الوقت- يرتبط القرن الحادي والعشرون بالنسبة لتركيا باسم أردوغان، الزعيم السياسي الذي كان وجه السلطة بلا منازع على مدى العقدين الماضيين ولديه أطول فترة حكم في تركيا الحديثة.
خلال الفترة المضطربة لحكم أردوغان، لم يكن لديه القليل من المعارضين، الذين إما رفضهم وانضموا إلى الجبهة المنافسة، أو تمت إزالتهم من ساحة السلطة بسبب قسوة السلطان، والتي تضمنت شخصيات بارزة مثل عبد الله جول، داود أوغلو، علي باباجان، الذين لعبوا دورًا رئيسيًا للغاية في النجاحات الاقتصادية والسياسية لحكومات أردوغان المختلفة، على الرغم من أنه قد لا يكون مفاجئًا وغريبًا أن تنضم مجموعة جديدة من أصدقاء أردوغان السابقين إلى جبهة خصومه، إلا أن قلة من الناس اعتقدوا أن يومًا ما سيحدث الطلاق الأيديولوجي لأردوغان مع جماعة الإخوان المسلمين، وأنهم سيفتحون أفواههم لانتقاد الزعيم السياسي في سنواتهم الأخيرة.
ومؤخراً، أعلنت صحيفة "رأي اليوم'' أنه عقب خطط الحكومة التركية لإعادة اللاجئين السوريين، فتحت بعض الشخصيات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، كالإعلامي علاء عثمان، أفواهها لانتقاد سياسات الحكومة التمييزية بحق اللاجئين السوريين، وفي الواقع، تم تنظيم حملة إعلامية كبيرة من قبل أشخاص ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين بهدف الضغط على الحكومة التركية، لكن هذا ليس سوى الصفحة الأولى لقصة أكبر وأوسع نطاقاً تنذر ببداية حقبة جديدة في العلاقات بين أردوغان والحكومة التركية مع جماعة الإخوان المسلمين.
بعد الإطاحة بالحكومات بمشاركة الإخوان في البلدان العربية، وخاصة في شمال إفريقيا (مصر، تونس، السودان)، يبدو أن هذه الجماعة الآن في حالة أزمة وقلق جديدة، وتتعلق الأزمة الجديدة بالتقارب الأخير في علاقات مصر مع تركيا وقطر، والذي سقط مثل تسونامي سياسي على نشطاء الإخوان في هذه البلدان وفرض قيودًا سياسية واجتماعية مختلفة على جماعة الإخوان في أكبر ملاذ آمن لها منذ عام 2009.
مع اقتراب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا خلال الأيام المقبلة، تظهر الأنباء التي نشرها نشطاء الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي أن عددًا كبيرًا من قيادات الإخوان المسلمين يفرون من تركيا خوفًا من تسليمهم للسلطات المصرية.
بعد إعلان عودة البعثات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى السفراء، فرضت أنقرة قيودًا جديدة على أنشطة جماعة الإخوان وعناصرها في أراضيها، وطالبتهم بعدم نشر أي أخبار مسيئة أو منشورات أو تغريدات تنتقد الحكومة المصرية أو عبد الفتاح السيسي، وهددت بطرد من يخالف هذا التوجيه من تركيا.
أفاد ناشطون إعلاميون في جماعة الإخوان في تركيا، بضغوط المؤسسات الأمنية التركية عليهم بحجة إنهاء إقامتهم وتهديدهم بالترحيل إلى مصر، كما أفادت وسائل الإعلام باعتقال عدد من الأشخاص، حيث تم الإبلاغ عما يصل إلى 60 شخصًا، ونشرت أسماء أشخاص مثل مصعب السماليجي وإسلام أشرف.
يقال إن السلطات التركية طلبت من قيادات الإخوان المسلمين تشجيع بعض شخصيات الإخوان على مغادرة تركيا طواعية وإلا ستسلم المطلوبين لدى الإنتربول بشكوى الحكومة المصرية.
وتحدث مدير مركز دراسات الإسلام السياسي، مصطفى حمزة، لموقع "العرب مباشر"، وأضاف: "أعدت السلطات التركية قائمة بترحيل 100 عضو من جماعة الإخوان المسلمين، بينهم أعضاء غير مصريين في هذه المنظمة موجودون في تركيا".
وفرضت السلطات التركية قيودًا مشددة على حركة قيادات الإخوان البارزين أو مناصريهم، مثل نصر الدين فرج الغزلاني، ومجدي سالم، ومحمد عبد المقصود، ووجدي غانم، وإسلام الغمري، ومصطفى البدري، ورفضت منح الجنسية للثلاثة الأخيرين.
يبدو أن أنقرة بصدد العمل على حل يحفظ ماء الوجه من مأزق استمرار وجود عناصر الإخوان في تركيا، والذي يمكن أن يديم عملية خفض التصعيد مع مصر وحتى الإمارات العربية المتحدة، وهو ترحيلهم في شكل خطة لترحيل طالبي اللجوء غير الشرعيين.
لقد ألزمت طبيعة أردوغان البراغماتية الانتهازية نفسها بهذا الحل مرات عديدة خلال سنوات حكمه الطويلة، ففي ولايته الثالثة كرئيس وفي كفاحه لإنقاذ اقتصاد تركيا الغارق، أصبح من محبي جماعة الإخوان المسلمين، ولكن الآن يبدو أن دعم الإخوان المسلمين برأي أردوغان لم يعد يقوي العمق الاستراتيجي لتركيا في العالم العربي وأصبح عبئًا إضافيًا على سفينته الحاكمة.
وضع الإخوان في الدولة الأخرى المهمة التي تدعم هذا الاتجاه، وهي قطر، ليس أفضل من وضع الإخوان في تركيا، ويقال إن الدوحة طلبت في الأشهر الأخيرة من 100 شخصية من جماعة الإخوان المسلمين مغادرة هذا البلد، هذا على الرغم من الأنباء التي تفيد بترحيل 250 مواطنًا مصريًا من قطر.
الإخوان يبحثون عن ملاذ آمن جديد
دفع الطرد من جنتَي الإخوان في المنطقة القادة والهيئات التنظيمية للإخوان إلى البحث عن فضاء جديد لمواصلة حياتهم السياسية، ووفقًا لتقارير إعلامية عربية، فإنهم يفكرون في مجموعة متنوعة من البلدان في العالم من أوروبا الشرقية إلى أمريكا الجنوبية واللاتينية كوجهة جديدة لهم.
تم الإعلان عن إحدى الوجهات المحتملة لوجود الإخوان المسلمين في البوسنة والهرسك، بناءً على تقرير بعض المراقبين العرب حول الكشف عن مفاوضات الاجتماعات المتتالية للإخوان المسلمين في اسطنبول بتركيا.
في الآونة الأخيرة، انتشرت أنشطة الإخوان في البوسنة في وسائل الإعلام، وخاصةً شخص يُدعى الدكتور أحمد الملت، والذي تم تقديمه كواحد من قيادات الإخوان والمشرف على بعثات الإخوان في البوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان.
بينما يرى خبير في قضايا الإرهاب الدولي أن "خطة الإخوان للحصول على تأشيرات عبور إلى أوروبا تواجه مشاكل وتحديات"، في الوقت نفسه، أثار موقع العين الإخباري المصري إمكانية إرسال أعضاء هذه الجماعة من تركيا إلى ألمانيا.
وحسب تقرير لجنة حماية الدستور على المستوى الاتحادي في مصر، فقد زاد عدد العناصر الرئيسية لجماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا بشكل ملحوظ خلال عامين، حتى أنه وفقًا لإحصاءات هذه الهيئة، ارتفع عدد عناصر الإخوان الناشطين في ألمانيا من 1040 شخصًا عام 2018 إلى 1450 شخصًا عام 2021.
وقد تم ذكر باراغواي والبرازيل والأرجنتين كوجهات أخرى محتملة لنقل أنشطة قيادات الإخوان المسلمين والعمل التنظيمي، بل يقال إن هذه المنظمة تمكنت من اختراق الدوائر المالية والتجارية للبرازيل من خلال الأنشطة الاقتصادية والتجارية، ولا سيما إنشاء مراكز تسوق كبيرة بعلامة الطعام الحلال وتجارة البن، بل وتحولت إلى الأنشطة الانتخابية.