الوقت- تواجه حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو أياماً حاسمة يتوجب عليها أن تصادق خلالها على قانون الميزانية لعامي 2023 و2024.
وتبدأ في الكنيست الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، عملية التصويت بـ3 قراءات على قانون الميزانية ويتوقع أن تستكمل فجر الخميس.
تعتبر موافقة الحكومة على الموازنة العامة نجاحاً سياسياً لنتنياهو الذي يكترث فقط لمصالحه ولبقائه في سدة الحكم، فقد جعل أذناً من طين وأذناً من عجين لكل التحذيرات المتعلِّقة بالإصلاحات القضائية التي أدخل من خلالها دولة الاحتلال في فوضى عارمة لإنقاذ نفسه، لكنه لن يتنفَّس الصعداء ولن تكتمل فرحته إلا بعد مصادقة الكنيست على الموازنة لتتحوَّل إلى قانون.
وفقاً للقانون الحالي، يتمّ حلّ الكنيست تلقائياً وإجراء انتخابات جديدة إذا لم تتمّ الموافقة على الموازنة بحلول نهاية شهر مارس/آذار أو في غضون 145 يوماً من تشكيل الحكومة الجديدة.
ففي حال الفشل في المصادقة على الموازنة، يتعيَّن على مختلف الوزارات الاستمرار بالإنفاق مما تبقَّى لديها من الميزانية السابقة، وفي هذه الحالة لا يمكن المصادقة على المشاريع الجديدة ولن يعرف الاقتصاد طريقه للاستقرار وستجد الدولة نفسها أمام أزمات هي بغنى عنها.
وليس ثمة مؤشرات على استعداد الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة لسيناريو حل الكنيست والتوجه للانتخابات مبكرة ولا سيما في ظل نتائج استطلاع الرأي العام التي تشير إلى هبوط مستمر في شعبية هذه الأحزاب.
ولكن في السياسة الإسرائيلية فإن كل شيء ممكن.
وتشهد الساحة السياسية، منذ عدة أيام، تجاذبات ما بين الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة وأيضا بين الحكومة والمعارضة التي تعهدت بالتجند لإسقاط الميزانية.
غير أن لدى الحكومة 64 مقعدا بالكنيست المكون من 120 مقعدا وهو ما يضمن لها النجاح في الحصول على ثقة الكنيست للميزانية في حال توحدت.
وفي الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية، الأحد، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "بالطبع، من أجل الاستمرار في الحفاظ على حكومتنا الوطنية، يجب علينا تمرير ميزانية الدولة".
وأضاف في إشارة إلى الإشكالية التي يواجهها في الحصول على تأييد كل أحزاب حكومته للميزانية: "أنتم تعلمون أن لدي القليل من الخبرة في هذا الأمر، بعد أن مررت ما يقرب من 20 ميزانية دولة، ويمكنني أن أخبركم أن هناك دائمًا حجج في اللحظة الأخيرة. أعتقد أننا سنتغلب عليها ونقر الميزانية."
وتابع نتنياهو: "أنا على يقين من أننا في الأيام المقبلة سنجسر جميع الفجوات وسنواصل العمل معًا".
وقالت صحيفة "الجروزاليم بوست" الإسرائيلية، الإثنين: "هل ستسقط الحكومة لمجرد أنها فشلت في تمرير الميزانية في الوقت المحدد؟ الإجابة المختصرة هي، على الأرجح، لا".
واستدركت: "لكن فرص حدوث ذلك نمت من الصفر الأسبوع الماضي تقريبًا إلى سيناريو محتمل ولكنه بعيد الاحتمال".
ما هي الصعوبات؟
العقبة الأساس التي يواجهها نتنياهو في الحصول على إجماع في حكومته لصالح الميزانية هم 11 نائبا.
وهؤلاء النواب هم 6 أعضاء حزب (القوة اليهودية) برئاسة إيتمار بن غفير، و4 نواب من حزب (أغودات إسرائيل) برئاسة وزير الإسكان يتسحاق غولدكنوبف إضافة إلى حزب (نوعام) الذي لديه نائب واحد وهو آفي ماعوز.
وتتفاوت مطالب هؤلاء النواب ولكنها كلها تتعلق بالمال.
فحزب "القوة اليهودية" يطالب بميزانيات قدرها 190 مليون دولار أمريكي من أجل ما يسميه تطوير النقب والجليل.
ولكن المراقبين في إسرائيل يقولون إن الحزب برئاسة إيتمار بن غفير سيصوت لصالح الميزانية سواء حصل على الميزانية أم لم يحصل عليها.
ويفسر المراقبون بأن لا رئيس وزراء آخر سيقبل بن غفير وزيرا في حكومته في ضوء الانتقادات المحلية والدولية التي توجه إلى الحكومة بسبب تصرفاته الاستفزازية.
ولكن من ناحية أخرى فإن استطلاعات الرأي العام التي جرت في إسرائيل بالأسابيع الأخيرة تشير إلى أن "القوة اليهودية" سيواجه صعوبة بالغة بالفوز في حال جرت انتخابات مبكرة.
اتفاق جديد بين حزبي الليكود وعوتسما يهوديت
توصل الليكود وعوتسما يهوديت إلى اتفاق بشأن الميزانية، وذلك في نهاية اجتماع طويل بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن جفير .
كجزء من الاتفاقية ، ستتلقى عوتسما يهوديت مبلغ 250 مليون شيكل إضافي لوزارتي النقب والجليل.
وبموجب الاتفاق بين الطرفين، سيحصل حزب "عوتسما يهوديت" على مبلغ إضافيّ قدره 250 مليون شيكل، من فائض ميزانيات الوزارات الأخرى.
يأتي ذلك في ظل مساعي الحكومة للمضي قدما في إجراءات المصادقة على الميزانية العامة وقانون التسويات؛ علما بأن الموعد النهائي للمصادقة على الميزانية هو 29 مايو الجاري، وعدم المصادقة على الميزانية بالقراءتين الثانية والثالثة حتى ذلك الحين سيؤدي إلى حل الكنيست أوتوماتيكيا والتوجه لانتخابات عامة جديدة.
أما حزب "نوعام" برئاسة آفي ماعوز، فلأن له مقعد واحد بالكنيست فإن تصويته من عدمه ليس ذي صلة.
ويقول المراقبون إنه حتى لو قرر ماعوز التصويت ضد الميزانية فإن من شأن تصويت 63 نائبا لصالحها أن يضمن نجاحها.
ولكن الإشكالية الأبرز التي يواجهها نتنياهو هي إرضاء حزب "أغودات إسرائيل" وهو جزء من الحزب الأكبر "يهودوت هتوراه".
والحزب اليميني الديني يطالب بميزانيات قدرها 165 مليون دولار لتمويل المدارس الدينية تضاف إلى عشرات ملايين الدولارات التي يحصل عليها الحزب أصلا للمدارس الدينية ومساعدات المتدينين.
ويرجح مراقبون إسرائيليون أن يوافق نتنياهو في نهاية الأمر على جزء من طلبات الحزب رغم تحذيرات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش والخبراء وانتقادات المعارضة في إسرائيل.
ولكن الاستجابة حتى على جزء من الطلبات سيعني الموافقة على فتح الميزانية التي أقرتها لجنة المالية البرلمانية الإسرائيلية الأسبوع الماضي.
وطبقا لمشروع الميزانية الذي صادقت عليه اللجنة، فإن ميزانية إسرائيل للعام 2023 ستبلغ 132 مليار دولار أما ميزانيتها للعام 2024 فتبلغ 140 مليار دولار.
وتعديل الميزانية يعني عودتها إلى لجنة المالية البرلمانية من أجل تصويت جديد.
وقالت "الجروزاليم بوست": "سيؤدي هذا إلى تأخير بدء التصويت النهائي على الميزانية في الجلسة الكاملة للكنيست، وسيمنح المعارضة الفرصة لمحاولة تأخير اللجنة قدر الإمكان، وكذلك محاولة جذب المزيد من انتباه وسائل الإعلام للجوانب الإشكالية في الميزانية وتكثيف الضغط على الحكومة".
وأضافت: "إذا تجاهل نتنياهو وسموتريتش ببساطة مطالب أغودات اسرائيل، فإن الحزب سيحيل الأمر لقرار مجلس حكماء التوراة في الحزب".
واستدركت: "من غير المرجح أن يقرر المجلس إسقاط الحكومة".
ومع ذلك فإن نتنياهو سيخشى من أن يتفاوض الحزب مع المعارضة من أجل تشكيل حكومة أخرى ولا سيما أن شعبية الحزب لم تتراجع في الأسابيع الأخيرة.
وقالت الصحيفة: "لا تزال فرص قيام أغودات إسرائيل بالمجازفة بمثل هذه الحكومة المؤيدة للدين منخفضة. لكنهم موجودون، وبحلول نهاية هذا الأسبوع، سيحتاج الحزب إلى اتخاذ قرار".
من جانبه، أكَّد نتنياهو أنّ هذه الموازنة تتماشى مع متطلَّبات الاقتصاد الحرّ المقترن بالمسؤولية المالية والنقدية، وأفاد بأنّ الاقتصاد الإسرائيلي قويّ وأصبح أقوى مع موافقة مجلس الوزراء على مشروع الموازنة.
تحذير من محافظ البنك المركزي
لتبرير شحّ الموازنة الجديدة على عدّة وزارات، حذَّر محافظ بنك إسرائيل أمير يارون من ظهور بوادر أزمة اقتصادية جديدة وسط مخاوف متزايدة بشأن سعي الحكومة لإجراء تغييرات شاملة في القضاء تثير فزع المستثمرين ورجال الأعمال وتنذر بحدوث انكماش اقتصادي، وأفاد أيضاً بأنّ ارتفاع التضخُّم وتذبذب أسواق المال وتراجع سعر صرف الشيكل أمام الدولار كلها عوامل خطيرة تستوجب التحلِّي بالمسؤولية في الإنفاق العام، وشدَّد على أنّ السياسات المالية التي تؤدِّي إلى توسُّع الطلب تشكِّل ضغوطاً تضخُّمية إضافية تحول دون تحقيق قفزة اقتصادية نوعية.