الوقت- يعلم الجميع، أنّ الحكومات الإسرائيليّة رفضت تقديم أي تنازلات إلى الفلسطينيين في إطار أي اتفاق للتطبيع مع (البحرين، الإمارات، السودان، المغرب)، ومن جانبها، حثت الولايات المتحدة على تحقيق ما أسمته "اتفاقاً تاريخياً" ينهي الصراع العربيّ /الإسرائيلي تحت خدعة اتفاقات "إبراهم"، لكن السعودية أكدت أن الأمر يعتمد على إقامة دولة فلسطينية، وفي مسعى لتحقيق هذا الهدف، زار مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جو بايدن الرياض لمناقشة اتفاق محتمل، وعلّق نتنياهو على هذه الجهود، مشيراً إلى أن "الطريق لا يزال طويلاً ولكنه أبدى اعتقاده بإمكانية تحقيق تقدم"، على حد تعبيره، فيما كانت العلاقات بين الرياض وتل أبيب معقدة على مدى عقود بسبب القضايا السياسية والدينية والإقليمية، وعلى الرغم من وجود بعض التحسن في العلاقات الخفية والتعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية بين الاحتلال والسعودية، فإن التطبيع الرسمي لم يحدث بعد.
الإسرائيليون لا يريدون السلام
"إسرائيل غير مشاركة في المحادثات الأمريكية – السعودية حول التطبيع، كما أكد أن كيانه لن يتنازل عن أي مبادئ تهدد أمنه"، عبارة جاءت على لسان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنجبي، في مقابلة مع هيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان)، وبهذا يظل المشهد السياسي متوقعاً ويتباين بين الأطراف المعنية بالتطبيع، والذي يتطلب الرضوخ الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق يُعَدُّ خطوة نحو تحقيق "السلام في المنطقة"، وبالإجابة على سؤال حول ما إذا كانت السعودية تعتزم إقامة برنامج نووي مدني على أراضيها، أكد المستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن ذلك لا يحتاج لموافقة "إسرائيل"، وأضاف إن هناك العديد من الدول التي تدير مشروعات نووية مدنية وتعمل على توليد الطاقة النووية، وهذا لا يشكل خطراً على هذه الدول أو على جيرانها.
وفيما يتعلق بفكرة تعزيز العلاقات الإسرائيلية السعودية رسميًا، فقد تم طرحها للنقاش منذ أن منح السعوديون موافقتهم الضمنية على تطبيع الإمارات والبحرين للعلاقات مع "إسرائيل" في عام 2020، ووفقًا لتصريح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين لقناة 12 الإخبارية، فإن تل أبيب أقرب الآن من أي وقت مضى من تحقيق اتفاق "سلام" مع السعودية، متوقعًا أن يتم الإعلان عن هذا الاتفاق بحلول مارس آذار المقبل قبل الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر تشرين الثاني 2024، لكن على الجانب الآخر، رفضت عضوة في حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة تقديم أي تنازلات للفلسطينيين في إطار اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية، وصرحت وزيرة المهام الوطنية أوريت ستروك بأنهم لن يوافقوا بالتأكيد على أي شيء من هذا القبيل، وأعربت عن استيائها من التنازلات وتجميد مستوطنات الضفة الغربية.
وبما أن الفلسطينيين يسعون لإقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهذه المناطق هي من بين الأراضي التي احتلتها قوات الاحتلال العسكري في حرب عام 1967، أثارت تصريحات وزيرة المهام الوطنية أوريت ستروك ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير الجدل بشكل كبير، ولم يتضح ما إذا كانت تمثل مواقف حزبهما الصهيوني الديني وحزب "القوة اليهودية" المتطرف على التوالي، ومثل هذه المواقف قد تشكل عقبة سياسية أمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتبر تطبيع العلاقات مع السعودية هدفًا رئيسيًا لسياسة الكيان الخارجية.
ومن الجدير بالذكر أنه تم تكرار التصريحات من قبل وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، وقال إنه ليس لديه مانع من إبرام اتفاقات دبلوماسية مع الدول العربية، ولكنه شدد على أنه إذا كانت هذه الاتفاقات يمكن أن تتضمن تنازلات لمصلحة السلطة الفلسطينية، أو تنازلات عن الأراضي، أو تسليحًا للسلطة الفلسطينية أو أي منح سلطة لمن وصفهم بـ"الإرهابيين"، فإنه يعترض بالتأكيد، وكأن الإسرائيليين يقولون للعالم "سلامنا بالصواريخ والدبابات والقتل لا أكثر"، و"نحن محتلون بالحديد والنار ولا نملك سوى أدوات الموت وسفك الدماء لاستخدامها في تحقيق السلام الصهيوني المنشود".
وفي ظل الحديث عن تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة بسبب توسع حكومة نتنياهو في إقامة المستوطنات اليهودية على أراضٍ يطمح الفلسطينيون في إقامة دولتهم عليها، كما تسببت تعديلات مثيرة للجدل للنظام القضائي، التي قدمتها حكومة نتنياهو التي تنتمي للتيار القومي الديني، في زيادة التوترات، وأشار وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى اتفاقات التطبيع التي تم التوصل إليها مع بعض الدول العربية في وقت سابق، مؤكدًا أن سياسات الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين "لا تشكل عقبة أمام تحقيق السلام"، على حد زعمه.
جرائم إسرائيلية مستمرة
يطرح الجميع سؤال "لماذا لم يفرز التطبيع مع الكيان الإسرائيلي أي تحسن على أوضاع الفلسطينيين"، وجواب هذا السؤال بسيط للغاية، فالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي هو مصطلح يستخدم لوصف إقامة علاقات رسمية وتطبيع العلاقات بين دول عربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، ويجب أن نفهم أن التطبيع ليس حلاً شاملًا لقضية الصراع الفلسطيني مع العدو، وهو لا يعني حلاً نهائيًا لقضية الفلسطينيين، وعلى مر السنوات، وقعت دول عربية عدة اتفاقات للتطبيع مع الكيان، ومع ذلك، لم يحقق التطبيع أي تحسن كبير في أوضاع الفلسطينيين ومشكلة الاحتلال الإسرائيلي، وتظل القضايا الرئيسية للفلسطينيين، مثل الحصول على حقوقهم الوطنية وإنهاء الاحتلال، لا تزال قائمة ولم تحل بل باتت مشكلة كبيرة.
ويواجه التطبيع العديد من التحديات، بما في ذلك التأثير السلبي على القضية الفلسطينية والقضايا العربية-الإسرائيلية في المنطقة، وقد تتأثر جهود التوصل لحل سياسي للصراع بسبب عدم التوافق بين الأطراف المعنية حول مستقبل القضية الفلسطينية، رغم "كذبة السلام" القائمة على إعطاء حقوق الفلسطينيين، كما أن التطبيع بات يؤدي إلى تهميش قضية الفلسطينيين أكثر وتضييع الاهتمام الدولي بمشاكلهم وحقوقهم، وبالتالي، يمكن أن يؤدي التطبيع إلى تجاهل القضية الفلسطينية وتأجيج العداء والاحتقان في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، قد يكون للتطبيع آثار اقتصادية واجتماعية على المستوى الشعبي والاجتماعي في بعض الدول العربية، ويمكن أن يثير ذلك مخاوف واحتجاجات بين الناس، ولإحراز تحسن حقيقي في وضع الفلسطينيين، يجب أن يتم التركيز على العمل من أجل تحقيق السلام الحقيقي والعدالة والمساواة في المنطقة، وإيجاد حل سياسي شامل وعادل يضمن حقوق الفلسطينيين وينهي الاحتلال ويؤمن لهم الحرية والكرامة على أرضهم، وخاصة أن قضية الاستيطان والجنايات في الكيان والأراضي الفلسطينية تثير الكثير من الجدل والانتقادات الدولية، حيث يعتبر الاستيطان توسعًا غير قانوني للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967، بما في ذلك في العاصمة الفلسطينية القدس، وهو أمر معترف به دوليًا وفقًا للقانون الدولي.
وتتضمن الجنايات الواردة في سياق الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين انتهاك حقوق الإنسان، والهجمات على المدنيين، والمصادرة العنيفة للأراضي والممتلكات الفلسطينية، والإبعاد القسري والتهجير القسري للفلسطينيين، وتعتبر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عمومًا أن هذه الممارسات غير قانونية وتعرقل جهود التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقد صدرت العديد من القرارات والدعوات من المجتمع الدولي لوقف الاستيطان والجنايات والعودة إلى مفاوضات سلمية لإنهاء الصراع وإقامة "دولتين" قائمتين بجانب بعضهما البعض.
الخلاصة، تقول تقارير إعلامية إن السعودية تضع شروطًا للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومن بين هذه الشروط إعادة صفقات الأسلحة إلى طاولة المفاوضات، وتسوية صفقات السلاح التي أوقفتها إدارة بايدن، ومن بين الشروط الأخرى التي تضعها السعودية هي تحديد حدود دولة فلسطين، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والتزام تل أبيب بالتزاماتها في اتفاقات أوسلو، لكن "إسرائيل" كعادتها هي من تضع الشروط بالتعاون مع الأمريكيين وحلفائها الغربيين، والخاسر الأكبر هم شعوب المنطقة.