الوقت-لا يخفى على أحد أن الاهتمام الأمريكي ظهر بمنطقة المغرب العربي منذ نيل هذه الدول استقلالها في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي، والتنافس بين موسكو وواشنطن في فترة الحرب الباردة لاستمالة العواصم المغاربية لأحد المحورين الشرقي الشيوعي أو الغربي الرأسمالي، وتوجت هذه السياسة بنجاح واشنطن في استمالة المملكة المغربية وتونس في مقابل ميل ليبيا والجزائر نحو الاتحاد السوفييتي، ثم تطور هذا الاهتمام بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، عبر المقترح الأمريكي لمشروع الشراكة مع منطقة المغرب العربي والذي أطلق عليه اسم مشروع (ايزنستات) المنافس للمشروع الأوروبي للشراكة.
وفي هذا السياق يمكن القول إن العلاقات المغربية الأمريكية تفرز تشابها في مقاربة الطرفين للقضايا التي يطرحها النظام الدولي تعود إلى تماشي النظام الملكي المغربي مع الخط العام للمصالح السياسية والاقتصادية الأمريكية في المنطقة العربية والإفريقية. وقد ساهم في توثيق العلاقات بين المملكة المغربية و الولايات المتحدة الأمريكية عدة عوامل شكلت دوافع للبلدين للمضي في هذه العلاقات ومن أهم هذه العوامل : الأهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافي للمملكة المغربية، إذ تأتي مكانة المغرب في الاستراتيجية الأمريكية في سياق تحكمه عدة محددات، تتمثل في رغبة أمريكا في استغلال الموقع الاستراتيجي للمغرب بصفته دولة تنتمي إلى عدة وحدات إقليمية ودولية مهمة.
فالمغرب دولة عربية، إسلامية، افريقية ومتوسطة، وكل واحد من هذه الأبعاد يقودنا إلى المصالح الأمريكية في المنطقة واستراتيجيتها لتحقيق هذه الأهداف، فالمغرب في إطاره الإقليمي يكتسي أهمية كبرى بسبب علاقته الحيوية بالأمن في البحر المتوسط والأهمية الاستراتيجية كممر بحري ضروري لاقتصاد الدول الغربية.
مقترح أميركي بضم المغرب إلى القيادة العسكرية الأمريكية
إن التقارب السياسي الحاصل بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، سوف يعطى بوابة أخرى للاستثمار الأمريكي في اقليم الصحراء، وهي ممر سيفتح المجال لأن تتجه الاستثمارات والسلع المنتج أو المصنع إلى غرب إفريقيا وهذا بعد استراتيجي بعيد المدى، لذلك ظهر مقترح أميركي يهدف إلى ضم المغرب إلى القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط بهدف تعزيز التصدي لـ”التهديد الإيراني” في المنطقة في ظل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتسارع “المد الإيراني” و”الصيني”.
وفي هذا الصدد من المحتمل أن ينضم المغرب، الذي ينظم الأسد الأفريقي (أفريكوم) سنويًا، إلى القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط (سنتكوم) وذلك بناءً على اقتراح من السيناتور مارك كيلي، عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ويهدف اقتراح المغرب في مجلس الشيوخ للانضمام إلى تدريبات الجيش الأميركي للمساهمة في التصدي لما أسماه كيلي بـ”التهديد الإيراني” في المنطقة، وإضافة إلى التمارين المقررة من قبل أفريكوم (قيادة الولايات المتحدة لأفريقيا)، قد يُطلب من المغرب المشاركة في التمارين المنظمة من قبل الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، سنتكوم.تغطي الأخيرة، وهي واحدة من إحدى عشرة قيادة قتالية موحدة في الولايات المتحدة، منطقة واسعة من مصر إلى أفغانستان.
غزو أمريكي عبر البوابة المغربية .. ما هي الأهداف؟
تم الاقتراح بدمج المغرب في سنتكوم من قبل السيناتور الديمقراطي من ولاية أريزونا، مارك إدوارد كيلي، الذي كان جزءً من وفد من السيناتورات الأمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الذين زاروا المملكة في يناير 2023 بعد اجتماع نيجيف.السيناتور، الذي يحظى بتقدير رأيه داخل مجلس الشيوخ الأمريكي، قدم رسميًا توصية بدمج المملكة، حيث يعمل كيلي حاليًا على تشجيع انضمام المملكة الى التمارين التي تنظمها سنتكوم الأمريكية.
تم نشر هذه التوصية على موقعه الرسمي، في بيان يعلن أولويات السيناتور بموجب مشروع الدفاع، وذلك على ضوء تقديم مقترحات مشروع ميزانية الدفاع للجيش الأمريكي لسنة 2024.وينص القانون المقترح، على ضرورة إجراء تقييمات للتهديدات للحد منها.
ويأتي ذلك، أيضا، في إطار زيارة وفد من السيناتورات الأميركية وأعضاء جمعية اتفاقيات إبراهام. وبعد ذلك، كانوا قد أجروا زيارة الى الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وإسرائيل.
وقال كيلي انه على يقين بـ”أهمية وجود جيش بحجم المغرب ضمن تدريبات الشرق الأوسط”، وهو المجال الذي حرصت واشنطن على تعزيز وجودها العسكري به، والتنسيق المستمر مع الحلفاء الإقليميين حول “التهديدات” التي تحيط بأحد أكبر المناطق “المتوترة أمنيا” بالعالم.
ويأتي مقترح كيلي، وفق موقع “موروكو لاتيست نيوز” في خضم استعداد مجلس الشيوخ لاستقبال التوصيات حول مشروع إعداد قانون ميزانية الدفاع لسنة 2024، في ظل “تعاظم” التهديدات التي تواجهها واشنطن منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتسارع “المد الإيراني” و”الصيني” بإفريقيا والشرق الأوسط.
دوافع الاهتمام الأمريكي بشمال إفريقيا
لا يجب ان يغيب عن بالنا ان الولايات المتحدة تحاول أن تجد لها موطئ قدم في منطقة نفوذ فرنسية أولا و أوروبية وهي مرشحة أكثر من القوى الاستعمارية السابقة في المنطقة (فرنسا واسبانيا ) للعب دور تصالحي بين دول المنطقة من شانه ان يبعث الحياة في اتحاد المغرب العربي المجمد بسبب مشكلة الصحراء الغربية. فلطالما أحجمت فرنسا صاحبة التاريخ الطويل في المنطقة عن بذل أي جهد حقيقي للوصول إلي تسوية بين المغرب والجزائر حول مشكلة الصحراء ورأت بدلا من ذلك الاستفادة القصوى من نفوذها في كل المجالات ولكنها لم تر في تسوية هذه المشكلة ما يخدم مصالحها وهي رِؤية قاصرة جعلت من الدور الفرنسي محل شك من قبل أهل المنطقة.
أما الولايات المتحدة والتي لا تاريخ استعماري لها في المنطقة وهي لاعب جديد وقوة عظمى مؤهلة الي النفاد من الإطار الاقتصادي الي الإطار السياسي خاصة مع تزايد التحديات الأمنية المهددة لاستقرار عدد من الدول خاصة موريتانيا و الجزائر.كما أن البعد الاقتصادي في المغرب بالسبة للولايات الامريكية يمكن أن يوفر للحكومة الأمريكية مخرجا بديلا عن فشلها في إحراز أي تقدم في الشرق الاوسط.
مصير المقترح الأميركي بضم المغرب هو الفشل
بعد فشل مشروع "حلف الناتو العربي" الذي دعا إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي كان يهدف بالدرجة الاولى إلى حماية المصالح الأميركية بالدرجة الأولى، ومدخل واسع لترامب ينطلق منه نحو تحقيق المزيد من الوعود الانتخابية للجماهير الأميركية، من خلال سحب مليارات الدولارات عبر تأسيس هذا الحلف، ومن خلال إعداده وتجهيزه بالمعدات والأسلحة والخبرات والتدريبات وغيرها. في المقابل هذا الحلف قد ولد ميتا بسبب الخلاف العربي المعقد والمعتاد، تأزمت الأمور وتوترت الأجواء في المنطقة بعد تكرار حوادث تخريب الناقلات وضرب مصافي النفط التابعة لأرامكو، الهدف المعلن لتشكيل الناتو كان هو التصدي لكل أشكال الإرهاب، وفي الواقع كانت دعوة سعودية ومحاولة منها لحشد أكبر عدد ممكن من التأييد العربي والإسلامي لمواجهة إيران، لكن انتهت القمم الثلاث دون نتيجة تذكر، وربما لا يخفى على المراقب سبب الإخفاق السعودي في استثمار ذاك التجمع العربي الإسلامي في القمم الثلاث، فقد تعقدت وتأزمت علاقاتها بكثير من عواصم القرار العربي: القاهرة وعمّان والدوحة والرباط، فضلا عن عدة عواصم إسلامية أيضا، وهي عوامل أضعفت أي جهود تُبذل لإنشاء الناتو العربي.
من الجدير بالذكر في هذا السياق، وبعد أن تلاشى مشروع الناتو العربي تقريبا، التحول النوعي الذي ظهر على الصوت الإماراتي -أقوى حلفاء السعودية- حيث كتب وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش أنه لا يمكن معالجة التوتر في الخليج إلا سياسيا.وطلب دورا للقوى الإقليمية في التهدئة، وهو ما اعتبره مراقبون كُثر كلاما عاقلا حكيما يحتاج إلى ترجمة واقعية على الأرض.
في الختام تبرز تداعيات التدخل الأمريكي في المنطقة المغاربية إلى سعي الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين لملء الفراغ السياسي الذي خلّفه تراجع الوجود الأوروبي في المنطقة العربية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ استخدمت الولايات المتحدة جميع الوسائل المتاحة لديها من ضغط سياسي واقتصادي وعسكري وبناء القواعد وعقد الأحلاف والمعاهدات، واحتكار دور حماية القانون الدولي وتأكيد شرعية الأمم المتحدة خدمة لمصالحها.فقد أدركت الولايات المتحدة أن في الشمال الأفريقي دولاً ذات مواقع جيوستراتيجية كالمغرب تجعلها مؤهلة لجذب الأطراف الدولية الفاعلة، وتمكنها من أن تكون في موقع مؤثر في العلاقات مع القوى الكبرى؛ فالأمن الأمريكي طالما ارتبط بأمن إقليمي وعالمي، والدول الأفريقية المطلة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي تعد ذات إمكانات استراتيجية عظيمة، والمنطقة المغاربية بالأخص تمثل لصانعي القرار في واشنطن من الناحية الجيوسياسية الجناح الغربي للشرق الأوسط الكبير والمنفذ الرئيس للقارة الأفريقية.