الوقت- أرسلت وزارة الخارجية العراقية مذكرة إلى الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي وطلبت استضافة اجتماع طارئ لهذه المنظمة في بغداد بشأن مناقشة موضوع تدنيس القرآن الكريم في السويد، وخاصة أن الهتاك هو من أصول عراقية وأن الحكومة والنظام القضائي في هذا البلد تريد تسليمه لمحاكمته في بغداد.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) عن المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد الصحاف قوله إن العراق أرسل مذكرة رسمية إلى الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي.
وقال الصحاف: إن العراق أرسل مذكرة رسمية إلى الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي أكد فيها رغبة بغداد في استضافة اجتماع طارئ رفيع المستوى في العاصمة العراقية لمناقشة موضوع التدنيس وحرق المصاحف في السويد.
وكان أضرم "سلوان موميكا"، المتطرف من أصل عراقي، البالغ من العمر 37 عامًا، الأربعاء الماضي بإذن من الشرطة السويدية وبحضور العشرات من الأشخاص، النار في مجلد من القرآن الكريم أمام مسجد ستوكهولم الكبير، وقوبل عمله بموجة من الإدانة الدولية، في ظل تأكيد السلطات العراقية وشخصيات سياسية ودينية ومختلف فئات الشعب على المطالبة بتسليمه.
يقول "وليد المقدادي"، أحد الصحفيين الذين يحققون في تاريخ سلوان موميكا وتوجهاته: إن سلفان من محافظة نينوى شمال العراق وهو متطرف ليبرالي وملحد.
وفي إشارة إلى حقيقة اعتقال سلوان موميكا في العراق عام 2017 بتهمة ارتكاب انتهاكات وجرائم حرب، قال المقدادي: إنه تم الإفراج عنه بتدخل دول أجنبية ثم أصبح لاجئًا في السويد وهو حاليًا منتمٍ إلى أحد الأحزاب العنصرية السويدية.
وقال المقدادي، المقيم في السويد والمطلع على أوضاع الجاليات العربية في هذا البلد، في مقابلته ببرنامج "الخطاب القصير" لشبكة إليوم الروسية، إن سلوان موميكا يبحث عن الشهرة فقط، ولو كانت لديه فكرة خاصة لما تصرف على هذا النحو.
هذه هي الحالة الثانية من تدنيس القرآن الكريم وحرق هذا الكتاب المقدس في السويد منذ بداية العام الحالي، لأن زعيم الحزب اليميني المتطرف "المتشدد" راسموسن بالودان قام في السابق بإحراق الكتاب المقدس للمسلمين أمام السفارة التركية في السويد.
أثار تدنيس القرآن الكريم مرة أخرى، هذه المرة من قبل سلوان موميكا في السويد، موجة من الإدانة واسعة النطاق بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وحكومات ومسؤولين وشخصيات سياسية ودينية وشرائح مختلفة من الأمم، وخاصة المسلمين، مع إدانة إهانة القرآن الكريم، وطالب بوضع قوانين خاصة لتجريم إهانة المقدسات والأديان السماوية على المستوى الدولي وحماية القيم الدينية.
وطلب النظام القضائي والحكومة العراقية، في ظل تركيز السلطات والشخصيات السياسية والدينية ومختلف فئات الشعب، تسليمه إلى العراق لمحاكمته.
"الإسلاموفوبيا" مفهوم يَعني حرفيا الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، إلا أنه في الواقع نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين.
السياق التاريخي للاسلاموفوبيا
يُرجع مؤرخو الحقبة الاستعمارية أول استعمال لمفهوم "الإسلاموفوبيا" (Islamophobia) -الذي يعني "رُهاب الإسلام" أو الخوف المرضي من الإسلام- إلى بدايات القرن العشرين.
فقد استعمل علماء اجتماع فرنسيون هذا المفهوم لوصف رفض جزء من الإداريين الفرنسيين ومعاداتهم للمجتمعات المسلمة التي كانوا يتولون إدارة شؤونها في زمن الاحتلال، ويُفترض أن يتعايشوا معها ويندمجوا في أنساقها الاجتماعية، نظرا لما تُمليه المهام الإدارية والسياسية المسندة إليهم.
والواقع أنَّ ذلك الرفض وتلك الكراهية مصدرهما عنصري بالدرجة الأولى، ثم ثقافي ونفسي مردُّه إلى الخطاب الاستعماري نفسه الجاهل بالإسلام والمخوف منه ومن المسلمين، بحكم سابقِ عن ريادةِ الحضارة العربية الإسلامية للعالم في القرون الوسطى.
يرى جزءٌ آخر من علماء الاجتماع واللسانيات أن الإسلاموفوبيا ازدهرت كمفهوم مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، إذ استُخدم هذا المفهوم ورُوج له من قبل مرجعيات دينية شيعية محافظة لفرضِ ارتداءِ الحجاب. فوُصم بمعاداة الإسلام أو الإسلاموفوبيا كل من يُعارض فرض الحجاب في الأماكن العامة، كما وُصمت به النساء الرافضات ارتداء الحجاب لدوافع ثقافية أو اجتماعية.
ازدهر مفهوم الإسلاموفوبيا في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة وتحديدا إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 التي وقعت في الولايات المتحدة وتبناها تنظيم القاعدة، وأحدثت تحولا نوعيا في واقع العلاقات الدولية واحتُل إثرها بلدان إسلاميان هما العراق وأفغانستان.
وقد أعاد ذلك طرح إشكالية المواجهة بين الإسلام والغرب التي بشَّر بها عددٌ من المفكرين الغربيين المتصهينين منذ نهاية الحرب الباردة، إذ روجوا لبروز الإسلام باعتباره عدوا جديدا للغرب بدلا عن الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفياتي، وروَّج بعضهم لفكرة انتهاء "الخطر الأحمر" الشيوعي وبروز "الخطر الأخضر" الإسلامي.
في عام 2005، دخل مفهوم الإسلاموفوبيا إلى المعاجم الفرنسية بدءا بمعجم ( Le petit Robert) الذي عرف الإسلاموفوبيا كالتالي: "شكل خاص من الحقد موجه ضد الإسلام والمسلمين، يتجلى بفرنسا في أفعال عدائية وتمييز عنصري ضد المهاجرين المنحدرين من أصول مغاربية".
إذن، يبدو التداخل جليا بين المشاعر العنصرية ضد العرب والأمازيغ وكراهية الإسلام. ويُحيل هذا المعطى على الربط الآلي بين الانتماء العرقي والانتماء الديني.
فالمنحدر من شمال أفريقيا مربوط بالإسلام عضويا مع أن فئات من هذه المجموعات المهاجرة غير متدينة، وبعضها وهنت روابطه بالإسلام حتى كادت تنعدم نظرا للمثاقفة المترتبة على توالي أجيال عديدة، نشأت وتربّت في بيئات المهجر البعيدة في كثير من الأحيان عن التدين عامة وعن الإسلام خاصة.
تجليات الإسلاموفوبيا
نما مع ظهور الإسلاموفوبيا -في كثير من الأقطار الغربية- خطابٌ سياسي يميني متطرف يسعى بشكل حثيث إلى استثمارِ الوضع الدولي المترتب على هجمات 11 سبتمبر وما اتسم به من خطابٍ إعلامي معادٍ للإسلام، والواقع الاجتماعي في الغرب وما يُميزه من مشاكل الهوية والاندماج وخاصة بالنسبة للمسلمين والعرب.
وفي ضوءِ هذه العوامل، نشأ شعورٌ عنصري مناوئ للمسلمين والعرب وللإسلام، أزكاهُ الجهل المستحكم بالإسلام لدى فئات واسعة من المجتمعات الغربية، وخطابٌ محرض لدى بعض وسائل الإعلام وآخر متهافت وجاهل بالإسلام لدى أكثر المنابر الإعلامية اعتدالا.
سعت الأحزاب اليمينية المتشددة و"الشعبوية" إلى استثمار المناخ اللاحق على هجمات 11 سبتمبر في تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين وتوظيفه لغايات انتخابية، فظهرت شعارات منها أسلمة أوروبا والتهديد الإسلامي الخفي، وغير ذلك من الشعارات التي وفرت لليمين المتطرف خطابا مسموعا عوضه عن ضعف خطابه السياسي ومحدودية البدائل الاقتصادية والاجتماعية التي يُقدمها.
تجلت نتائج هذا الخطاب في تنامي الأعمال العدائية ضد المسلمين والعرب وفي حق المساجد ومقابر المسلمين التي تعرضت للتدنيس في أكثر من مناسبة، كما ظهرت مجموعات من شبان اليمين تعتدي بشكل منظم ومنهجي على المسلمين في شوارع وأزقة المدن الأوروبية كلما سنحت لها سانحة.
وأججت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2007 موجة الكراهية ضد المسلمين، وبات اليمين المتطرف يُروج لفكرة ظالمة مفادها بأن الهجرات القادمة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط هي سبب الأزمة، وأن هؤلاء المهاجرين باتوا يُزاحمون الأوروبيين الأصليين في الحصول على فرص ويُكلفون الميزانية العمومية نفقاتٍ باهظة، وفي الوقت نفسه يبنون مستقبلهم في بلدانهم الأصلية عبر استثمار ما يجنونه في المهجر.
ومع موجات اللجوء الكبرى القادمة من سوريا والعراق ودول آسيوية عبر تركيا عام 2016، ازدهر خطاب الكراهية من جديد، وكشفت قراراتُ عددٍ من الدول بإغلاق حدودها مع اليونان ودول البلقان نزعة دفينة للشعور القومي الذي سبق له أن جرَّ على أوروبا ويلاتٍ لا تُحصى.
انتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا بسرعة في البلدان الأوروبية، وباتت أخبار الاعتداء على المسلمين تأتي من معظم العواصم الأوروبية، حيث شهدت العاصمة البريطانية لندن في أبريل/نيسان 2017، اعتداءً على امرأة محجبة تم إنزالها من حافلة نقل عام عنوةً.
كما تعرضت عدة نساء محجبات لاعتداءات مشابهة عام 2016 في لندن، وتضمنت الاعتداءات أعمال ضربٍ في الشارع، وإزالة للحجاب. وذكر بيان لجمعية مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا، أن البلاد شهدت عام 2016، حدوث 419 جريمة تمييز، و39 جريمة مضايقة وتحرش، و25 هجومًا، و98 حادثة خطاب يحض على الكراهية واعتداء على المباني الدينية.
وشهدت بلدة هينان بومونت، شمال فرنسا، في 30 مايو/أيار 2017، اعتداء شخص على امرأة كانت تجلس بجوار طفلها في حديقة عامة، وتضمن الاعتداء إزالة الحجاب وضرب المرأة على رأسها.
وبعد اعتداء تشارلي إبدو، شن أحد المتطرفين هجومًا على منزل فرنسي مسلم يدعى محمد المعقولي، وقال له: "أنا إلهكم"، قبل أن ينقض عليه ويطعنه 17 مرة أمام زوجته.
وفي النمسا، سجلت أحداث الاعتداءات النابعة عن كراهية الإسلام زيادة بنسبة 65%، حيث تعرض المسلمون هناك لاعتداءات أثرت على حياتهم اليومية.
وفي سبتمبر/أيلول 2016، شهدت العاصمة النمساوية فيينا، اعتداء مواطن نمساوي على مواطنة نمساوية من أصل تركي أويغوري، وتدعى شهربن دورماز (51 عاما)، حيث اعتدى المواطن النمساوي على دورماز، بالضرب ونزع الخمار عن رأسها.
وأظهر تتابع هذه الاعتداءات أن الهجمات التي يتعرض لها المسلمون ليست من الممكن أن تكون عبارة عن أحداث فردية، فيما أشار المركز الاستشاري للمسلمين في النمسا، في تقرير نشره حول العنصرية المرتكبة ضد المسلمين عام 2016، أن نسبة الهجمات ضد المسلمين زادت في ذلك العام بنسبة 65%.
إلى ذلك، شكل قرار محكمة العدل الأوروبية حول منع ارتداء الحجاب في أماكن العمل، أرضية تمهد لازدياد نسبة الهجمات المعادية للإسلام.
وأضاف تقرير المركز الاستشاري للمسلمين في النمسا، إن نسبة الهجمات كانت ترتفع دومًا قبيل الانتخابات في الدول الأوروبية.