الوقت- عجّت وسائل التواصل الاجتماعيّ والمواقع الإخباريّة بتصريحات الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء القطري السابق ووزير الخارجية، الذي حذر من وضع العالم العربي الذي وصفه بـ"السيئ"، وقارن ما يحدث حاليًا باجتياح المغول لبغداد وانهيار الخلافة العباسية في القرن الثالث عشر، وقد انتقد بشدة تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي دون مراعاة الحقوق الأساسية للفلسطينيين، وجاءت تصريحات حمد بن جاسم في سلسلة تغريدات عبر صفحته الموثقة في موقع "إكس" أو تويتر سابقاً، حيث تحدث عن التطورات التي تشهدها المنطقة، في ظل التطبيع المجاني من قبل بعض الحكومات العربية كالبحرين والإمارات والسودان والمغرب، والذي انعكس بشكل سلبيّ للغاية على الوضع العربي والفلسطينيّ.
تحذيرات واقعية
بدأ رئيس الوزراء القطري السابق ووزير الخارجية القطريّ حديثه بالقول: "ما أشبه اليوم بالبارحة، بل أكاد أقول إن واقعنا العربي اليوم أسوأ مما كان عليه قبل ثمانمئة عام"، وأوضح أن "أمتنا العربية تمر الآن بمرحلة بالغة الصعوبة تذكرنا بما مررنا به بعد اجتياح المغول لبغداد وانهيار الخلافة العباسية في القرن الثالث عشر"، كما شدد حمد بن جاسم على أنه لا يجب أن نناقش أو نسعى للتطبيع مع "إسرائيل" دون مراعاة حقوق الفلسطينيين، ودعا إلى عدم الاستسلام والاعتماد على الدول التي تدعم تل أبيب، في الدفاع عن حقوقنا، وتوجه للجمهور العربيّ قائلاً: "تتذكرون عندما قلت يومًا كلمة 'التوسل' وقامت الدنيا ولم تقعد، اليوم حتى 'التوسل" من أجل الحد الأدنى من الحقوق أصبحنا عاجزين عنه، والعالم العربي يتمزق ونحن نتوسل فقط لمن يحمينا"، وهي حقيقة لا يمكن التغافل عنها بالتزامن مع الأوضاع التي نعيشها اليوم على المستوى العربيّ.
ويبدو تحذير الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، من وضع العالم العربي الذي وصفه بـ"السيئ"، منطقيّاً للغاية، لأنه قارن ما يحدث حاليًا باجتياح المغول لبغداد وانهيار الخلافة العباسية في القرن الثالث عشر، وقد انتقد بشدة تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي دون مراعاة الحقوق الأساسية للفلسطينيين، وهذا ما حدث بالفعل، وقد أوضح الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، بتأكيد فكرته قائلاً: "لسان حالنا يقول 'افعلوا كل ما تريدون، فقط اسمحوا لنا أن نسرح ونمرح في ملذاتنا'"، وأضاف أثناء خطابه للجمهور: "يا ليتنا نسرح في ملذاتنا ونحن منتصرون ونحافظ على مقدسات وحقوق ومقدرات الأمة التي تتبدد"، وختم رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق سلسلة تعليقاته بالتأكيد على سوء التاريخ الذي يتم كتابته في الوقت الحالي، وتحذيراً من أن التاريخ سيكتبه زوراً من يؤمرون بتزويره.
وتتميز تصريحات الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بأنها تستهدف القضايا المهمة في المنطقة، ويبرز رأيه حول تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وتلقى تصريحاته تفاعلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، فالشيخ حمد بن جاسم آل ثاني شغل منصب رئيس الوزراء وزير الخارجية في قطر من عام 2007 حتى رحيله عن المنصب في 26 يونيو/ حزيران 2013، وتم تعيين الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني خلفًا له في منصب رئيس الوزراء، والشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في وزارة الخارجية (رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الحالي)، بعد تسليم أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة السلطة لنجله الشيخ تميم أمير قطر الحالي.
وسبق أن حذر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني دول الخليج من الاستمرار في سياسات التعامل مع دول الغرب من دون فرض منطقها، وشدد المسؤول القطري السابق على أن الغرب ينسى دول الخليج، ولا يتعامل معها بندية، ولا على أساس المصالح المشتركة، ولا يتذكرها إلا عندما تكون له حاجة ماسة، وإن هذه المعلومات تعكس الدور البارز للشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في السياسة القطرية والإقليمية، وكيف تم التعاطي مع التحديات السياسية والدبلوماسية خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء وزير الخارجية.
هل التطبيع مجاني بالفعل؟
يؤمن الكثير من المحللين والعرب بأن التطبيع مع "إسرائيل" تحت الإجبار والضغط الأمريكيّ كان مجانيّاً، ويشير مصطلح "التطبيع المجاني" إلى تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية مع كيان الاحتلال بشكل طبيعي ودون أي شروط مسبقة، ويمكن أن يكون التطبيع المجاني مثار جدل في العديد من الدول العربية والإسلامية، حيث توجد قضايا تاريخية وسياسية معقدة تتعلق بحرب الإسرائيليين المتعددة على فلسطين وشعبها.
وتتفق وجهات النظر في الغالب حول رفض التطبيع المجاني مع تل أبيب بشكل كبير، ويعتبرونه خيانة للقضية الفلسطينية وتجاهلاً لحقوق الشعب الفلسطيني، وتاريخياً، كانت هناك بعض الدول العربية والإسلامية التي قامت بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، مثل مصر والأردن، وفي السنوات الأخيرة، شهدنا تحركات تجاه التطبيع المجاني من قبل بعض الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، وكانت مراحل التطبيع المجاني تختلف من بلد إلى آخر وتشمل عادة التبادل الثقافي والتجاري والدبلوماسي والتعاون في مجالات مختلفة، ومع ذلك، فإنها قضايا حساسة ومثيرة للجدل وتثير ردود فعل سلبية للغاية في المجتمع العربي والإسلامي.
ومعارضة التطبيع بشكل كامل مع الإسرائيليين، سواء كان ذلك على المستوى الحكومي أو الشعبي، حيث يعتبر مراقبون أن التطبيع يعني التساهل مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي والتخلي عن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، وهناك الكثير من الأفراد والجماعات الذين يرون أن التطبيع الحكومي المجاني قد يكون وسيلة لتدمير فلسطين وإبادة شعبها ولا يمكن أن يساعد في محادثات سياسية لحل الصراع، ويرون أن الحوار والتفاوض مع العدو الغارق بالدماء يمكن أن يكونا طريقًا لتحقيق السلام والاستقرار، لكنه فقط للإسرائيليين في المنطقة، على حساب شعوب الدول المطبعة.
ومن ناحية التعاون الاقتصادي، يرى محللون أن التطبيع الاقتصادي مع "إسرائيل" يمكن أن يفتح بابًا للفرص الاقتصادية والتجارية للكيان وبالتالي القدرة على الانتشار الاحتلالي في فلسطين، ويعتبرون أن التعاون الاقتصادي لا يمكن أن يساعد في تحسين حياة الناس وتعزيز التنمية الاقتصادية في بلدانهم، كما أن التطبيع الحكومي المجاني هو خيار "الجبناء" في ظل الأوضاع الإقليمية الراهنة، ويؤمن كثيرون أن التعاون مع "إسرائيل" لا يمكن أن يكون في مصلحة بلدانهم وأنه قد يكون له أثر سلبي للغاية على الاستقرار والأمن في المنطقة.
الخلاصة، كانت الدول العربية تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أراضيها التاريخية، ولذلك، فإن التطبيع مع تل أبيب يعني التخلي عن هذا الدعم التاريخي والتضحية بالقضية الفلسطينية، مع منح "إسرائيل" شرعية للاستمرار في الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ما يؤدي إلى استمرار انتهاك حقوق الفلسطينيين وتهجيرهم، ما يعني الموافقة على استمرار الانتهاكات الإسرائيلية وتجاهل حقوق الفلسطينيين، وقبل أي شيء يجب أن تتحقق حقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال، لأن التطبيع مع المحتلين يتعارض مع هذه القيم والمبادئ التي يؤمنون بها، فـ"إسرائيل" لا تزال تحتل أراضي فلسطينية وتنتهك حقوق الفلسطينيين، وبالتالي التطبيع معها يعتبر تجاهلاً للظلم والاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.