الوقت- خلال المرحلة السابقة شهدت تونس الكثير من التوترات وعدم الاستقرار السياسي حيث إن الطابع العام للمشهد خلال الفترة الماضية كان عدم الانسجام بسبب مجموعة الإجراءات التي بدأت بتجميد البرلمان المنتخبة أعضاؤه من طرف الشعب التونسي ، وبرفع الحصانة عن أعضائه تمهيدا لتلفيق التهم لهم ومحاكمتهم ، ثم حله نهائيا وما لبث الرئيس التونسي بذلك أن ركز كل السلط بيده تشريعية، وقضائية ،وتنفيذية ، وأجهز على القضاء الرافض لتدخله في استقلاله ، والمنكر لانقلابه على المسار الديمقراطي، فعزل مجموعة من القضاء بعدما لفق لهم تهمة الفساد ،ولفق تهماً جنائية لحزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية ، وهو المستهدف الأول عنده ، وراح بعد ذلك يقرر ما شاء مما زعم أنه استشارة للشعب في أمر دستور مطبوخ يحل محل الدستور الذي كان وراء التجربة الديمقراطية في تونس .
الصحافة الفرنسية تنتقد “مقامرة” سعيد بسيادة تونس
انتقدت مجلة “لوبوان” الفرنسية رفض الرئيس قيس سعيد الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي للموافقة على منح قرض لتونس، معتبرة أن سعيد “يقامر” بسيادة بلاده، في وقت تعرض فيه وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني لانتقادات كبيرة بعد أن قال إنه من الخطأ التعامل مع تونس كدولة أوروبية، مستخدماً خطاباً وصفه البعض بـ”العنصري” والاستعلائي”.وتحت عنوان “بوكر السيادة في تونس”، كتب الصحفي بينوا دلماس في مجلة “لوبوان”: ” في الوقت الذي تصطف فيه البلدان أمام شباك صندوق النقد الدولي للحصول على حقوق السحب الخاصة وخطوط التحوط والسيولة وغيرها، للحد من التأثير الاجتماعي للأزمات، ترفض تونس تلك الأموال”.وحذر من انهيار الوضع الاقتصادي في حال إصرار البلاد على رفض شروط صندوق النقد الدولي، في وقت يتزايد فيه التضخم وعدد العاطلين عن العمل (16 في المئة)، ما يدفع الآلاف شهرياً لمحاولة ركوب قوارب الموت نحو إيطاليا.
هل تتخلى تونس عن السيادة مقابل المساعدات والدعم الاقتصادي
قال الكاتب إن “تونس تجد نفسها في وضع صعب للغاية في نهاية مايو/أيار الجاري، حيث يتم الضغط على الرئيس قيس سعيد لقبول المساعدة البالغة 1.9 مليار دولار، عبر التوقيع على خطاب طلب المساعدة رسميا، ولكنه يرفض ذلك، مكرراً أن بلاده “ليست للبيع”، رافضا الخضوع “للإملاءات” بتشجيع من الجزائر”.واعتبر أن “رفض سعيد لأموال صندوق النقد الدولي يثير عاصفة بين حلفائه، ويثير الذعر في إيطاليا التي وعدت رئيستها الناخبين بإقامة “حصار بحري” على المهاجرين، مؤكدة أن من شأن الأموال التي سيقدمها صندوق النقد الدولي أن تساعد في إعاقة عمليات المغادرة، ليتبين أن الرئيس سعيد سياسي يفضل المقامرة بادعاء الحرص على السيادة ويوشك على أن يخسر كل شيء”، وفق تعبير الكاتب.
الخطاب العنصري لوزير الخارجية الإيطالي يثير جدلاً كبيراً
أثار وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني جدلاً كبيراً بعد استخدامه لخطاب اعتبره البعض “عنصرياً” ضد تونس.وكان تاياني طالب، في حديث لوكالة “نوفا”، تونس بإجراء المزيد من الإصلاحات لدعم الاستقرار وتجنب الأزمة الاقتصادية، لكن اعتبر أنه “لا يمكننا أن نتوقع أن تتحول دولة شمال إفريقية إلى دولة في شمال أوروبا”، في تصريح يحمل “نزعة استعلائية” وإساءة لبلدان شمال إفريقيا.
وسرعان ما انتقد الرئيس قيس سعيّد الخطاب “الاستعماري” للغرب، مشيرا إلى أن “البعض ما زال يحن إلى خطاب جول فيري (أحد أبرز منظري الاستعمار الفرنسي)”، في إشارة غير مباشرة لتصريح تاياني.كما شدد سعيد على “سيادة الدولة التونسية، وعلى ضرورة التعامل الندّ للندّ، مع تمسّك تونس بعلاقاتها الاستراتيجية مع الدول الأوروبية ومع الاتحاد الأوروبي في إطار المصلحة المشتركة”.وكتب الخبير الأممي السابق ورئيس حزب المجد، عبد الوهاب الهاني، “تصريح إيطالي مهين لتونس دولة ورئيساً وحكومة تدابير استثنائية وشعباً. وخطاب عنصري مقيت يمثل أبرز تجليات العنصرية الأورومركزية المزمنة للرجل الأبيض المريض بما يعتبره تفوق “الحضارة الأوروبية” العليا على “الحضارة العربية الإسلامية” السفلى، في الفكر السياسي العنصري الاستعماري الفرنسي حاول فيري تبرير الاستعمار الفرنسي الغاشم لتونس”.وتساءل بقوله “أين هي القيم الإنسانية المشاعة المشتركة بين الشعوب المؤمنة بالحرية والديمقراطية والتي تدين بكرامة الذات البشرية وبالمساواة بين الشعوب والدول في السيادة وبالاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين الحضارات؟”.وسبق أن أثار تاياني جدلاً مشابهاً بعدما دعا إلى تقديم مساعدة عاجلة لتونس قبل أن تتحول إلى دولة يحكمها الإخوان المسلمون.كما حثّ الاتحاد الأوروبي على الإسراع بدعم الاقتصاد التونسي لقطع الطريق على روسيا والصين.
العنصرية في اروبا لم تعد سرًا
من الواضح أن الأوروبيين فيما بينهم يرون كل عرقية أو إثنية منهم تنظر لنفسها بالتفوق وتمارس العنصرية ضد غيرها، ولنا في بريكست فهم لعقلية المواطن الغربي ونظرته لمجتمعه والمجتمعات المحيطة، فنجد أن الأوروبيين الغربيين يرون في المجمل أنهم أرقى وأكثر تطوراً من أوروبا الشرقية. وليست أزمة كورونا منا ببعيدة عندما تخلت الدول الأوروبية عن بعضها وخرج علينا سياسيون ينددون بتلك النذالة!ولنأخذ مثالاً على ذلك حتى تتضح الصورة، فالمواطن البريطاني -البعض منهم- يرى نفسه أرقى من مثيله الذي يتحدث نفس لغته ويحمل حتى نفس حروف اسمه ولكن يختلف معه في العرق واللون! والدراسات تثبت أن الأعراق غير البيضاء تأخذ فرص وظيفية أقل ورواتب أدنى وقبولات جامعية أدنى، وهكذا.وهذا ليس مجرد ادعاء أو رأي، بل هو حقيقة أثبتتها دراسات عديدة على أغلب المجتمعات الغربية نفسها، فقد كشف استطلاع للرأي مولته "إندبندنت" أن "شريحة كبيرة من البريطانيين تعتقد بوجوب أن تشرع المملكة المتحدة في التصدي لمشكلتها المستفحلة المتمثلة في العنصرية؛ إذ كشف الاستطلاع أن واحداً من كل ثلاثة بريطانيين (33٪) يرى أن قوى الشرطة عنصرية، فيما ترتفع نسبة أصحاب هذا الرأي إلى 42٪، بين المستطلعين المنحدرين من أقليات إثنية.
كذلك كشف الاستطلاع أن ما يناهز ثلث البريطانيين المنحدرين من أقليات إثنية (33٪) يعتقدون أن الصحف الشعبية في بريطانيا عنصرية، فيما شاركهم هذا الرأي أكثر من ربع البريطانيين من مختلف الأعراق (28٪)".ثم في مستوى أعلى فهناك إحساس بتفوق البريطانيين عموماً عن الفرنسيين والألمان، وكل منهم يبادل الآخر شعوراً مشابهاً، وهكذا حتى نصل لمستوى أن ينظر أهل أوروبا الغربية لأنفسهم على أنهم أرقى وأكثر تحضراً من أوروبا الشرقية مثل بولندا وكرواتيا والمجر وما شابه.وهكذا فكل منهم يؤمن بتفوق نفسه عن الآخر وكلما زاد التمايز والاختلاف زادت العنصرية وقل مستوى التعاطف والعكس بالعكس
عنصرية الغرب واوروبا تجاه العرب
لسنا بحاجة إلى سرد كثير من الشواهد والأدلة على عنصرية الغرب، وتحديدا دول ومجتمعات أوروبا، ومعها الفئات المهيمنة في شمال أميركا، تجاه العرب والمسلمين والأفارقة، وحتى مع فئات أخرى مثل الآسيويين في شرق وجنوب آسيا، فنحن نعرف هذه العنصرية وقد لمسناها في السلوك السياسي مع قضايانا، وفي التعامل الفردي معنا، وحتى في مجالات الأدب والفن بما فيها السينما حيث صورة العربي النمطية لا تخرج عن كونه إرهابيا مجرما ومخادعا، أو ثريا غبيا وخليعا، وتتسرب هذه الصورة الغربية عن العرب والمسلمين حتى إلى مجالات العلوم الإنسانية. ما فعلته الحرب على أوكرانيا وطريقة التعامل مع اللاجئين الفارّين من هذا البلد، والتصريحات العنصرية التي تطعن في آدميتنا ومدى تحضّرنا التي صدرت عن مراسلين وإعلاميين مشهورين وحتى عن مسؤولين حكوميين كبار، ثم التمييز في معاملة اللاجئين حسب لونهم ودينهم وأصولهم العرقية والجغرافية، كلها ظواهر قائمة ومتأصّلة لم تفعل الحرب سوى الكشف عنها وتظهيرها.ولا شك أن هذه المواقف على كثرتها وتكرارها ليست مجرد مواقف عفوية لأفراد محدودي الاطلاع والمعرفة، بل هي انعكاس لثقافات عميقة وراسخة تستند إلى التاريخ الاستعماري وما كرّسته نظريات التفوق العرقي التي رافقت الاستعمار ومهدت له وبررت جرائمه لاحقا، ثم أعيد إنتاجها عبر أشكال جديدة من السلوك السياسي والثقافي والنظريات المعرفية.
وليس من المفيد بتاتا أن نحاول إقناع الغرب، والدوائر العنصرية تحديدا، بأن بلادنا المشرقية هي مهد الحضارات الإنسانية، ومنها انطلقت الديانات والرسالات السماوية التي يؤمن بها أهل الغرب أنفسهم، وأن بين ظهرانينا مبدعين وعلماء وفنانين وعباقرة، وبيننا أناس شقر وبيض وسمر، فيهم مسيحيون ومسلمون، يساريون ويمينيون، لا فائدة من هذه المحاولات لأنها معروفة أولا، كما أنها تمثل ابتلاعا للطُعم العنصري إياه، ووقوعا في المصيدة التي تفترض أن معايير الغرب تمثل المسطرة التي ينبغي لكل البشر أن يقيسوا الأمور وفقا لها.علينا أن ندرك أن جزءا كبيرا من هذه المواقف العنصرية هي نتاج لسياقات طويلة من التطور غير المتكافىء والعلاقات المختلة بين الشرق والغرب، وبين دول الشمال الصناعي الرأسمالي المتطور، ودول الجنوب الذي تحرر من نير الاستعمار، فأدخلته نخبه الحاكمة بعد الاستقلال في أشكال جديدة من الاستعمار والتبعية والارتهان للأجنبي وتقسيماته للنظام الدولي.