب محاسبة الإرهابيين وفقا للقانون وعدم الإفلات من العقاب"، وطالب المجتمع الدولي بمطالبة الدول بإعادة رعاياها من المخيم، كما اقترح عقد مؤتمر دولي للوزراء بهدف إيجاد حل لإغلاق هذا المعسكر.
كما رد الأعرجي مجددا الأسبوع الماضي خلال لقائه مع "جان جيروم كزابيانكا" رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي في العراق، على تحرك سلطات مخيم الهول للإفراج عن بعض المقيمين فيه وأشار إلى أن بلاده تقع في المنطقة الشرقية، ويعتبر نهر الفرات في شمال شرق سوريا منطقة خطرة، كما أكد أن الحكومة العراقية مستعدة للتعاون مع البعثة الدولية للصليب الأحمر في كل الأحوال.
وقالت المسؤولة الإدارية في مخيم الهول جيهان حنان، مطلع الأسبوع الماضي، لـ”العربي الجديد”، إن “96 عائلة يبلغ عدد أفرادها 360 شخصاً يغادرون مخيم الهول عائدين إلى مناطقهم ومنازلهم”.
وهذه هي المجموعة الثانية من السكان السوريين التي تغادر مخيم الهول خلال عام 2023، وفي وقت سابق، نهاية العام الماضي، أعادت الإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية مجموعة من أهالي مدينة منبج بمحافظة حلب، ضمت 61 عائلة يبلغ عدد أفرادها 225 شخصاً.
وبدورها أعادت الحكومة العراقية نحو 3 آلاف عراقي بشكل جماعي إلى مخيم الجعدة الواقع على بعد 20 كيلومترا جنوب الموصل في العراق.
أنباء عن اعتقالات في سوريا وكانت هذه هي المحاولة الثالثة لإعادة مواطني قيرغيزستان من سوريا أو العراق بعد عمليتين في مارس 2021 (79 طفلاً) وفي فبراير 2023 (59 امرأة وطفلاً).
تجدر الإشارة إلى أن آلاف الأشخاص من جمهوريات آسيا الوسطى - قرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان - وخاصة في 2013-2015 انضموا إلى تنظيمات إرهابية مختلفة في سوريا والعراق، بما في ذلك تنظيم "داعش".
كما قامت عدد من الدول الأوروبية، مثل كندا وفرنسا والدنمارك، بإعادة بعض رعاياها، لكن لا تزال الدول الأجنبية، وخاصة الدول الغربية، لم تقدم التعاون اللازم لإعادة جميع رعاياها بل ترفض إعادتهم.
في هذه الأثناء، فإن أحد أخطر السيناريوهات على استقرار العراق وسوريا وحتى المنطقة برمتها، هو تزايد المخاوف من تخطيط الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأمريكية والصهيونية لاستغلال وضع مخيم الهول من أجل تحقيق أهدافها لتنشئة جيل جديد من إرهابيي "داعش" من أجل دفع مشروع زعزعة الاستقرار وصناعة الأزمات، وخاصة أن خطط الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في سوريا فشلت في معظمها، وبعد حل الأزمة العسكرية والأمنية، ومع عودة دمشق إلى الجامعة العربية، تمت تهيئة الظروف لنشوء سوريا جديدة وقوية، وهذا يعني أن نهاية الوجود الاحتلالي الأمريكي في سوريا قد اقتربت (بعد العراق).
وحتى الآن فإن وجود الاحتلال الأمريكي الذي رافقه نهب للموارد النفطية في محافظات شمال غرب سوريا، يواجه معارضة وتمرداً من عشائر المنطقة، وهؤلاء السكان المحليون حملوا السلاح لطرد الغزاة والقوات المرتزقة الخاضعة لقيادتهم.
إن الوجود في مثل هذا الوضع المسدود جعل أمريكا ترى أن أفضل طريقة للهروب من هذا الوضع هو إعادة تأجيج الأزمة الأمنية من خلال الناجين من "داعش"، وكما يبدو من كلام وتصريحات السلطات العراقية والسورية، فقد وصلتهم أخبار ومعلومات من مختلف المصادر أن الولايات المتحدة، بتحركاتها وأفعالها الخطيرة، تسعى إلى حشد القوات وأيضا تدريب الموهوبين من الأفراد والجماعات الموجودة في مخيم "الهول" بسوريا لخلق وتشكيل نواة جديدة لإرهابيي "داعش" في هذا البلد والتحضير لجولة جديدة من انعدام الأمن والصراعات بهدف جعل الوضع في سوريا حرجاً.
ويعتقد الكثيرون أنه حتى إنشاء مخيم الهول بهذا الوضع كان بمثابة خطة أمريكية لمنع التدمير الكامل لمواقع الإرهابيين في سوريا والعراق.
لكن إذا كانت دول المنطقة عازمة على التعاون، فمن الممكن إيجاد حل لمخاطر مخيم الهول وغيره من المخيمات في سوريا، ومن طرق تخفيف الأزمة، فصل وانتشار العائلات التي تعيش في الهول، وخاصة النساء والأطفال، إلى مناطق أخرى لمنع تشكيل شبكات مرتبطة بالتنظيمات الإرهابية.
إن إنشاء البرامج التأهيلية والتعليمية للنساء والأطفال هو الحل الرئيسي لتوفير المنصة اللازمة لعودتهم الآمنة إلى المجتمع دون خوف من عواقبها الأمنية.
إن فحص الأشخاص الموجودين في مخيم الهول، وخاصة الرجال السوريين والعراقيين، لتحديد وضعهم القانوني ومن ثم توفير الظروف الملائمة لخلق فرص العمل والحصول على مهنة للدخل السليم، يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في الحد من قدرة التنظيمات الإرهابية على التسلل إلى مخيم الهول وإعادة استيعاب هؤلاء الناس، وهذا يتطلب بالتأكيد تعاون المجتمع الدولي ودول المنطقة لمساعدة الوضع الاقتصادي في المناطق التي مزقتها الحرب في سوريا والعراق.