الوقت - لم تتوقف تداعيات الأحداث على الساحة الفلسطينية عند حدود فلسطين فقط، بل اتجهت غرباً لتلقي بظلالها على لقاءات وقمم، ومنها "قمة دول إبراهيم"، التي أرجأها المغرب إلى موعد لاحق.
فقد أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في تصريح هو الأول للوزير المغربي بخصوص قمة “النقب” تأجيل القمة التي كان مقرراً تنظيمها في بلاده، بسبب الأوضاع السياسية بالمنطقة، وكان إعلانه التأجيل خلال مؤتمر صحفي مشترك جمعه بوزير الخارجية السويسري إغناسيو كاسيس، في العاصمة المغربية الرباط إذ قال: إنّ المغرب كان قد اقترح استضافة القمّة وكانت محاولات لعقدها خلال الصيف.. وإن قرار التأجيل يتعلق في جانب منه بالجدول الزمني لكنه يرجع أيضا إلى أن هناك سياقاً سياسياً من شأنه ألا يتيح لهذا الاجتماع أن يثمر النتائج المرجوّة.
وأكد بوريطة موقف المغرب المتمثل برفض التصرفات الاستفزازية والأحادية التي تؤثر سلباً على فرص السلام وتقوض جهود تحقيقه، وقال: المملكة دائماً مؤمنة بالحوار وخلق الجو المناسب للتفاوض من أجل التوصل إلى حل الدولتين، تعيشان جنبا إلى جنب، وقيام دولة فلسطين في حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
وتابع بوريطة: إن المغرب يستنكر الهجوم الإسرائيلي الأخير على مدينة جنين، وإن المملكة تعبر عن تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني الشقيق، وتتابع بانشغال كبير التطورات المقلقة التي تعرفها الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما أشار بوريطة فيما يخص الاستيطان إلى أن المملكة "ترفض القرار الحكومي الإسرائيلي الأخير بتوسيع النشاط الاستيطاني في الضفّة الغربية".
فانتفاء السياقات السياسية غير المناسبة قد يدفع لعقد قمة مقبلة وهو ما أوضحه الوزير المغربي بقوله عن القمة المرتقبة: إنها تحتاج إلى توفر شروط موضوعية كي تحقق أهدافها، وخاصة فيما يدعم الأمن والسلام بالمنطقة.
وذكر الوزير المغربي أن بلده يتطلع إلى تنظيم قمة النقب بداية الموسم السياسي المقبل، قائلاً: نعتقد أنه يمكن للاجتماع أن يلتئم خلال الدخول المقبل في المغرب، ونأمل أن يكون السياق ملائماً لانعقاده. مشيراً إلى أن المغرب يعتبر قمة النقب إطاراً للتعاون الإقليمي المفيد.. والذي يمكنه أن يفضي إلى إيجابيات كثيرة، وحاملاً لفكرة الحوار وتخفيف التوترات التي تشهدها المنطقة ومؤكداً ارتياح المغرب لردود الفعل الدولية الرافضة للاستيطان.
ومن جانب آخر، لا رد من الجانب الإسرائيلي على قرار الرباط تأجيل القمة، إذ رآها البعض إخفاقاً سياسياً للحكومة كما قال يائير لابيد الذي أشرف على تنظيم قمة العام الماضي حين كان في السلطة: إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تسجل "فشلا إثر فشل"، و"ليست هذه هي الطريقة التي يجب بها إدارة السياسة الخارجية".
أما حكومة الكيان الإسرائيلي أكملت الخوض في التعسف والعنجهية، إذ قال وزير ماليتها بتسلئيل سموتريتش، الذي يتولى أيضاً مهام أمنية تمنحه دوراً بارزاً في إدارة الضفة الغربية: "سنواصل تنمية المستوطنات وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأرض".
ومن جهة أخرى، قال متحدث باسم الأمم المتحدة: إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش، حث "إسرائيل"، الاثنين، على وقف ما وصفها بقرارات مقلقة بشأن النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والعدول عنها، مضيفاً إن الأمين العام يكرر أن المستوطنات هي انتهاك صارخ للقانون الدولي. إنها عقبة رئيسة أمام تحقيق حل على أساس دولتين قابل للاستمرار وسلام عادل ودائم وشامل، ومشيراً إلى أن توسيع هذه المستوطنات غير الشرعية، إنما هو محرك رئيس للتوتر والعنف ويزيد الاحتياجات الإنسانية بشدة.
وتأتي القمة المزمع عقدها في أعقاب القمة التي عقدت العام الماضي في صحراء النقب بين إسرائيل والبحرين والمغرب والإمارات والولايات المتحدة، بالإضافة إلى مصر.
وفي 2 يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث اتفقت الدول الست على عقد القمة بشكل سنوي، وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أن المغرب سيحتضن خلال مارس/آذار 2023 اجتماع قمة “النقب 2” لكن القمة لم تنعقد في موعدها المعلن حينها، فيما لم يتم ذكر الأسباب.
وعززت الرباط العلاقات مع إسرائيل ووافقت على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها.
واستقبل المغرب مؤخرا ثلاثة وزراء إسرائيليين في زيارات رسمية متفرقة، إضافة إلى رئيس الكنيست ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي. كما يعمل البلدان على تعزيز تعاونهما العسكري في سياق إقليمي متوتر.
وقد شهدت عدة قرى وبلدات فلسطينية مؤخراً هجمات من قبل مستوطنين، استشهد وأصيب فيها عشرات الفلسطينيين في اقتحام مدينة جنين، إلى جانب حرق وتحطيم عشرات السيارات والمنازل، وذلك بعد مقتل 4 إسرائيليين وإصابة 4 آخرين في إطلاق نار نفذه فلسطينيان استشهدا لاحقا، كما أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إجراءات لتسريع البناء في مستوطنات بالضفة.
فهل تحاول المغرب بمثل هذه المواقف ألا يطغى موقفها من التطبيع على الرؤية والالتزام تجاه قضية فلسطين الشرعية؟
حسب الخبراء فإن المغرب أكد بتأجيل القمة على موقفه الثابت من القضية الفلسطينية، وأن علاقته مع الجانب الإسرائيلي ليست على حساب القضية الفلسطينية.
وفي هذا الإطار، قال إحسان الحافظي الأكاديمي والباحث المغربي في العلوم الأمنية وإدارة الأزمات، إن المغرب أعلن رسميا أسباب تأجيل القمة بربطها بالتصعيد الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضاف إن الموقف ينسجم مع اشتراطات تطبيع العلاقات المغربية-الإسرائيلية، ومفادها أن هذا التقارب لن يكون على حساب الحقوق الفلسطينية.
ويرى أن الموقف المغربي ينسجم مع الالتزام العربي حيال هذه القضيةـ وبذلك يبدو أن التطبيع هو ورقة ضغط أيضا على الطرف الإسرائيلي، بما يهدد الاتفاقات الإبراهيمية.
ولفت إلى أن "الموقف المغربي أبان أن التضامن الفلسطيني ليس شعارا للتسويق وحشد الرأي العام، بل هو موقف سياسي والتزام يعلن عنه في التوقيت المناسب".
وفق الباحث فإن "إلغاء القمة سيكون له الأثر على الموقف الإسرائيلي، مع الأخذ بعين الاعتبار الثقل الذي لدى الإسرائيليين من أصول مغربية داخل القرار السياسي في تل أبيب".
وشدد على أن "الرباط بهذا الموقف اختارت الاصطفاف إلى جانب الحقوق الفلسطينية، ومنعت تحويل التقارب المغربي الإسرائيلي إلى أداة لانتزاع مواقف سياسية خارج دائرة الإجماع الوطني والمبادرات العربية المعلنة".
وقال نوفل البوعمري الباحث المغربي، إن تأجيل القمة للمرة الثانية، جاء في إطار عدم التزام إسرائيل في تنفيذ التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني، واستمرارها في سياستها الاستيطانية التوسعية.
وتابع الباحث "سياسة إسرائيل الموجهة لفلسطين تجعل من إمكانية الاستمرار في عقد القمة بهذه الظروف غير مناسب للدول العربية، بسبب الوضع المتشنج والمقلق الذي تسببت فيه الاختيارات الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني".
ويرى البوعمري أن أية نتائج كان يرتقب الإعلان عنها لن يتم الالتزام بتنفيذها من طرف إسرائيل، وهو ما دفع لتأجيل القمة في ظل الظرف الراهن.