الوقت - شهدنا في الأيام الماضية وقوع حدثين حاسمين ومهمين للغاية في المنطقة، سيكون لهما بالتأكيد تأثير مباشر على تبلور جبهة المقاومة في المنطقة وتقويتها.
يتعلق أحد الحدثين بزيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق وتعزيز العلاقات بين طهران ودمشق، والآخر بالعودة المشرفة لسوريا إلى جامعة الدول العربية. وفي الأيام الأخيرة، حاولت مراكز الفكر ووسائل الإعلام الغربية الجمع بين هاتين المقولتين، ومقارنتهما ببعضهما البعض.
ما الذي حدث بالفعل، وما تأثيره على البنية التحتية والعلاقات الاستراتيجية للمنطقة في العصر الحالي؟ وأبعد من ذلك، لماذا تعتبر التطورات الأخيرة في العلاقات بين سوريا والجهات الفاعلة الإقليمية، مثالاً على فشل استراتيجي واضح للغرب والکيان الإسرائيلي؟
الدبلوماسية الديناميكية للمقاومة
النقطة الأولى تشير إلى القوة القصوى للعلاقات بين إيران وسوريا، باعتبارهما العضوين الرئيسيين والفاعلين في جبهة المقاومة في المنطقة.
تعتبر زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، النقطة التي تكشف عن ديناميكية الدبلوماسية الإقليمية الإيرانية. منذ عام 2011، حاول أعداء الأمن الإقليمي وعلى رأسهم واشنطن وتل أبيب، تدمير نقاط الاتصال لجبهة المقاومة، من خلال خلق أزمة مصطنعة في سوريا والعراق، وتوجيه الإرهابيين التكفيريين إلى هذه المنطقة.
وفقًا لحسابات مراكز الأبحاث الغربية والصهيونية، كان من المفترض تدمير الحكومة الداعمة للمقاومة في دمشق بحلول عام 2014. وفي بغداد أيضًا، كان من المفترض خلق أرض محروقة ذات البنى التحتية المدمرة، لإعادة تصميم السياسات الفاشلة للولايات المتحدة والکيان الصهيوني.
نحن الآن في عام 2023، وقد توجه وفد سياسي واقتصادي من إيران، بقيادة الرئيس الإيراني، إلى سوريا لنرى ثمار العلاقات البنيوية المتزايدة بين طهران ودمشق في المستقبل القريب. ولا شك أن صور اللقاء الودي بين رئيسي إيران وسوريا، في واحدة من أكثر اللحظات حساسيةً في الحياة السياسية للمنطقة، تزعج قادة دول الهيمنة.
وفقًا للوعود القطعية للقيادة المركزية ووكالة المخابرات المركزية والموساد، لم يكن من المفترض أن يشهدوا مثل هذه الصور في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
في قاموس السياسة الخارجية الثورية، لا مكان للاستسلام للغرب وقلبه للحقائق الحالية في النظام الدولي. وهذه القاعدة تنطبق أيضًا في عملية تنشيط وإحياء دبلوماسية إيران الإقليمية.
قطعة كبيرة في أحجية دبلوماسية إيران الإقليمية
هناك علاقة كبيرة وذات مغزی بين المفاوضات الفعالة التي جرت في بكين، والتي أدت إلى إحياء العلاقات بين طهران والرياض، واستمرار التآزر الاستراتيجي بين إيران وسوريا. وهما نتاج نوع من الدبلوماسية الذكية التي تستخدم فيها التكتيكات لخدمة الاستراتيجيات.
إن إصرار إيران على تعزيز العلاقات الحالية في جبهة المقاومة، يظهر بوضوح أن الميدان يؤثر علی الدبلوماسية. والآن نشهد بوضوح اتجاه قدرات السياسة الخارجية الإيرانية في ظل الاستراتيجية الكبرى التي تسمى زيادة ساحات اللعب.
الافتراض المسبق وأساس وجهة نظر السياسة الخارجية الحكيمة لإيران تجاه هذه الاستراتيجية هو أن أي اتفاق مع أمريكا، حتى لو تم، لا يمكن أن يكون بمثابة نقطة ثقل استراتيجية واقتصادية في معادلات السياسة الاقتصادية والخارجية للبلاد. وفي مثل هذه الحالة، ركزت إيران بشکل عملياتي خاص على مجال الدبلوماسية الإقليمية، ولعبت دورها في المشاريع الجماعية.
وجاء في هذا الإطار توطيد وتوسيع العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية بين إيران وأعضاء جبهة المقاومة من جهة، وتفعيل قدرات دول البريكس وشنغهاي وأوراسيا لصالح أهداف إيران الاقتصادية والإقليمية وحتى عبر الإقليمية من جهة أخرى.
وفي مجال الدبلوماسية الإقليمية وخاصةً العلاقات مع الجيران، نشهد أيضًا إعادة تعريف العلاقات المحيطية مع منطقة الخليج الفارسي وآسيا الوسطى وأفغانستان وشبه القارة الهندية والجيران الغربيين، حول مصالح إيران الوطنية. ونتيجةً لهذه الإجراءات، نشهد تفعيل العديد من القدرات الإقليمية في ظل إرساء مسار كبير ومتواصل في مجال الدبلوماسية.
وفي هذه المعادلة، تعتبر قوة إيران الإقليمية والميدانية ضد أعدائها الإقليميين، أساس الحصول على فرص سياسية وجماعية لصالح هذا البلد. وبالتأكيد، ستكون ثمار هذه النظرة الواسعة والعملياتية في مجال الدبلوماسية، ملموسةً في المستقبل القريب في المجالات الاستراتيجية والتكتيكية.
النهج الغربي تجاه عودة سوريا إلى الجامعة العربية
في غضون ذلك، لا يمكننا إهمال تحليل مقاربة الجهات الغربية تجاه بلورة دبلوماسية إقليمية جديدة في المنطقة، وذلك مع الدور النشط لجبهة المقاومة، وخاصةً أن كل من سوريا وإيران لعبتا وستستمران في لعب دور مهم في تحقيق هذا المسار.
ينقل الإعلام الغربي في الغالب عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية إلى الرأي العام العالمي على شكل مجرد نبأ، دون الإشارة إلى القيمة الاستراتيجية والخلفية الإقليمية والخارجية لهذا الحدث المهم.
في فترة قيام أجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية بتأسيس داعش، لم يكن كبار المسؤولين الغربيين يتخيلون أنه بعد عقد من الزمان، سيضطرون إلى قبول واقع يُدعى بقاء الحكومة السورية والعودة القوية لهذا البلد إلی جامعة الدول العربية.
الخطة المشؤومة لإسقاط الحكومة السورية وقطع الصلات بين مكونات جبهة المقاومة، تم إعدادها مرات عديدة في مراكز الفكر الغربية والصهيونية، وفي هذه الحسابات لم يکن هناك تصور لاحتمال عودة سوريا إلی جامعة الدول العربية.
تحدٍّ للثوابت الاستراتيجية للغرب في المنطقة
إن استراتيجية تحويل سوريا والعراق إلى أرض محروقة، أصبحت الآن استراتيجية كيفية قبول النظام الإقليمي الجديد في غرب آسيا المتمركز على جبهة المقاومة. وهذا يعتبر أسوأ فشل في الحسابات والإستراتيجية للغرب.
وبالتأكيد، في هذه المعادلة، تعرَّض اللاعبون الغربيون، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بصفتهم العامل المساعد لأمريكا في دفع خطة الإطاحة بالحكومة السورية، إلى آثار وعواقب هذا الفشل الكبير.
إن طبيعة ومنظور الأحداث الجارية في غرب آسيا ليسا بالتأكيد في مصلحة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهما في تناقض مطلق مع خارطة الطريق والاستراتيجية في بداية إنشاء داعش.
بعد أن تولى بوش الابن منصبه واحتلال واشنطن لأفغانستان والعراق، حظيت هذه الفرضية الوهمية (الحاجة إلى تحديد هيكل النظام العالمي الجديد من قبل الولايات المتحدة) بمزيد من الاهتمام والإشارة من السياسيين الغربيين.
وأصبحت نظريات صدام الحضارات لهنتنغتون ونهاية التاريخ لفوكوياما، هي أيضًا الخطوط النظرية لهذا النظام المزعوم. وبناءً على ما يعترف به الاستراتيجيون الغربيون وبمقاييس عديدة، يتراجع نفوذ أمريكا ووجودها في غرب آسيا.
السعودية تصنع السلام مع إيران، وأقرب شركاء أمريكا العرب يعيد سوريا إلى الحضن العربي. وكما يُلاحظ، فشلت أمريكا حتى في رسم شبكة مؤيديها وأتباعها وخلق روابط استراتيجية جديدة مع حلفائها الإقليميين والتقليديين.
وفي هذا النوع من الظروف، لا يمكن حتی للسياسيين والاستراتيجيين الغربيين الأكثر خبرةً أن يقارنوا بين "الشرق الأوسط الجديد" المزعوم لأمريكا في بداية القرن الحادي والعشرين، والعلاقات الإقليمية الحالية في غرب آسيا، التي تنبع من العقلانية الجماعية والقوة الخاصة للفاعلين في جبهة المقاومة التي تبلورت في رفض التدخل الأمريكي الأوروبي، وهي الحقيقة التي اعترف بها الجميع.
الفاعلون الأوروبيون الذين كانوا يستعدون لتشكيل نماذج هيمنتهم الجديدة في منطقة غرب آسيا، الآن من ناحية عليهم أن يتحملوا تكاليف انتصار جبهة المقاومة في المنطقة، بما في ذلك قبول سوريا كعضو قوي في جامعة الدول العربية، ومن ناحية أخرى، عليهم تعلم كيفية التفاعل مع الظروف الجديدة.